مع مرور شهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، يسود في ألمانيا قلق على النظام الأمني الأوروبي وانسداد أفق الحل لوقف الغزو، وعدم تمكن الرئيس فلاديمير بوتين من حسم المواجهة، بفعل المقاومة الشرسة للأوكرانيين دفاعاً عن بلادهم، وهو ما يساهم في استنزاف قدرات القوات الروسية وتكبيدها خسائر فادحة، فيما لا تزال عملياتها العسكرية مستمرة وتخلف دمارا" شاملا" للبلد الواقع في شرق أوروبا، وسط تواصل عمليات النزوح.
ورأى الخبير الأمني في مؤسسة العلوم والسياسة فولفغانغ ريشتر أخيرا، في مقابلة مع شبكة "أن تي في" الإخبارية، أن الحرب "ستستمر لفترة طويلة، لأنه في الوقت الحالي لم نعد نرى أي تقدم بري ملموس، ما عدا استثناءات قليلة. وكل ذلك على وقع مفاوضات تمر بحال من الركود وتدار بطرق منقسمة وفرعية وعبر عدة أطراف".
وفي السياق عينه، أبرز الخبير نفسه أنه في مدينة ماريوبول المحاصرة "المعارك صعبة، والمدينة لا تزال تقف في طريق استكمال الممر الروسي بين دونباس وشبه جزيرة القرم، والقوات الروسية ترهق نفسها في معارك مدينة خاركيف وكييف، وتريد غزو أوديسا من أجل إغلاق ساحل البحر الأسود أمام الإمدادات عن طريق البحر".
حرب استنزاف
إلى ذلك، توقع الضابط السابق أن يتحول الغزو إلى حرب استنزاف، وحتى مع استخدام الروس أسلحة أكثر حداثة بينها الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فلا يمكنها عمليا" إلا تدمير أهداف محددة ولا يكسبهم أي توسع جغرافي".
وعن أوجه الشبه بين أوكرانيا وسورية والشيشان، قال الخبير الأمني: "لا أعتقد أن المقارنة صحيحة، فالسياق مختلف تماما، والوضع الاستراتيجي مغاير في غزو أوكرانيا، لأن الأمر يتعلق بمخاوف روسيا الأمنية، بينها نهج الناتو وإمكانية تمركز القوات أو نصب صواريخ للحلفاء في أوكرانيا. وهذه الانتهاكات للمبادئ غير قابلة للتفاوض، وبخلاف ذلك لن يتم تدمير سيادة أوكرانيا وحسب، بل أيضا تدمير أسس النظام الأمني الأوروبي".
من جهة ثانية، أشار ريشتر إلى أن حلقات تطويق القوات الروسية للمدن الأوكرانية معرضة بدورها للخطر، ولا سيما أن القوات الأوكرانية تتلقى دعما "مكثفا" للسلاح والخدمات اللوجستية والمساعدات المالية والإنسانية من الغرب، وسيصمد الأوكرانيون لفترة طويلة حتى ولو سقطت ماريوبول.
في المقابل، يعتبر آخرون أن اجتياح أوكرانيا، سيشكل عامل ضغط على موازنات الدول الأوروبية، في ظل التضخم ونقص السلع وغلاء المشتقات النفطية مع فرض المزيد من العقوبات على روسيا ونقص السلع الأساسية، لأن العقوبات الغربية ستدخل حيز التنفيذ وستكون لها عواقب اقتصادية بعيدة المدى على روسيا.
وفي رد على سؤال عما إذا كان يمكن لبوتين التعويل على دعم شعبه، لفت ريشتر إلى أنه "وعلى الرغم من خنق الدعاية والأخبار عن الغزو والتعامل معه تحت مسمى عملية خاصة، فإن الأخبار الحقيقية ستصل مع وصول جثث الآلاف من الجنود الروس الشباب في توابيت، حتى أن المعاناة تصل إلى العائلات في كلا البلدين، اللذين بقي الاختلاط في ما بينهما قائما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في إشارة الى أن البعض أطلق عليها اسم "حرب الأشقاء"، لأن الشعبين مرتبطان ارتباطا "وثيقا" و"تاريخيا" و"ثقافيا" و"عائليا".
إلى ذلك، ومع فرض المزيد من العقوبات على موسكو فإن الطبقة الوسطى الروسية ستكون من أكثر المتأثرين، وهذا ما سيزيد الضغط على بوتين في الداخل، حسب المصدر ذاته.
غياب الطرف المحايد للتوسط بالمفاوضات
وعن الجهة التي يمكن أن تتوسط لنجاح المفاوضات، أشار الخبير الأمني إلى أنه "من الصعب تحديد من سيكون له الثقل الأكبر في عملية السلام مستقبلا. وحاليا لا يوجد طرف ثالث محايد يتمتع بالوزن اللازم، لكن هناك حاجة إلى الدول القوية للتوسط في حل سلمي، لأن الضمانات الأمنية لوضع أوكرانيا المستقبلي معرضة للخطر أيضا".
وأضاف: "في النهاية، يتعين على بايدن التحدث مع بوتين في مرحلة ما لأن ذلك مهم للاستقرار الاستراتيجي للحفاظ على التوازن النووي". من دون أن يغفل الإشارة إلى أنه يمكن للصين، التي تحتاج لتجارة عالمية حرة من أجل نموها الاقتصادي، العمل جنبا "إلى جنب مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد يكون من المفيد إذا اتفقتا تحقيق صيغة تسوية لتكون حافزا" لطرفي النزاع، مع دور مؤثر للأوروبيين وفي مقدمتهم الألمان والفرنسيون.
وتوقع الخبير ريشتر أن تكون الاتصالات مستمرة لكن ليس على الملأ، لافتا "إلى أنه قد تكون هناك مفاوضات "سرية" عبر ما تُسمى القنوات الخلفية، والتي كانت موجودة أيضا" أثناء الحرب الباردة، وعادة ما تتمتع بالثقة من قبل الأطراف المتنازعة".