حميدتي في دارفور: الجدوى والتوظيف السياسي

03 يناير 2023
احتجاج في أم درمان تضامناً مع دارفور، ديسمبر 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

بعد الأحداث الدامية التي شهدتها ولاية جنوب دارفور، غرب السودان، الأسبوع الماضي، توجّه نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى المنطقة، في محاولة للحيلولة دون انفجار الوضع هناك.

وسعى حميدتي، عبر مجموعة من القرارات واللقاءات، إلى إنهاء الأزمة الناجمة عن اشتباكات بين قبيلتي الرزيقات والداجو، غير أن انتقادات تُوجّه لحراكه، وسط اتهامات له بمحاولة استغلال الأوضاع لصالحه.

وقضى حميدتي، منذ الخميس الماضي، 5 أيام حتى الآن ساعياً فيها إلى إعادة الأمن إلى منطقة بليل الواقعة على بعد 25 كيلومتراً من مدينة نيالا، مركز الولاية، بعد مقتل ما لا يقل عن 15 شخصاً، من بينهم شرطي وعنصر من الدعم السريع.

كما جُرح 30 آخرون وجرى إحراق نحو 9 قرى ونهب ممتلكات ونزوح الآلاف، جراء اشتباكات بين قبيلتي الرزيقات والداجو. واتهمت عدد من الجهات عناصر من قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي بالتورط في هذه الأحداث.

وسبق أن أعلنت سلطات ولاية جنوب دارفور فرض حالة الطوارئ، وحظر التجول ليلاً في منطقة بليل. كما أعلنت نشر قوات إضافية في المنطقة ووعدت بالتحقيق لكشف ملابسات الأحداث وتقديم المتورطين للعدالة، وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، وذلك وسط حالة من الشكوك حول جدوى تلك القرارات، لجهة أنها لم تُؤت أُكلها في أحداث سابقة مماثلة، سواء في الولاية أو ولايات دارفور الأخرى.

واستمرت طوال الأسبوع الماضي ردود الأفعال المنددة بما جرى، وأثيرت النقاشات حول جدوى اتفاق السلام الموقّع بشأن دارفور في عام 2020. كما أثارت مخاوف من تجدد نزاعات قبلية أخرى في الإقليم الموبوء بمرض النزعات القبلية.

في هذه الأثناء، أعلنت العديد من الجهات تضامنها مع الضحايا، آخرهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أشار، الأحد الماضي، بمناسبة ذكرى استقلال السودان، إلى أنه يُشارك شعب السودان في الحداد على الأرواح التي سقطت في العام الماضي، ليس فقط في الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، ولكن أيضاً في العنف القبلي.

واكتفت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام والمعنية بما يجري في إقليم دارفور، بإصدار بيانات إدانة، أو اتهام الأجهزة الأمنية بالتقصير، كما فعل رئيس حركة تحرير السودان مني أركو ميناوي. بينما انشغل رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، الذي يتولى منصب وزير المالية، بزيارة مناطق في ولاية الجزيرة، وسط البلاد، لتبقى زيارة حميدتي ومعه عضو مجلس السيادة، رئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي الهادي إدريس، هي الجهد الوحيد المبذول لمحاصرة العنف في جنوب دارفور.

حميدتي يُظهر نفوذه في دارفور

وبعد وصوله إلى ولاية جنوب دارفور، اجتمع حميدتي بالسلطات الأمنية في الولاية، وأعلن خلال الاجتماع التحفظ على أفراد من قوات الدعم السريع وإحالتهم للسجن بعد أن ظهروا في مقاطع فيديو أثناء الأحداث الدموية، وتعهد بتسليمهم لجهات التحقيق للفصل في أمرهم. كما أكد أن "الحكومة ستحسم تلك التجاوزات وستلقي القبض على بقية المجرمين المتورطين"، مبيناً أن "الحدث لن يمر بدون محاسبة لضمان عدم تكراره في المستقبل".

كما تفقد حميدتي المناطق المتأثرة ميدانياً، وخاطب أهالي القرى المعتدى عليها، ونادى في أكثر من مكان بضرورة نبذ الجهوية (المناطقية) والقبلية. كما حث على الوحدة، وتعهد بالتعامل الحاسم وفق القانون مع كل معتد.

وأشار حميدتي إلى أن الأحداث وقعت على الرغم من اتفاق السلام بين الحكومة والحركات المسلحة، ودعا إلى التمسك بالاتفاقية باعتبارها ركيزة للتنمية والاستقرار، ووعد بتوفير الأمن وخدمات الصحة والتعليم والمياه لمناطق محلية بليل، وضمان عودة المواطنين إلى قراهم من خلال وضع ارتكازات أمنية للمناطق المتأثرة.

كما حث حميدتي المواطنين على التعاون مع لجان التحقيق ومدها بالمعلومات الحقيقية، والكشف عن المتفلتين والإدلاء بالمعلومات الحقيقية عن الممتلكات التي فُقدت والمنازل التي أحرقت، والضحايا والجرحى والمفقودين.


حسن: زيارات حميدتي تكشف غياب دولة القانون

بدوره، لفت عضو هيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ما يقوم به حميدتي هي زيارات سياسية تكررت مرات عدة عقب كل حادث بالسيناريو نفسه". واعتبر أن "حميدتي يحرص على إظهار اهتمامه ونفوذه السلطوي في دارفور".

كما أكد حسن أن "تلك الزيارات تكشف غياب دولة القانون وعدم وجود أجهزة لا عدلية ولا قضائية، وفي كل مرة يتأبط معه النيابة العامة حتى فقدت هذه الأخيرة مهنيتها واستقلالها". كما أوضح أنه "من المفروض أن تكون النيابة مستقلة وتمارس سلطاتها بحسب قانونها، وألا تكون أداة من أدوات السلطة السياسية".

وأشار حسن إلى أن "حميدتي ومعه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، من أسباب المشكلة على المستويين القومي والمحلي في إقليم دارفور، وبالتالي لا يصلحان لأي تسوية حقيقية للأزمات العميقة في الإقليم". وشدد على أن "الحل الجاد يبدأ بإبعادهما معاً".

وحول مناداة البعض بإخراج الدعم السريع من مسرح الأحداث في دارفور لانحيازها المستمر لطرف واحد. أكد حسن أنه "طالما هناك جهات متأثرة ترى ذلك، فأصواتها هي المعتبرة وليس أي صوت آخر".

كما أكد عضو هيئة محامي دارفور أن "إنهاء تسلط البرهان وحميدتي هو مدخل أولي لا بد منه لإنهاء العنف في الإقليم، ومن ثم استعادة الدولة في أذهان المواطنين، إذ لا توجد في الوقت الحاضر دولة في أذهان المواطنين الذين اتجهوا لقبائلهم وتكويناتهم الطبيعية والمحلية".

وشدد على أن "الوضع الحالي لا يصلح لأي عمل يفضي إلى التأسيس السليم، وهناك ضرورة ملحّة لمعالجة المشاكل القبلية، وعلى رأسها المرتبطة بقضايا الأرض، وملاحقة مرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وإعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم". كما لفت إلى أن ذلك "لن يتحقق إلا من خلال تدابير استراتيجية تفضي إلى نزع الأسلحة وتسوية المنازعات بأسس متفق عليها وتجد القبول".

محاولات لتعطيل العملية السياسية الحالية

من جهته، أشار المحلل السياسي المختص بشؤون دارفور، حامد النور، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "التعقيدات في دارفور عامة، وولاية جنوب دارفور خصوصاً، تحتاج إلى معالجات عميقة وبعيدة المدى، بما في ذلك تحديد طبيعة القوات المنتشرة".

ولفت إلى أن "التجربة أثبتت أن تلك القوات أو بعضها تتفرق في لحظات الاشتباكات بانحياز كل فرد إلى قبيلته". ونبّه النور إلى "التأثيرات الكبيرة التي أصبحت تحدثها وسائل التواصل الاجتماعي على النزاعات القبلية، ما يؤدي إلى توسيع دائرة الاحتكاكات".

ورأى النور أن "نجاح زيارة حميدتي في إنهاء الأزمة الأخيرة بين الرزيقات والداجو، رهن بما يقدمه من ضمانات وخطوات تقنع كل الأطراف، خصوصاً مع صعوبة إيجاد حل في الوقت الراهن، بسبب العوامل النفسية الناتجة عن وجود ضحايا لم تبرأ بعد جراحهم".

كما رفض النور فكرة إبعاد قوات الدعم السريع، لأنها فرضت نفسها بقوة الواقع الذي لا يمكن تجاوزه على الأقل في المستقبل القريب "رضينا أم أبينا"، وذلك لما لها من قوة ضاربة ووسائل اتصال حديثة. كما أوضح أن "أهميتها تتضاعف في ولاية جنوب دارفور، لأن كثيرا من القبائل لن ترضى بحلول مفروضة عليها من جهات بعيدة عن المكونات الاجتماعية الموجودة في الولاية".

وبعيداً عن تفاصيل الزيارة واحتمالات فشلها أو نجاحها، فالبعض يخشى من تأثير الوضع في دارفور أو في أقاليم أخرى مثل شرق السودان على المحاولات السياسية الجارية حالياً لإنهاء الأزمة التي خلقها انقلاب البرهان العام قبل الماضي. هذه المخاوف تأتي بعد التقدم الذي أُحرز عقب التوقيع على اتفاق إطاري لنقل السلطة إلى حكومة مدنية في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي.


الصادق: الأيام المقبلة ستشهد خطوات جديدة في العملية السياسية

من ناحيته، رأى القيادي في قوى "الحرية والتغيير"، الريح محمد الصادق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أحد أهداف المجموعات التي تحرك التوترات في الشرق والغرب هو تعطيل العملية السياسية الحالية"، متهماً مخابرات إقليمية، لم يسمها، وعناصر النظام البائد في الأجهزة الأمنية، بالمساعدة في التخطيط وتغذية النزاعات الحالية لغرض فرملة الحلول السياسية. كما أكد أن هذه المحاولات "لم تنجح بعد في تعطيل الحلول التي تمضي بثبات للوصول إلى حل نهائي في الأسابيع المقبلة".

وشدد الصادق على أن "غياب الحكومة وأجهزة الرقابة بسبب الفراغ الذي أحدثه الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، جميعها أسباب تعمق المشكلة".

كما اعتبر أن "الحل المنتظر يمكن أن يعيد ترتيب الأمور، ومنها تنفيذ بند الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام مع الحركات المسلحة، وتطهير الأجهزة النظامية من بقايا النظام القديم". ولفت إلى أن "الأيام المقبلة ستشهد خطوات جديدة في العملية السياسية يتوقع لها أن تنتهي بنهاية شهر يناير/كانون الثاني الحالي، على أن تُشكل الحكومة مطلع فبراير/شباط المقبل".