حماس على خطى فتح والمنظمة!

31 يوليو 2022
أنقذت الانتفاضة الفلسطينية الأولى قيادة المنظمة من عزلتها الدولية (Getty)
+ الخط -

خلال أقل من ثلاثين عاماً على تأسيسها لتحرير فلسطين في العام 1964، سارعت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح إلى تقزيم برنامجها وأهدافها، التي بدأت بالتحرير والعودة وشعارات مثل "لا صلح؛ لا اعتراف؛ لا تفاوض"، مروراً ببرنامج النقاط العشر عام 1974، ومن ثم القبول بقراري الأمم المتحدة 442 و338 عام 1988، واتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل مع إسرائيل عام 1993، وليس انتهاءً بتعديل ميثاقها عام 1996؛ تم إقرار التعديلات في العام 1998.

بعد ذلك؛ أصبحت منظمة التحرير ومؤسساتها مفرغةً من معناها، وتآكلت لصالح مؤسسات السلطة، حتى كادت تصبح دائرة من دوائرها. كذلك أصبحت اجتماعات مجلسيها؛ الوطني والمركزي؛ شكلية، وحتى لجنتها التنفيذية غَلبَ عليها طابع الشللية، من حيث التعيينات القائمة على الولاء، والأجندات والقرارات المحددة مسبقاً من قبل مجموعة صغيرة.

أما الكفاح المسلح؛ الذي تبنته المنظمة وسيلةً لتحرير فلسطين، فلا نبالغ لو قلنا: بأن الرصاص الذي أطلقه مقاتلو المنظمة في أحداث مثل "أيلول الأسود"، والحرب الأهلية اللبنانية، يفوق بأضعاف الرصاص الذي أطلقوه على إسرائيل. قد اضطرت المنظمة وكوادرها إلى التنقل بسبب سلوكها من القاهرة؛ وعمان؛ وبيروت؛ ومن ثم تونس خلال أقل من عشرين عاماً (1964-1982).

قد تكون سابقة في تاريخ حركات التحرر الوطني، أن برنامج وهدف منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964، هو إقامة دولة مستقلة على أرض احتلت بعد ثلاثة أعوام من تأسيسها (1967)، رغم ذلك؛ هي اليوم أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق ذلك الهدف. 

أما حركة حماس التي تأسست عام 1987، قد تكون أولى إشارات تكرارها لسيناريو المنظمة وفتح هو مشاركتها في انتخابات مجلس السلطة الفلسطينية التشريعي في العام 2006. أما الإشارة الثانية؛ فهي "وثيقة المبادئ والسياسات العامة" التي أعلنتها حركة حماس عام 2017، حيث تشير بوضوح إلى قبولها حل الدولتين عبر قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

لكن هناك اختلافٌ بين مسيرة المنظمة وفتح، ومسيرة حماس، لا بد من ذكره، وهو أن قيادة المنظمة وفتح عملتا من أجل الرجوع إلى فلسطين، خاصة بعد أن أجبرتا على الخروج من دول الطوق، وجفت مواردهما المالية، قبل أن تنقذهما الانتفاضة الأولى من عزلتهما. لكن؛ تبين الآن أن ثمن عودة المنظمة وكوادرها لفلسطين كان كبيراً، وأن إسرائيل وحلفاءها استغلوا ضعف المنظمة، كي يفرضوا عليها مؤتمر مدريد، ومن ثم اتفاق أوسلو.

أما حركة حماس؛ وعلى الرغم من سيطرتها على قطاع غزة منذ العام 2007، بقيَ رئيس مكتبها السياسي (خالد مشعل)، والعديد من قياداتها خارج فلسطين، بل إن رئيس مكتبها السياسي الحالي؛ إسماعيل هنية؛ الذي انتخب عام 2017، وعاش جل حياته في قطاع غزة، أعلن عن جولةٍ إقليميةٍ بعد انتخابه رئيساً للمكتب السياسي، لكنه لم يعُد منذ ذلك الوقت إلى غزة، واستقر منذ ذلك الحين في الدوحة. أيضاً؛ يبدو أن حماس تكرر سيناريو المنظمة وفتح بطبيعة علاقاتها الإقليمية الملتبسة والمتذبذبة، بعد خروجها من سورية؛ ما يسمى محور المقاومة؛ رفقة دول أخرى مثل قطر وتركيا.

أما الكفاح المسلح بنسخته الحمساوية؛ منذ عام 2014 لم تحدث مواجهة عسكرية حقيقية مع إسرائيل، باستثناء "معركة سيف القدس" في مايو/أيار 2021، التي بادرت إليها الحركة رداً على "مسيرة الأعلام" الإسرائيلية في القدس، وعلى تهديدات الاحتلال بتهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح. لكن شعار "ما قبل معركة سيف القدس ليس كما بعدها"، الذي أطلقته الحركة وقياداتها، لم يصمد أكثر من عام، فالتهديدات النارية وربما غير المسبوقة التي أطلقتها قيادات الحركة السياسية والعسكرية "مسيرة الأعلام" التي جرت بتاريخ 29/5/2022 كانت مجرد كلام، على الرغم من الاستفزازات الإسرائيلية المبالغ بها، مثل عدد المشاركين، مسار المسيرة، الهتافات المسيئة للفلسطينيين والإسلام، وأهمها اقتحامات الأقصى بأعداد كبيرة مصحوبة بصلوات وطقوس دينية.

ربما يثبت هذا دافع حماس الرئيسي في معركة "سيف القدس"؛ ليست من أجل القدس؛ رداً على إلغاء الرئيس الانتخابات التشريعية، التي كانت مقررة بتاريخ 22/5/2022، والتي راهنت عليها حماس من أجل الخروج من أزمة الحكم في غزة، والحصول على قبول دولي بها، خاصة بعد رضوخها لكل طلبات حركة فتح، مثل تراجعها عن شروط تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية، والموافقة على نظام التمثيل النسبي الكامل (القوائم)، كما رضخت سابقاً للأمر الواقع بحل المجلس التشريعي، في حين كان عليها رفض تحول حله إلى سابقة قانونية، عبر اشتراط إعادة تفعيله إلى حين إجراء الانتخابات، وفاءً لقاعدتها الشعبية التي انتخبتها في حينه.

تقول نسبة 33% منه إن حركة حماس هي الأجدر بقيادة الفلسطينيين، متفوقة بذلك على حركة فتح، التي حصلت على 23% فقط، لكن تقول النسبة الأكبر 38% إن لا أحد جدير بقيادة الفلسطينيين، هنا لا بد من التذكير بأن غالبية الجمهور الفلسطيني يرى في استمرار وجود السلطة الفلسطينية عبئاً عليه وعلى قضيته، كذلك هبط تأييد الفلسطينيين للحل القائم على حل الدولتين إلى أدنى مستوياته منذ أوسلو بنسبة 28% فقط، وفق استطلاع الرأي العام الفلسطيني الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة في شهر يونيو/ حزيران الماضي.

تعكس الأرقام السابقة فشل مشروع المنظمة بقيادة فتح، التي تراهن على تحقيقه عبر المفاوضات؛ للمفارقة أصبحت إسرائيل غير معنية بها، حتى لو كانت مفاوضات شكلية لإضاعة الوقت. وكذلك تعكس عدم جدية حركة حماس، أو عدم جاهزيتها لقيادة الشعب الفلسطيني وتقديم رؤية تحررية مختلفة، إذ أعلنت قبولها مشروع حل الدولتين، بعدما اكتشف أصحاب المشروع فشله وموته، وبدأوا؛ عبر التلميح أحياناً والتهديد أحياناً أخرى؛ بالبحث عن خيارات بديلة.

بناء عليه؛ وفي ظل انعدام الخيارات أمام الجمهور الفلسطيني، على الأحزاب والحركات الفلسطينية الفاعلة، أو حركات جديدة، إعادة النظر في قراءة وتوصيف الوضع الراهن، كي تكون قادرة على تقديم رؤى وبرامج وأدوات حقيقية بعيداً عن الشعارات. وهذا يتطلب إعادة النظر في ركائز الوضع الراهن، وكيفية التعامل معها.

مثل، كيف للمقاومة الشعبية السلمية التي تنادي بها كل الفصائل، التأثير على إسرائيل في ظل وجود السلطة؟ كذلك تصف الكثير من القيادات الفلسطينية الوضع القائم بين النهر والبحر، بأنه واقع دولة واحدة تحكمه إسرائيل بـ"نظام الأبارتهايد"؛ وهو صحيح؛ لكن كيف يمكن تسويق هذا الواقع للعالم أجمع، من أجل إنهائه في ظل وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؟!

المساهمون