خلفية حفتر يتطلّع إلى حكم ليبيا من بوابة الانتخابات بعد مسيرة حافلة بجرائم الحرب والفشل العسكري

16 نوفمبر 2021
حفتر بعد تسجيله في المقر المحلي للمفوضية الوطنية العليا (عبدالله دومه/فرانس برس)
+ الخط -

 تخلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن بزته العسكرية التي لازمته طوال عقود انقلاباته وحروبه العسكرية، ليعلن، اليوم الثلاثاء، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية مرتديا لباسا مدنيا. يشعر الرأي العام بتخليه عن مساره العسكري، لكن هل تخلى عنه مجبرا بعد فشله العسكري، أم بمحض إرادته، لفترة مؤقتة؟   

ولد خليفة بلقاسم حفتر الفرجاني في مدينة أجدابيا، غرب بنغازي، عام 1943، ودرس العلوم العسكرية داخل ليبيا وخارجها في العراق وروسيا، قبل أن يعود إلى بلاده ليشارك في انقلاب عسكري قاده العقيد الراحل معمر القذافي لإطاحة الحكم الملكي في البلاد عام 1969. ولا يعرف عنه توليه مناصب بارزة، باستثناء قيادته حروباً مع تشاد في الثمانينيات انتهت بهزيمة، وأسر حفتر بيد القوات التشادية، وبعد عدد من الاتصالات بالسفارة الأميركية في نجامينا، انتقل للإقامة في فرجينيا الأميركية مطلع العام 1990. 

لم تنقطع صلته برفيقه القديم القذافي، فقد زار الأخير عائلته في مقر إقامتها في القاهرة عام 2006. غير أنه فضل استغلال فرصة ثورة الليبيين عام 2011 لإحاطة نظام القذافي، وتحقيق حلمه بحكم ليبيا. وبرز وقتها واحدًا ضمن قاعدة حراك الثوار في شرق ليبيا، قبل أن يختفي عن الأنظار حتى فبراير 2014، قبل أن يعلن عن انقلاب "تلفزيوني" فاشل في طرابلس دعا خلاله لتجميد الدستور. ولم يطل كشف نواياه طويلا، إذ أعلن في إبريل/نيسان من العام ذاته عن إطلاق عملية عسكرية بهدف السيطرة على بنغازي، تحت اسم "عملية الكرامة"، ووسّع حروبه في السنوات التالية تحت شعارات أخرى، منها "مكافحة الإرهاب"، وطاولت مدن درنة، شرق بنغازي، وأجدابيا غربها، وصولا إلى كامل مناطق الهلال النفطي شمالا.

ومع نتائج التهجير التي طاولت 10 آلاف أسرة من بنغازي، تحولت المدينة إلى مدينة أشباح، وكذلك درنة، غير أن مجلس النواب، الذي انحاز له وعقد اجتماعاته في طبرق أقصى شرق البلاد، شرعن مليشياته وسماها بـ"الجيش الوطني"، ومنحه رتبة "مشير"، ومن يومها، نقل حروبه إلى أجزاء أخرى من البلاد، تحت تسميات وشعارات عديدة، في اتجاهين، الأول المشاركة في مبادرات الحل السياسي، والثاني استمراره في مساعي فرض الحل العسكري تحت اسم "مكافحة الإرهاب" لجذب انتباه القوى العالمية. 

وتمكّن حفتر بدعم إماراتي مباشر، ومصري وفرنسي غير مباشر، ولاحقا روسي، من السيطرة على موارد النفط، ليتحول إلى رقم مهم في المعادلة الليبية، على الرغم من التقارير المتواترة، والمدعومة بالصور والفيديوهات، التي كانت تنقل صور الجثث والقتلى من وسط المدن التي سيطر عليها، وأصبح اسم "شارع الزيت" في بنغازي، حيث تكدّست جثث معارضي حفتر الذين قضوا على يد أجهزته الأمنية، رمزا يهدد كل من يعارض سياساته.  

 

حفتر وشعار "الحرب على الإرهاب"

 

كان شعار "الحرب على الإرهاب" مناسبا لحراك حفتر العسكري، خصوصا مع سيطرة تنظيم "داعش" على مدينتي درنة وسرت، على الرغم من أن الأخيرة حررتها قوات "عملية البنيان المرصوص" التي تكونت في غرب البلاد، أما الأولى فقد سمح لعناصر "داعش" بالخروج منها والمرور عبر كل الأراضي التي يسيطر عليها، على مسافة تزيد عن 500 كيلومتر من درنة إلى سرت، إلا أنه نسب إلى نفسه النصر على الإرهاب، وحرك مليشياته مجددا منتصف عام 2018 باتجاه الجنوب لمطاردة "العناصر الإرهابية الفارّة"، وتمكّن بالتحالف مع مقاتلي حركات التمرد السودانية والتشادية من السيطرة عليه.   

لكن موقفه من قبول الحلول السياسية انكشف جليا وبشكل واضح في عدوانه على طرابلس في نيسان/إبريل العام 2019، في الوقت الذي كان فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يزور العاصمة طرابلس للوقوف على الاستعدادات، التي تجريها البعثة الأممية ومختلف ممثلي الشرائح الليبية، لعقد ملتقى جامع في غدامس للتوصل الى حل سياسي للأزمة الليبية، ليتراجع بعد عام ونصف إثر هزيمته العسكرية أمام قوات "بركان الغضب"، ويظهر في القاهرة إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء إعلان الأخير عن مبادرة للسلام في ليبيا في نيسان العام 2020

إلى "الفتح المبين"

بعد إعلان قبوله مبادرة للسلام، أطلق حفتر حملته العسكرية على طرابلس، وأطلق عليها اسم "الفتح المبين"، ضاربا بعرض الحائط كل تعهداته السابقة والجهود المحلية والدولية للتوصل إلى حلول مناسبة لجميع الليبيين، بعد أن انقلب على كل المبادرات والاتفاقات السياسية التي توصلوا إليها، بما فيها اتفاق الصخيرات نهاية العام 2015م. 

طيلة الأشهر المتبقة من العام الماضي وحتى اليوم، تراجع ظهور حفتر الإعلامي إلى حد ترجيح مراقبين إمكانية عزله عن الساحة الليبية على خلفية تخلي حلفائه عنه، خصوصا مع انكشاف حجم الانتهاكات التي تورط فيها في طرابلس ومحيطها. من ذلك، قتل المئات من المواطنين جراء قصف الأحياء المدنية، ومقتل ثلاثين طالبا بعد قصف مباشر لكلية تدريب عسكري في طرابلس، بل وقصف مركز للمهاجرين غير الشرعيين في تاجوراء أسفر عن مقتل أكثر من ستين مهاجرا، وجاءت مقابر ترهونة الجماعية، التي لا يزال يكشف عن المزيد منها حتى الآن، أبرزَ شاهد على جرائمه

على من يعوّل حفتر لحكم ليبيا؟

لكن كل ذلك لم يمنع حفتر من الرجوع مجددا لتحقيق حلمه بحكم البلاد، لكن هذه المرة من باب الانتخابات، فعلى الرغم من تفتت جبهته الشعبية إثر هزيمته العسكرية جنوب طرابلس منتصف العام الماضي، فإنه لا يزال يعول على شرائح قبلية وأخرى مسلحة في جنوب وشرق البلاد، لا تزال مرتبطة به ويمكنها تقديم الدعم الانتخابي له، لكن يبدو أنه يعوّل على القوانين الانتخابية التي دفع حلفاءه في مجلس النواب الى تفصيلها على قياسه، لتضمن له وصوله إلى سدة الحكم من بوابة الانتخابات، من جانب، ومن جانب آخر، لتضمن له إغلاق الأبواب أمام ترشّح خصومه بمادة تنص على ضرورة تركهم وظائفهم الحكومية قبل موعد 24 كانون الأول/ ديسمبر بثلاثة أشهر، من خلال تمديد فترة النظر في التعديلات على قانون الانتخابات الرئاسية حتى مضي الوقت المحدد لترك الوظيفة أمام شخصيات نافذة وذات حظوظ أوفر في منافسته، كرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة.  

فهل ينكسر سياسيا بعد أن انكسر عسكريا، خصوصا مع تصاعد المطالب بضرورة إجراء الانتخابات وفقا لــ"قاعدة دستورية متفق عليها" من قبل قوى في غرب البلاد، توازيا مع فشل ممكن قد يواجه أنصاره في بناء قاعدة انتخابية له في جنوب وشرق البلاد، حيث لم يعد الكثير من الناس يصدقون خطاباته ووعوده بـ"الكرامة" و"محاربة الإرهاب"، بعد أن رأوا أشكالا من الانتهاكات تتجاوز معنى الإرهاب نفسه.   

المساهمون