حزب الأمة السوداني.. تحديات كبيرة بعد رحيل زعيمه الصادق المهدي

26 نوفمبر 2020
من غير المتوقع أن تخرج رئاسة حزب الأمة عن أسرة الصادق المهدي (الأناضول)
+ الخط -

 

سيجد حزب الأمة القومي في السودان نفسه، خلال الأيام المقبلة، في اختبار حقيقي وكبير بعد رحيل رئيسه الصادق المهدي، فجر اليوم الخميس، نتيجة إصابة بفيروس كورونا.

ولم يعرف الحزب، الذي تأسس في منتصف أربعينيات القرن الماضي في سنوات الاستعمار البريطاني، رئيساً منذ العام 1964 سوى الصادق المهدي، الذي خلف والده الصديق المهدي في المنصب، إذ ظل الصادق ممسكاً بتلابيب القيادة فيه لنحو 56 عاماً.

وكان المهدي أعلن أكثر من مرة رغبته في التنحي والتفرغ للأعمال الفكرية والكتابة وإمامة الأنصار، لكن كثيراً ما كان يتراجع برغبته أو تحت ضغط قواعد وقيادات حزبه التي ترى أهمية الحاجة إليه في قيادة الحزب لدورات جديدة.

وتأخذ رئاسة الحزب طابعاً وراثياً، إذ كان والد المهدي، السيد الصديق هو أول رئيس للحزب، وبعد وفاته مباشرة خلفه الصادق، خريج جامعة أكسفورد، متبنياً أطروحات جديدة تخرج الحزب من تقليداته إلى فضاء الحداثوية في العمل الحزبي.

 وسعى المهدي في العقود الأخيرة إلى أن يبعد عامل الوراثة كوسيلة نحو الترقي في عتبات الحزب، ورغم ذلك ظل أبناؤه وبناته يتدرجون في المناصب القيادية، إذ تتبوأ ابنته مريم المهدي الآن منصب نائب رئيس الحزب، وهو أمر يعزوه الصادق نفسه إلى كسبهم ونشاطهم وليس استناداً إلى سيرة والدهم أو جدودهم.

وليس من  المتوقع، رغم كل شيء، أن تخرج رئاسة حزب الأمة عن أسرة الصادق المهدي، ويُرشح لها الآن ثلاثة من أبنائه، أولهم ابنه الأكبر عبد الرحمن الذي تتضاءل فرصه، نتيجة مشاركته  نظام الرئيس المعزول عمر البشير في السلطة، مخالفاً توجهات الحزب، وذلك حينما خدم منذ العام 2012 في منصب مساعد رئيس الجمهورية واستمر في ذلك الحال حتى سقوط النظام في إبريل/ نيسان من العام الماضي.

ويعد الابن الثاني، الصديق الصادق هو الأقرب حتى الآن لتقلد منصب رئيس الحزب رغم ابتعاده عن المواقع الحزبية في الفترات السابقة، وانشغاله باستثمارات الحزب التي يعتمد عليها في تصريف نشاطاته.

يعد الابن الثاني، الصديق الصادق المهدي، هو الأقرب حتى الآن لتقلد منصب رئيس الحزب رغم ابتعاده عن المواقع الحزبية في الفترات السابقة

 

المرشح الثالث للمنصب هو مريم الصادق نفسها، التي تشغل حالياً منصب نائب رئيس الحزب، لكن تقل حظوظها بسبب تركيبة الحزب التقليدية والدينية، إذ من الصعب إلى الآن تمكين امرأة من قيادة حزب سياسي مثل حزب الأمة القومي.

وبعيداً عن المنصب الرئاسي، فإن الحزب سيواجه اختبارات أخرى على مستوى البرنامج والمواقف السياسية، ومن المعلوم أن حزب الأمة القومي جمد منذ وقت مبكر نشاطه السياسي داخل تحالف الحرية والتغيير نتيجة لاتهامه لأحزاب داخل التحالف باختطاف القرار.

بعيداً عن المنصب الرئاسي، يواجه حزب الأمة اختبارات أخرى على مستوى البرنامج والمواقف السياسية

 

 وطالب الحزب، في أكثر من مناسبة، بإعادة هيكلة التحالف ووضع برامج وسياسات واضحة، وطرح برنامجاً تحت عنوان العقد الاجتماعي لتهتدي به كل القوى السياسية في المرحلة الانتقالية، وهو الخط الذي تبناه الصادق بنفسه قبل وفاته وربما يتم التحلل منه في الفترة المقبلة، لأن الحزب سيكون بحاجة كبيرة للتحالفات السياسية لسد فراغ غياب الصادق المهدي.

من جهته، يرى المحلل السياسي المهتم بشؤون حزب الأمة، الجميل الفاضل، أن غياب الإمام الصادق المهدي يمثل في حد ذاته أكبر تحد للحزب العريق ذلك لأنه توافرت للمهدي صفات وملكات من الصعب أن تتكرر في قيادي آخر داخل الحزب.

وأضاف الفاضل أن المهدي "توفرت له خبرة سياسية لأكثر من 60 عاماً، هذا غير كسبه الفكري وعلاقاته السياسية الداخلية والخارجية، وكلها كانت تشكل إضافة حقيقية لحزب الأمة، لافتاً إلى أن الحزب بحاجة ملحة لسد تلك الفجوة".

وأوضح الفاضل لـ"العربي الجديد" أن المفاهيم الحداثية، ومن أبرزها إشاعة الديمقراطية، والتي حرص الصادق المهدي على تكريسها داخل الحزب، يمكن أن تساهم إلى حد كبير في تجاوز التحديات بما في ذلك اختيار قيادة بديلة عبر أدوات الانتخابات والديمقراطية.

وأشار إلى أن قادة الحزب قد يتوافقون عبر الهيئة القيادية التي تقوم مقام المؤتمر العام في الحالات الطارئة، على تكليف قيادة مؤقتة لتسيير أعمال الحزب إلى حين قيام المؤتمر العام الثامن للحزب الذي كان مقرراً قيامه في فترات سابقة وحالت بينه وبين ذلك ظروف التمويل والمناخات السياسية.  

كما توقع الجميل الفاضل أن يتم الفصل بين رئاسة الحزب وإمامة طائفة الأنصار، ذلك لأن أي شخص يُنتخب للمنصبين سيجد نفسه غير قادر على القيام بالمهمتين معاً، كما كان يفعل الصادق المهدي.

من جانبه، يقول رئيس تحرير صحيفة" الجريدة" أشرف عبد العزيز إن تحدي التماسك الداخلي في حزب الأمة هو واحد من التحديات المهمة في الفترة المقبلة، ذلك لأن كارزيما الصادق المهدي كانت تلعب دوراً كبيراً في تحقيق الوحدة والتماسك الداخلي وهو أمر مطلوب بشدة في الفترة المقبلة.

ويرجح عبد العزيز لـ"العربي الجديد" عدم حدوث أي تغيير من حيث المواقف السياسية والسياسات العامة و البرامج لحزب الأمة القومي بعد رحيل الصادق المهدي، لافتاً إلى أن الحزب سيبقى في مكانته في قيادة اليمين والتمسك بالأطروحات ذات الطابع الديني في عمله السياسي، والتمسك كذلك بموقفه من رفض التطبيع مع إسرائيل الذي تسير نحوه الحكومة الانتقالية، مع الإبقاء على دعمه ومساندتة للقضية الفلسطينية.  

المساهمون