بدأت المنافسة المبكرة على رئاسة حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، قبل أقل من شهرين على انعقاد المؤتمر العام المقرر في 16 مارس/ آذار المقبل، حيث أعلنت شخصيات قيادية ترشحها لرئاسة الحركة، وبدأت حملة انتخابية داخلية للفوز بالمقعد مع احتدام معركة الكواليس، في ظاهرة سياسية لا تشهدها أغلب الأحزاب السياسية في الجزائر، تؤشر على تطور الممارسة الديمقراطية داخل الحزب الإسلامي.
ومنذ مدة، يشهد الحزب الإسلامي، الذي يحوز أكبر كتلة نيابية معارضة في البرلمان (69 نائباً)، تنافساً حاداً بين كتلتين من القيادات تمثل كل منها خطاً ورؤية سياسية متباينة، يقود الأولى رئيس الحركة الحالي عبد الرزاق مقري، الذي يدفع بمرشح مقرب منه، هو الأمين الوطني للتنظيم في الحزب عبد العالي حساني، إلى خلافته في قيادة الحركة، لكون القانون الأساسي لا يسمح لمقري بالترشح لعهدة ثالثة في رئاسة الحزب (يقود الحركة بعهدتين منذ عام 2012 )، حيث يسعى للحفاظ على التوجهات الحالية للحركة وخطها المعارض للسلطة، والتقارب مع قوى المعارضة.
يبرز في المقابل عبد المجيد المناصرة، وهو وزير صناعة سابق، سبق أن ترأس الحركة لفترة قصيرة قبيل مؤتمر إعادة توحيدها عام 2017 (بعد انشقاقه مع مجموعة من الإطارات عنها عام 2008)، والذي أعلن الأحد الماضي ترشحه لرئاسة الحركة في المؤتمر المقبل، ونشر إعلانه للعموم، واعتبر أن ترشحه "استجابة لمطلب عدد مقنع من قيادات وإطارات ومناضلي الحركة، وبعد الاستشارة والاستخارة، أعلن لأعضاء الحركة ومحبيها ومناصريها، نية الترشح لمنصب رئيس حركة مجتمع السلم" . وأكد مناصرة ضرورة " منافسة نزيهة تقوّي الحركة وتحفظها، كما ترفع من قيمة الحركة وتعلي من رسالتها، وتفعّل دورها في المجتمع والدولة والأمة".
وأعلن رغبته "في التعاون مع الجميع لتكون الحركة للجميع". ويتبنى مناصرة مواقف مغايرة في علاقة بالسلطة وخيارات أقل نقدية، لكنه يحظى بحضور مهم في الوسط السياسي والإعلامي.
وكان مجلس شورى الحركة قد عقد منتصف الشهر الجاري آخر دورة له، قبيل انعقاد المؤتمر، وحدد تاريخ المؤتمر الذي سيعقد في 16 مارس/ آذار المقبل تحت شعار"آفاق جديدة للجزائر المنشودة"، وستبدأ المؤتمرات المحلية لاختيار المندوبين للمشاركة في المؤتمر الثامن.
ويؤشر التنافس المبكر بالوسائل الديمقراطية داخل الحزب الإسلامي، على جملة من الملاحظات تتعلق بترسخ تقليد سياسي وتطور للممارسة الديمقراطية داخل الحركة، واستقلالية قرارها الداخلي الذي يخضع لتوازن وأوليات الحركة وقرار إطاراتها، وكذا أهميتها وثقلها كفاعل مهم في الساحة السياسية الجزائرية.
وقال المحلل السياسي المتابع لشؤون الأحزاب في الجزائر، جمال خذيري لـ"العربي الجديد" إن "وجود منافسة بهذه الطريقة داخل حزب سياسي، ظاهرة صحية في الجزائر، تؤشر على أن المؤسسة الحزبية في الجزائر، برغم كل النواقص والمشكلات الهيكلية، ما زالت قادرة على الممارسة الديمقراطية"، مضيفاً: "الأمر يصبح أكثر أهمية ولفتاً للانتباه، عندما يتعلق الأمر بحزب إسلامي نجح في الخروج من منطق الشيخ والزعيم الروحي الذي رافق مراحل التأسيس، إلى مرحلة التدافع بالأدوات الديمقراطية داخل الحزب، دون إنكار وجود الكواليس ومقتضيات أخرى قد تحكم لعبة الإمساك والوصول إلى قيادة حزب في حجم حركة مجتمع السلم".
ومنذ عام 2012، تتبنى حركة مجتمع السلم خيار المعارضة، وقادت برفقة قوى وشخصيات مستقلة، جهود تجميع القوى الديمقراطية والتعاون مع القوى التقدمية لصياغة أرضية انتقال ديمقراطي، قبل الحراك الشعبي، عبر مؤتمر للمعارضة عقد في يونيو/ حزيران 2014، وبعد الحراك الشعبي، في مؤتمر عقد في يوليو/ تموز 2019.
ورغم مقاطعتها للانتخابات الرئاسية التي حملت الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، ورفضها للاستفتاء على دستور نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، إلا أنها شاركت لاحقاً في الانتخابات البرلمانية، وحلت ثانية بعد حزب جبهة التحرير الوطني بـ69 مقعداً.
وتبدي حركة مجتمع السلم مواقف نقدية إزاء خيارات السلطة وسياساتها، وعارضت قوانين الموازنة للسنوات الثلاث الماضية، وطالب مجلس شورى الحركة الأخير المنعقد قبل أسبوعين، السلطة بـ"تعميق الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإشراك الطبقة السياسية والأحزاب الفاعلة في حوار شامل يسمح بإبداء رأيها في أهم الملفات الساخنة والحساسة"، كذلك طالبت السلطة السياسية، بمناسبة طرح قوانين جديدة تخصّ الأحزاب والجمعيات والإعلام والعمل النقابي، بـ"عدم استنساخ نفس الذهنيات الأحادية والفوقية في تمرير هذه الإصلاحات، دون حوار وطني جاد ومسؤول حولها".