انتقلت الفلسطينية ختام شاهين (53 عاماً)، مع أبنائها وزوجاتهم ثلاث مرات منذ بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما قد تنتقل للمرة الرابعة في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن عملية عسكرية على مدينة رفح الحدودية القريبة من مصر، حيث تقطن حالياً في أحد مخيمات النزوح في المدينة.
البحث عن حياة في خيم النزوح
كانت ختام تسكن في منطقة النصر، شمال غربي مدينة غزة، ومنذ 7 أكتوبر الماضي، انتقلت للمناطق الوسطى من القطاع وتنقلت بين مدرستين اثنتين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، قبل أن يستقر بها الحال على أطراف مدينة رفح.
وختام هي أم لسبعة أبناء وجدة، فيما يبلغ عددهم جميعاً 29 شخصاً، ما يعني أن انتقالهم صعب ويسبب لهم معاناة مضاعفة في ظل صعوبات التنقل والخشية من الاستهداف ونقص الأغذية ووسائل الأمان، في ظل شراسة العدوان والحرب.
تقول ختام لـ"العربي الجديد"، إن 8 من أحفادها الأطفال ينتقلون معهم باستمرار، وأصبحت لهم أدوار في الخيمتين اللتين تسكن فيهما العائلة في ظل الأزمات التي تحيط بالمهجرين.
وتوضح أن "محمد ابن الخمس سنوات عليه أن يجلب المياه النظيفة، وسامر ذا الثماني سنوات يقف على دور الخبز أمام المخبز الوحيد الذي يعمل في المنطقة لثلاث أو أربع ساعات من أجل الحصول على عشرين رغيفاً من الخبز".
وتتابع: "وهكذا بدل أن يلعب الأطفال ويذهبوا للمدرسة أصبحوا للشهر الرابع في الشوارع يبحثون معنا عن حياة".
تهديد إسرائيلي لمدينة رفح
وتفاقم حرب غزة ومعها التهجير مأساة أكثر من مليونَين وربع المليون فلسطيني يعيشون في القطاع الساحلي المحاصر والضيّق على سكانه. وبات أكثر من نصف السكان يقطنون في محافظة رفح، جنوبي القطاع، والملاصقة لمصر، في ظل تهجيرهم المستمر وخشيتهم من وصول العدوان الإسرائيلي البري إليهم.
وبينما تدخل حرب غزة شهرها الخامس، تبدو من بعيد ملامح نهايتها في ظل الحديث المتسارع عن جهود قطرية مصرية من أجل التوصل لاتفاق هدنة، وصولاً لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإغاثة المهجرين.
لكن هذه الجهود تصطدم بتصريحات إسرائيلية ترفع السقف، كالتي هدد فيها وزير الأمن يوآف غالانت مدينة رفح بمصير مشابه لمدينة خانيونس، جنوبي القطاع، حيث يحكم جيش الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على أجزاء كبيرة منها. وكان غالانت قد قال الأسبوع الماضي، وفق بيان وزارة الأمن الإسرائيلية: "نحقق مهمتنا في خانيونس، وسنصل أيضاً إلى رفح ونقضي على العناصر الإرهابية التي تهددنا".
ويظهر في تفاصيل المحادثات حول الهدنة وجود ضغوط أميركية على الأطراف المختلفة للتوصل لاتفاق، فيما تتمسك المقاومة الفلسطينية بشروطها، وعلى رأسها عودة النازحين وانسحاب جيش الاحتلال من المناطق التي يوجد فيها، بالإضافة إلى الحصول على ضمانات كي لا تُستأنف الحرب مرة أخرى بعد انتهاء أيام الهدنة، والتي يجري التفاوض عليها.
ترقّب أخبار الهدنة ووقف إطلاق النار
تضم مدرسة "خولة"، والتي تديرها "أونروا" بالقرب من مستشفى الكويت التخصصي في مدينة رفح، آلاف المهجرين من مناطق غزة ومحافظة الشمال، والذين هجّروا في بداية الحرب.
ويتكرر داخل هذه المدرسة سؤال حول موعد العودة للمنازل، حتى المدمرة منها، والوقف الدائم للحرب، فيما تُتناقل فيها أخبار تبثها وسائل الإعلام الإسرائيلية حول محادثات الهدنة.
ويستمع سكان القطاع منذ بداية حرب غزة وتدمير الإذاعات المحلية لإذاعة "مكان" الإسرائيلية ذات الإرسال القوي هناك، وللتلفزيون "العربي" وقناة "الجزيرة" عبر موجات الـ"أف أم".
النازح سالم أبو ناجي: الناس لم يعودوا يبحثون عن الأفضل، بل عن الأقل سوءاً
يقول المهجر في مدرسة "خولة" سالم أبو ناجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه بعد أربعة أشهر من الحرب لم يعد هناك ما يشغل حياة الناس سوى الحديث عن الهدنة ووقف إطلاق النار، والأمل في غدٍ أقل سوءاً. ويضيف: "الناس لم يعودوا يبحثون عن الأفضل، بل عن الأقل سوءاً".
ويشير أبو ناجي إلى أنه يرغب في العودة لمنزله في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، رغم تدميره جزئياً، حتى لو وضع خيمة أمامه أو بجواره، أو استصلح ما يمكن استصلاحه للبقاء فيه. ويتابع: "لا نريد أن نبقى هنا ولا نريد أن نهاجر إلى أي مكان آخر"، مضيفاً: "نريد فقط وقف الحرب والعودة لمنطقتنا قبل شهر رمضان".
ويحل شهر رمضان بعد نحو شهر، في مارس/ آذار المقبل، فيما يتحدث نازحون بحسرة عن أجواء رمضان ما قبل الحرب الإسرائيلية الحالية، حين كانت الأسواق تعج بالبضائع والزينة لاستقبال الشهر، بينما اليوم هناك نازحون في خيام لا تقيهم البرد ولا تعينهم على حياة طبيعية آدمية.
الضغط على المقاومة من خلال "المنطقة العازلة"
وبالتوازي مع التشاور بين الفصائل الفلسطينية حول ما يُعرض عليها من الوسطاء للوصول لتبادل أسرى واتفاق هدنة، يتهدد الجوع سكان شمالي القطاع في ظل منع الإسرائيليين دخول المساعدات الإنسانية إلى هناك، وهو ما يحدث أزمة إنسانية ومعيشية حقيقية وقاسية للغاية أجبرت السكان بعد أربعة أشهر من الحرب على أكل ما تأكله الحيوانات، بعد طحنه وتحويله لما يشبه الدقيق.
وتضغط إسرائيل على الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً حركة "حماس"، من خلال القوة النارية المفرطة في العدوان، والتي تصاعدت أخيراً، إلى جانب التلويح بعمليات عسكرية أخرى، واستمرار الحرب لأشهر إضافية.
ويفهم فلسطينيون هذا الأمر بأنه ضغوط لدفع الفصائل للموافقة على الوصول لاتفاق تبادل أسرى أقل مما تريده. ورغم ذلك يبقى الميدان مرشحاً لكل الاحتمالات، في ظل التغوّل والتطرف الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي بشكل فج ما بعد السابع من أكتوبر.
لكن الأخطر في البحث الإسرائيلي عن اليوم التالي في قطاع غزة بعد "حماس"، كما يرغب الإسرائيليون وحلفاؤهم، يتمثل في تقليص مساحة القطاع من خلال المنطقة "الآمنة والعازلة"، والتي تعمل إسرائيل على إقامتها على الحدود مع القطاع. وستقضم هذه المنطقة نحو 45 كيلومتراً من القطاع الضيق، والذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً.
ويُتوقّع أن الفصائل الفلسطينية ستقاوم هذه المساحة المقضومة من القطاع، وستعمل في ردودها على وسطاء الهدنة على أن لا تبقى كأمر واقع. كذلك تتحسب إسرائيل من الأيام التالية لنهاية الحرب من أن الفصائل قادرة على إعادة بناء قدراتها وصفوفها، وإن كان بقدرات أقل وإجراءات أصعب، واستهداف قوات الجيش في هذه المناطق العازلة.
بانتظار رفع الأنقاض
وعلى الأرض أيضاً، ينتظر فلسطينيون نهاية للحرب من أجل انتشال جثامين أبنائهم وأحبائهم من تحت الأنقاض، والتي يمنع الاحتلال ويستهدف كل من يحاول رفع الأنقاض لانتشالها ودفنها.
محمد الغرباوي: نريد أن ينتهي الموت ويتوقف القتل المجاني للفلسطينيين
ويقول محمد الغرباوي لـ"العربي الجديد"، إن منزل العائلة في منطقة الفاخورة، غربي مخيم جباليا، تعرض للقصف ولا يزال 34 شخصاً من أفراد العائلة وغيرهم من الجيران تَحت الأنقاض منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر.
ويضيف: "نحن نريد الهدنة من أجل انتشالهم ودفنهم في مكان يليق بهم، ليمكننا بعد ذلك زيارتهم وقراءة الفاتحة على أرواحهم.. نريد أن ينتهي الموت ويتوقف القتل المجاني للفلسطينيين".