- مبادرات وقف إطلاق النار والتفاوض، بما في ذلك هدنة عيد الفطر ومفاوضات جدة، لم تنجح في تحقيق تقدم نحو السلام، مما أدى إلى تعليق المفاوضات وتجميد عضوية السودان في "إيغاد".
- الخلافات الداخلية، التنافس الإقليمي والدولي، وعدم الالتزام بالاتفاقيات، خاصة من قبل قوات الدعم السريع، من بين أسباب تعثر المفاوضات، مع تأكيد على ضرورة حوار سوداني شامل وضغوط دولية لإنهاء الصراع.
طيلة عام كامل، فشلت جهود محلية وإقليمية ودولية في إيجاد حل تفاوضي للحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
واندلعت الحرب بين الطرفين في 15 إبريل/نيسان من العام الماضي، نتيجة عوامل عدة، بلغت ذروتها بالخلاف على مشروع تسوية سياسية شاركت فيها قوى مدنية ودعمها المجتمع الدولي، تجلت في اتفاق إطاري ينص على دمج قوات الدعم السريع بالجيش، وإجراء إصلاحات في المنظومة العسكرية في البلاد، وتسليم السلطة للمدنيين بعد انتزاعها منهم عبر انقلاب عسكري نفذه الطرفان (الجيش والدعم) على الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
مبادرات متعددة بلا نجاح
لم يمض أسبوع واحد على اندلاع الحرب حتى تدخّلت دول وهيئات دولية وإقليمية عارضة خدماتها للتوسط بين الطرفين للتهدئة والعودة إلى طاولة التفاوض لحلحلة الخلافات.
وسارع الطرفان في اليوم السادس من القتال، للاستجابة إلى دعوة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ودول أخرى والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، بتنفيذ وقف لإطلاق النار خلال عطلة عيد الفطر العام الماضي، على أن تسمح الهدنة للمدنيين بمغادرة المناطق الساخنة والوصول إلى مناطق آمنة. غير أن الطرفين وعلى الرغم عن موافقتهما على هدنة لثلاثة أيام، إلا أنهما لم يلتزما كلياً بها حتى بعد تمديدها، وكانت أكثر الأيام التزاماً بها هي الأيام التي شهدت عمليات إجلاء واسعة للأجانب من الخرطوم.
وكانت هيئة "إيغاد" أول من سارع لتبنّي مبادرة لإنهاء القتال، وللمنظمة تجربة في التعاطي مع حروب السودان حينما نجحت مبادرة لها استمرت من العام 1994 حتى 2005 في إنهاء الحرب بين شمال وجنوب السودان بتوقيع كل من الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق على اتفاق سلام طوى صفحة حرب استمرت 22 عاماً.
توصلت مفاوضات جدة لإعلان وثيقة مبادئ لكنها لم تجد طريقها إلى التطبيق
وقاد المبادرة الأخيرة مع بدايات الحرب، رؤساء كل من جيبوتي وجنوب السودان وكينيا، ذلك بتكليف من اجتماع لقمة المنظمة. واقترحت المبادرة بداية، وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات مباشرة في مدينة جوبا الجنوب سودانية، لكن تلك المساعي لم تكتمل، لتتجه الأنظار مطلع مايو/أيار إلى مدينة جدة السعودية حيث نجحت وساطة سعودية أميركية في تنظيم مفاوضات غير مباشرة توصلت للتوقيع في 11 مايو الماضي، على إعلان مبادئ، كأول وثيقة تحظى بتوقيع الطرفين بعد الحرب.
ونصّت الوثيقة على إلزام الطرفين بحماية المدنيين، والسماح بمرور آمن لهم، واحترام القانون الإنساني والدولي، والتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وتجنّب إلحاق الضرر بالمدنيين، وعدم استخدام المدنيين دروعاً بشرية، والسماح لهم بالمغادرة.
كما نصّت على حظر أي عمليات نهب أو سلب أو إتلاف للملكيات، وحماية وسائل النقل الطبية، وعدم تجنيد الأطفال، والامتناع عن أي شكل من أشكال التعذيب، وضمان الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وإعطاء الأولوية للمناقشات لتحقيق وقف إطلاق نار قصير المدى لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية الطارئة.
ولافتقار هذا الاتفاق إلى آليات المراقبة الفعالة، لم يكن هناك أي التزام عملي بتلك المبادئ، ومع عدم إحراز تقدّم، اضطرت الرياض وواشنطن في الأول من يونيو/حزيران الماضي، لتعليق المفاوضات في جدة. وعزا الطرفان ذلك إلى الانتهاكات الجسيمة للهدنة المعلنة، واتهما الجيش والدعم السريع بمخالفة أفعالهما لادعائهما بتمثيل مصالح الشعب السوداني، مؤكدين أن تلك الأفعال تزيد متاعب الشعب وتعرّض الوحدة الوطنية والاستقرار الإقليمي للخطر.
في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استؤنفت مجدداً المفاوضات في جدة، بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الأفريقي و"إيغاد". وبحثت الجولة إمكانية الاتفاق على وقف لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، والاتفاق كذلك على إجراءات أخرى لبناء الثقة.
واستمرت الجولة في مناقشة تلك المواضيع، لكن الطرفين (الجيش والدعم) فشلا في الاتفاق على وقف إطلاق النار، وتوصلا إلى اتفاق التزاما فيه باتخاذ خطوات لتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وتنفيذ تدابير بناء الثقة، والمشاركة في منتدى إنساني مشترك يقوده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لحل العوائق التي تحول دون الحصول على المساعدات الإنسانية وإيصال المساعدات، وتحديد نقاط الاتصال للمساعدة في تحركات العاملين في المجال الإنساني والمساعدات، وإقامة اتصالات بين قادة الجيش والدعم السريع، والقبض على الملاحقين والهاربين من السجون، مع تهدئة الخطاب الإعلامي الرسمي لكل جانب والحد من الخطابات التحريضية، والقيام بالإجراءات المتعلقة بالعناصر من دعاة الحرب والمؤيدة للحرب من كل جانب. في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي، عُلّقت المفاوضات مرة أخرى لأجل غير مسمى، لفشلها في تحقيق تقدّم ولعدم التزام الطرفين بتعهداتهما الموقّع عليها.
محاولات أخرى
سعت "إيغاد" لعقد لقاء بين البرهان وحميدتي لكن جهودها فشلت
بعد تعثر مفاوضات جدة، عاد نشاط منظمة "إيغاد" إلى الواجهة مرة أخرى، وعقدت مؤتمر قمة في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، اقترحت بعده عقد لقاء مباشر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وأعلنت المنظمة لاحقاً موافقة القائدين على اللقاء الذي لم يتم نتيجة تدهور العلاقة بين المنظمة والحكومة السودانية التي احتجت على رئاسة كينيا للجنة الرؤساء المعنية بحل الأزمة السودانية، وعلى تنظيم قمة أخرى من دون معالجة ملاحظات السودان. وبمرور الزمن تدهورت العلاقة أكثر، وقررت الخرطوم تجميد عضوية السودان في المنظمة.
وبالتوازي مع منبر جدة وجهود "إيغاد"، نظّمت مصر مؤتمراً خاصاً لدول الجوار السوداني في 13 يوليو/تموز الماضي، لبحث حل للأزمة السودانية. وتم تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة على مستوى وزراء خارجية دول الجوار لذلك الغرض، لكنها لم تصل لأي نتيجة. كما تحرك الاتحاد الأفريقي في الاتجاه نفسه وشكّل آلية رفيعة المستوى لم تفعل شيئاً سوى لقاء الأطراف العسكرية والسياسة، لتكون المحصلة صفراً من كل المبادرات.
في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، جرت مفاوضات سرية بين الجيش والدعم السريع، شاركت فيها إضافة للوسيطين السعودي والأميركي، مصر والإمارات، ولم يكشف عنها إلا بعد نهايتها، ومثّل فيها الجيش نائب القائد العام الفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق عبد الرحيم دقلو عن الدعم السريع.
وتوصلت المفاوضات إلى وثيقة أطلق عليها "وثيقة مبادئ وأسس الحل الشامل للأزمة السودانية" تسربت بنودها للإعلام، ونصّت على 22 بنداً، أهمها تشكيل جيش واحد مهني، وملاحقة عناصر قادة النظام السابق المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتفكيك منظومة النظام السابق داخل مؤسسات الدولة. وبمجرد تسريب الاتفاق بات مصيره الفشل مثل بقية المبادرات الأخرى الإقليمية والدولية.
أسباب تعثّر المفاوضات
يقول عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مسارات التفاوض بتنوعها الإقليمي والدولي تعثّرت ولم تفشل وإن الأمل ما زال كبيراً في الجولة المقبلة من مفاوضات جدة المقررة في 18 إبريل الحالي، مشدداً على ضرورة القيام بمزيد من العمل لمحاصرة الفصيل الرافض للحل السلمي ويسعى لاستمرار الحرب حتى تبلغ مراميه وهي العودة للسلطة، مشيراً إلى أنه يعني الإسلاميين (في إشارة إلى النظام السابق).
ويضيف سليمان أن هناك صوتاً داخلياً بدا واضحاً من عموم السودانيين في رفض الحرب، كما أن هناك جهداً إقليمياً ملموساً، معرباً عن أمله في تكامل كل الأدوار من أجل وضع حد لتلك المأساة الإنسانية.
كمال عمر: لا خروج من عنق الزجاجة إلا عبر حوار سوداني ـ سوداني ينتهي بتوافق وطني شامل
من جهته، يقول كمال عمر، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، حزب الراحل الشيخ حسن الترابي، إنه على الرغم من الاجتهادات الإقليمية والدولية لا خروج من عنق الزجاجة إلا عبر حوار سوداني ـ سوداني ينتهي بتوافق وطني شامل.
ويوضح عمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحرب حينما اندلعت حملت معها ارتباطات أيديولوجية وفيها بُعد دولي وإقليمي لديه مصلحة في استمرار الحرب، مبيناً أن دول الجوار السوداني تحتفظ بمشكلات تاريخية مع السودان، بالأحرى مع نظام "المؤتمر الوطني"، الذي دخل في عداء مع معظمها، مرة مع تشاد ومرة مع جنوب السودان في تجييش المليشيات، وكانت لديه توترات مع ليبيا ومصر والإمارات، عدا عن مشاكله مع التحالفات الدولية والمجتمع الدولي. ويعتبر أن السياسة الخارجية إبان نظام الرئيس المعزول عمر البشير، واستمرارها في حكم اللجنة الأمنية التي انقلبت عليه، كانت سبباً من الأسباب المهمة في استمرار الحرب.
ويرى عمر أن هناك دولاً تساند قوات الدعم السريع للتخلص من نظام "الإخوان المسلمين"، حتى لو أدى ذلك لفناء الجيش بمنظومته أو فناء السودان، بينما تدعم دول أخرى الجيش لمكاسب إقليمية معتقدة أن نظام البرهان يمكن أن يحقق لها مواقع استراتيجية وقواعد عسكرية في سباقها مع دول أخرى ويقدّم لها تسهيلات عن التنقيب عن الذهب، معتبراً أن المجتمع الدولي والإقليمي لا يرجى منه في إنجاح مفاوضات وقف الحرب.
ويستدرك الأمين السياسي لـ"المؤتمر الشعبي" أن هناك جهوداً حثيثة وبطيئة من منبر جدة، "لكن وعلى الرغم من تأييدنا له لأنه المنبر المناسب لوقف الحرب، ولديه قناعات بتمزق البلاد وانتشار الفوضى في دول الجوار في حال استمرت الحرب، إلا أن لا أمل كبيراً في تدخّل دولي حاسم في الصراع، والأمل معقود على جلوس السودانيين مع بعضهم البعض ليتجاوزوا خلافاتهم والاستفادة من تجارب جنوب أفريقيا ورواندا، والاستفادة كذلك من ثقافة التسامح في المجتمع السوداني، لأن من ينتصر فيها فهو خاسر".
أما فائز السليك، السكرتير الصحافي السابق لحمدوك، فيرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحرب الحالية غرضها إعادة ترسيم المشهد السياسي بالدماء، لذلك من الصعب التوصل إلى اتفاق سلام بسهولة لغياب الإرادة الحقيقية لدى الأطراف.
ويلفت إلى أن مفاوضات جدة لم تحقق نتائج إيجابية لعوامل عديدة، أولها غياب الإرادة، ومنهج وآليات التفاوض التي يجب تغييرها، فقد بدأت بتفاوض غير مباشر، إضافة إلى اختصار دور الولايات المتحدة والسعودية بأنهما مسهّلان وليسا وسيطين يقدمان رؤى ومقترحات، ويضاف إلى ذلك مستوى تمثيل الطرفين، عميد في الجيش وعميد من الدعم السريع، وكلاهما لا يمكنهما اتخاذ قرارات بمعزل عن قيادته.
ويعتبر أن تعدد مراكز القرار سواء في الدعم السريع أو الجيش إلى وجه التحديد لسيطرة الإسلاميين عليه، ألقى بظلاله على منبر جدة، منوهاً إلى أن الإسلاميين يعتقدون بأن الحرب مصيرية لهم، لذلك لا يريدون أي تسوية سياسية إلا تلك التي تعيدهم إلى المشهد من جديد.
ويرى السليك أن البيئة السياسية والعسكرية لم تكن مهيأة للتوصل إلى اتفاق سلام في السودان، وفي المرحلة المقبلة يمكن أن يحدث ذلك لاسيما أن المبعوث الأميركي الجديد توم بيرييلو حدد مسارات واضحة تبدأ بوقف العدائيات ثم تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، يلي ذلك النظر في القضايا الجنائية، والتسوية السياسية بمشاركة المدنيين للوصول إلى اتفاق سياسي متفاوض عليه، مع إخراج المكون العسكري بشقيه الجيش والدعم السريع من التسوية.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة تريد إشراك دول الجوار والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات، مؤكداً أن العملية التفاوضية ستأخذ وقتاً أطول ويقتصر الطريق بتوفر الإرادة وجدية أكثر من المجتمع الدولي الذي انشغل في الفترات السابقة بملفات حرب أوكرانيا وحرب غزة.
محمد زكريا: فشل المفاوضات بسبب عدم التزام الدعم السريع بما وقّعت عليه في إعلان جدة في 11 مايو الماضي
من جهته، يقول محمد زكريا، المتحدث الرسمي باسم حركة العدل والمساواة الشريكة في الحكم، إن فشل كل الجولات التفاوضية يتطلب الرجوع إلى الأسباب الجذرية لنشوب حرب 15 إبريل، ومنها الخصومات والتنافس بين القوى المدنية خلال الفترة الانتقالية، كما أن بعضها قارب قضية الإصلاح الأمني والمؤسسي بشكل سيئ، وهي عوامل أدت لاشتعال الحرب، وكل ذلك تجلى في الاتفاق السياسي الإطاري الموقّع نهاية العام 2022. ويضيف أن المبعوث الأميركي وفي آخر لقاء لهم معه، ذكر أن حل الأزمة يجب أن يكون سودانياً وأن المجتمع الدولي دوره مسهل وميسّر.
ويحمّل زكريا، في حديث لـ"العربي الجديد"، مسؤولية فشل المفاوضات لعدم التزام قوات الدعم السريع بما وقّعت عليه في إعلان جدة في 11 مايو الماضي، وهو اتفاق ينص على خروج تلك القوات من الأعيان المدنية وإخلاء مساكن المواطنين، متهماً القوى الدولية والإقليمية بالصمت حيال عدم الالتزام، وعدم ممارستها الضغط المطلوب تجاه الدعم السريع لكي تمهد الطريق لاستمرار عملية التفاوض. ويرى أن الحل هو تواضع السودانيين والقوى المدنية في ما بينها للاتفاق على برنامج حد أدنى لكيفية إدارة الدولة كأساس أولي لإنهاء الحرب ووقف الاستقطاب الضار بين القوى المدنية تجاه المؤسسة العسكرية.