حرب أوكرانيا تقوض الدور الروسي في جنوب القوقاز

16 سبتمبر 2022
جندي أذربيجاني في مدينة لاتشين بكاراباخ، 1 سبتمبر (رسول رحيموف/الأناضول)
+ الخط -

بعد إعلان أرمينيا ليل الأربعاء - الخميس، التوصل إلى اتفاق مع أذربيجان بشأن وقف إطلاق النار، وترقب وصول بعثة معاهدة منظمة الأمن الجماعي إلى أرمينيا لتقييم الوضع على خلفية التصعيد الأخير بين البلدين، تبرز تساؤلات حول قدرة روسيا على الاستمرار في أداء دور رجل الإطفاء في منطقة جنوب القوقاز، وسط انشغالها بعمليتها العسكرية في أوكرانيا.

وباتت هذه العملية، تتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد بالنسبة للقوات الروسية، لاسيما بعد إحراز القوات الأوكرانية تقدماً لافتاً في شرق البلاد.  

وأعلن الأمين العام لمجلس الأمن الأرميني، أرمين غريغوريان، مساء أول من أمس الأربعاء، أنه تسنى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بفضل مشاركة المجتمع الدولي. وقال غريغوريان، في تصريح نقله التلفزيون الأرميني: "نأمل أن تلتزم أذربيجان بنظام وقف إطلاق النار". 

تشكيك في قدرة موسكو وأنقرة على الضغط على يريفان وباكو لضمان وقف مستديم لإطلاق النار

ولم يحل الانشغال الروسي بأوكرانيا دون اتخاذ مجلس منظمة معاهدة الأمن الجماعي خلال جولته غير العادية بنظام مؤتمر الفيديو أول من أمس الثلاثاء، قراراً بإرسال بعثة للمنظمة إلى أرمينيا لتقييم الوضع على خلفية التصعيد على الحدود الأرمينية الأذربيجانية.  

وتضم البعثة الأمين العام للمنظمة، ستانيسلاف زاس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الفريق أول أناتولي سيدوروف، وممثلين عن الدول الأعضاء في المنظمة (تضمّ بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجكستان).

وعلاوة على ذلك، تقرر أثناء الجولة تشكيل مجموعة عمل "من بين موظفي الأمانة وعسكريي هيئة الأركان المشتركة للمراقبة الدائمة للوضع في منطقة مسؤولية منظمة معاهدة الأمن الجماعي". 

روسيا لا تقوى على الصدام المباشر

وعلى الرغم من أن ميثاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ينص على الرد الجماعي في حال تعرض أي من أعضائها للهجوم، إلا أن ثمة إجماعا بين الخبراء الروس على أن دور موسكو سيقتصر على الوساطة والإجراءات السياسية من دون الدخول في المواجهة المباشرة مع أذربيجان. ويأتي ذلك فيما يشكّك متابعون في قدرة موسكو وأنقرة على الضغط على حليفيهما لضمان وقف مستديم لإطلاق النار. 

ويرى المحلل السياسي المتخصص في شؤون جنوب القوقاز، أندريه أريشيف، أن التصعيد الأرميني الأذربيجاني لا يخلو من تدخل من قبل اللاعبين الخارجيين الذين يستثمرون، وفق اعتقاده، انشغال روسيا بأوكرانيا، لخلق حزام من عدم الاستقرار حول حدودها. 

ويقول أريشيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "تبذل روسيا جهوداً حثيثة من أجل التهدئة بين أرمينيا وأذربيجان، ولكن نتائجها ليست مضمونة بسبب الخلافات العميقة بين طرفي الصراع واللاعبين الخارجيين على حد سواء". ويشدد على أن "الدول الغربية تعمل على تأسيس حزام من النزاعات حول روسيا لإضعافها على الجبهة الأوكرانية". 

وحول رؤيته لكيفية تصرف روسيا في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، يرى المحلل السياسي أن "التصعيد الحالي هو الأكبر منذ الحرب المفتوحة في إقليم ناغورنو كاراباخ في خريف عام 2020، وأصبح عدد القتلى يقدر بالمئات". وعلى الرغم من استبعاده "أن تدخل روسيا في صدام عسكري مباشر مع أذربيجان، إلا أنها قد ترسل أفراد حفظ سلام إلى داخل الأراضي الأرمينية، وستركز على إجراءات ذات طابع سياسي". 

ويعيد أريشيف التأكيد على أنه لا يجوز النظر إلى التصعيد الأرميني الأذربيجاني خارج سياق التطورات والأحداث الدولية الكبرى.

ويشرح حول ذلك، من وجهة نظره، أن هذا التصعيد "يتزامن مع افتتاح قمّة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة سمرقند الأوزبكية والتقدم الأوكراني المضاد المدعوم بتزويد كييف بالأسلحة الغربية، والتوتر على الحدود بين طاجكستان وقرغيزستان، وقد لا يكون ذلك صدفة". ويضيف أن "أرمينيا وأذربيجان نفسيهما تحتضنان قوى موالية للغرب قد تكون معنية بالتصعيد الحالي لوضع روسيا في موقف محرج". 

أندريه أريشيف: يستثمر لاعبون خارجيون انشغال روسيا بأوكرانيا، لخلق حزام من عدم الاستقرار حول حدودها

ويقلّل المحلل السياسي واقعية أداء الوساطة والرعاية الروسية التركية دوراً فعالاً في وقف إطلاق النار. فعلى الرغم من أن "الاتفاقات الثنائية الروسية التركية أثبتت فاعليتها"، برأيه، إلا أنها "لا تضمن تحقيق النتائج المرجوة، حين يتعلق الأمر بإشراك أطراف ثالثة، لا تستطيع موسكو وأنقرة التأثير عليها تأثيراً كاملاً". ويقدم "خير مثال على ذلك"، اتفاق إخراج الحبوب الأوكرانية "الذي لم يتمخض عنه فتح الأسواق أمام الحبوب والأسمدة الروسية كما كان متفقاً عليه".   

جنوب القوقاز... انزلاق إلى عدم الاستقرار

بدوره، يحذر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، من انزلاق فضاء الاتحاد السوفييتي إلى حالة عدم الاستقرار مع استمرار أعمال القتال في أوكرانيا، معتبراً في الوقت نفسه أن تركيا وروسيا يمكنهما أداء دور فعّال في تثبيت وقف النار، حيث إن استمرار التصعيد لا يصب في مصلحتيهما.   

ويقول سيميونوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "من المبكر التنبؤ بالتطورات اللاحقة للوضع على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، وأنا لا أستبعد احتمال تجدد التصعيد بما يصل إلى نزاع مفتوح". ويعتبر أن "فضاء الاتحاد السوفييتي السابق انزلق إلى حالة عدم الاستقرار بعد بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وقد تحدث عمليات مختلفة ضمن لولب من التصعيد لا يمكن التحكم فيه". 

وحول رؤيته لدور اللاعبين الدوليين والإقليميين في تسوية الأزمة، يضيف: "يمكن لروسيا ولتركيا أداء الدور الرئيسي في تسوية هذه الأزمة، إذ إن تصعيد النزاع ليس في مصلحتهما، خصوصاً أن تركيا تسعى إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا حرصاً على مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية".

ويختم قائلاً: "تظهر مناطق رمادية في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق على إثر الأحداث في أوكرانيا، بعدما تحول القوقاز إلى قضية هامشية بالنسبة إلى روسيا في الوقت الراهن".  

المساهمون