جيش ميانمار يخسر مناطق حدودية لصالح المعارضة: الصين قلقة على مشاريعها

03 نوفمبر 2023
مسلحون معارضون للحكم العسكري بميانمار، يوليو الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

يواجه الحكم العسكري في ميانمار إحدى أكثر الفترات اضطراباً منذ انقلابه على السلطة المدنية في 1 فبراير/شباط 2021، وذلك مع اعترافه، أمس الخميس، بخسارته بلدة استراتيجية على الحدود مع الصين، في قتاله ضد مجموعات معارضة له. وهو ما دفع بكين إلى إرسال موفد إلى نايبيداو، لمحاولة إنهاء الاشتباكات الجارية على الحدود بين البلدين، والتي تهدد مشروعاً مرتبطاً بـ"طريق الحرير".

وأعلن المتحدث باسم المجموعة العسكرية، زاو مين تون، مساء أول من أمس الأربعاء، خسارة الجيش بلدة تشينشويهاو، المتاخمة لمقاطعة يونان الصينية. وذكر في رسالة مسجلة أن "الحكومة والمنظمات الإدارية وقوات الأمن لم تعد موجودة" في البلدة.

وجاءت هزيمة الجيش في المنطقة، في سياق اشتباكاته في مناطق عدة على الحدود مع الصين، ضد تحالف من 3 مجموعات إثنية وهي "جيش تحرير تايونغ الوطني" و"جيش أراكان" و"تحالف ميانمار الوطني الديمقراطي".

وكانت المعارك قد احتدمت في الأسبوع الأخير، مع توسع رقعة الاشتباكات في إقليم شان الحدودي مع الصين، وسيطرة المتحالفين على العديد من نقاط التفتيش العسكرية وطرق استراتيجية للتجارة مع الصين. كما حذّرت الأمم المتحدة، الاثنين الماضي، من أن أكثر من ستة آلاف شخص "ربما" نزحوا بعد الاشتباكات.

وجاء في بيان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أنه "اعتباراً من 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أفيد بأن عدد النازحين الجدد تخطى 6200 فرد"، من جراء القتال. وتابع البيان "إضافة إلى ذلك، أفيد بأن المئات عبروا الحدود إلى الصين بحثاً عن ملاذ آمن".


شدّدت الصين على "تعميق التعاون الأمني" مع ميانمار

ودفعت هذه التطورات الصين إلى الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ وين بين في مؤتمر صحافي، أمس الخميس، إن بكين "تحض جميع الأطراف على وقف إطلاق النار فوراً ووقف القتال"، داعياً الأطراف المتحاربة إلى حل "الخلافات بوسائل سلمية عبر الحوار والتشاور".

موفد صيني في ميانمار

وكانت الحكومة الصينية قد أوفدت وزير الأمن العام الصيني وانغ شياو هونغ إلى ميانمار لإجراء محادثات مع المجلس العسكري. وأفادت "وكالة أنباء شينخوا" الصينية، الثلاثاء الماضي، بأن وانغ التقى رئيس المجلس العسكري في ميانمار، مين أونغ هلاينغ.

واعتبر وانغ خلال الاجتماع أن "الصين وميانمار تربطهما الجبال والأنهار وتتشاركان الصداقة الأخوية"، مضيفاً أن "العلاقات الثنائية بدأت عصراً جديداً من بناء مجتمع مصير مشترك".

ونقلت "شينخوا" عن وانغ تأكيده أنه "من أجل وجود ضمان أمني قوي لبناء مجتمع مصير مشترك بين الصين وميانمار، فإن الصين مستعدة للعمل مع ميانمار لمواصلة صداقتهما التقليدية وتسريع تقدم مشروعات الحزام والطريق (طريق الحرير) الرئيسية وتعميق التعاون في إنفاذ القانون والأمن".

وقال وزير الأمن العام الصيني، إن "إدارات إنفاذ القانون والأمن في البلدين ستعمل على حماية الأمن ومصالح التنمية في البلدين، من خلال تعزيز التعاون في مكافحة الاحتيال عبر الاتصالات والمقامرة عبر الإنترنت، ومكافحة الإرهاب والمخدرات، وإنفاذ القانون في حوض نهر ميكونغ، وتعزيز أمن المشروعات الكبرى". كما التقى وانغ وزير الداخلية التابع للمجلس العسكري اللفتنانت جنرال يار بياي في نايبيداو.

وبدت الزيارة الصينية والمواقف الصادرة خلالها مؤشراً على أن بكين ستسعى لمساعدة نايبيداو على السيطرة على الأوضاع الأمنية، خصوصاً أن الاشتباكات في إقليم شان تهدد مشروعا بمليارات الدولارات مخصصا لإنشاء قطار فائق السرعة، كجزء من خطة "طرق الحرير" الجديدة.

وما يثير مخاوف الصين خصوصاً، أن أكثر من ربع التجارة بينها وبين ميانمار، في الفترة الممتدة من إبريل/نيسان إلى سبتمبر/أيلول الماضيين، البالغة قيمتها 1.8 مليار دولار، تمّت عبر تشينشويهاو، وفق بيانات رسمية نشرتها صحيفة حكومية صينية في سبتمبر الماضي.

وأطلق "جيش تحرير تايونغ الوطني" و"جيش أراكان" و"تحالف ميانمار الوطني الديمقراطي" هجومهم، الجمعة الماضي، في ولاية شان. ويحاول التحالف، المؤلف من 15 ألف مقاتل حسبما أفاد محللون لوكالة "فرانس برس"، الحصول على الحكم الذاتي في شمال ميانمار وشرقها، والسيطرة على الموارد، وذلك بالتحالف مع "قوات الدفاع الشعبي"، الجناح العسكري لحكومة "الوحدة الوطنية"، التي انقلب عليها الجيش في فبراير 2021.



تهدد هزائم جيش ميانمار النفوذ الصيني

ولا تهدد هزائم جيش ميانمار سيطرته على البلاد فحسب، بل أيضاً النفوذ الصيني، خصوصاً أن نهر نانتينغ العابر في بلدة تشينشويهاو، يشكّل أحد روافد نهر ميكونغ، الأساسي في "طريق الحرير" الصيني.

وأي زعزعة لحلقة من حلقات هذا النهر وروافده، ستعرقل نمو مشاريعها. وهو ما دفع بكين إلى تسليح مجموعات عدة على طول حدودها مع ميانمار، حيث تقطن جماعات إثنية صينية تستخدم بطاقات هواتف صينية والعملة الصينية. ويبلغ عدد سكان ميانمار من أصل صيني، نحو 1.5 مليون نسمة، يشكّلون نحو 2.5 في المائة من عدد سكان ميانمار، البالغ عددهم نحو 57.5 مليوناً.

أهمية نهر ميكونغ

وتخشى الصين تهديد سيطرتها على نهر ميكونغ، الذي ينبع من هضبة التيبت الصينية، ويعبر ميانمار ولاوس وتايلاند وكمبوديا قبل أن يتحوّل إلى دلتا في فيتنام ويصبّ في بحر الصين الجنوبي.

ويحتلّ ميكونغ المرتبة الـ12 في أطول أنهر العالم، والثالث في قارة آسيا، بطول 4909 كيلومترات. وسبق أن أنشأت الصين 11 سداً على النهر، وتخطط لتشييد 11 آخرى، وأكثرها بغرض استخدام الطاقة الكهرومائية. وتولي الولايات المتحدة أهمية قصوى لتفعيل الشراكة مع فيتنام بشأن نهر ميكونغ.

كما أن حساب "الصين بالعربية" على موقع "إكس" (تويتر سابقاً)، وضع الاشتباكات في سياق التحريض الأميركي للصين، إذ جاء في تغريدة له أمس الخميس أنه "في ميانمار أشعل الأميركيون حرباً شعواء.. جيش ميانمار يفقد السيطرة على معبر حدودي استراتيجي مع الصين خلال اشتباكات، وتحقق المليشيات المسلحة تقدماً، بعد السيطرة على بلدات تشينشويهاو ونانجكيو وتيني".

في الواقع لم تكن علاقات بكين مع معارضي الحكم العسكري في نايبيداو جيدة، ففي يوليو/تموز الماضي، اتهم المجلس العسكري في ميانمار حركة "جيش استقلال كاشين" بمهاجمة موكب لمسؤولين عسكريين صينيين، كانوا متجهين لحضور اجتماع يتعلق بأمن الحدود، رغم نفي الحركة مسؤوليتها.

وذكر جيش ميانمار في حينه، إن "إطلاق نار استهدف قافلة مركبات تقل ممثلين عسكريين صينيين ونظراءهم الميانماريين، متوجهة إلى ميتكيينا في ولاية كاشين (شمال)، الحدودية مع الصين". وذكر أنه "أُطلق النار على السيارة الثانية في القافلة خمس مرات، وردت قواتنا على النيران".
(العربي الجديد، فرانس برس)