جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية: تراجع حظوظ مرشح اليمين المتطرف

24 أكتوبر 2023
ماسا في بوينس آيريس، فجر أمس (إيميليانو لاسالفيا/فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت النتائج الجزئية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين كيف أن الاضطرابات المالية التي تعيشها البلاد من دون آفاق واضحة للخروج من الأزمات الاقتصادية المتناسلة منذ أكثر من عقدين أدت دوراً حاسماً في خيارات الناخبين.

وتصدّر وزير الاقتصاد سيرجيو ماسا هذه النتائج بحصوله على 36.68 في المائة من الأصوات، بعد فرز نحو 99 في المائة من صناديق الاقتراع للانتخابات الرئاسية، التي أُجريت أول من أمس الأحد.

مفاجأة ماسا

وغطت مفاجأة ماسا، وهو مرشح الائتلاف البيروني الحاكم، على الصعود الصاروخي خلال الفترة السابقة لممثل اليمين المتطرف خافيير ميلي، الذي كان يتقدم في استطلاعات الرأي لكنه نال 29.99 في المائة من أصوات الناخبين. ومن المقرر، وفقاً لهذه النتائج، إجراء جولة ثانية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لانتخاب الرئيس الذي سيخلف ألبيرتو فرنانديز.

وجاء فوز ماسا على ميلي، الأحد، مفاجئاً لأن التضخم ارتفع في ظل قيادته وزارة الاقتصاد إلى 140 في المائة، بالتوازي مع انخفاض قيمة العملة المحلية، ما أدى لتآكل القوة الشرائية للرواتب، وزيادة معدلات الفقر.

وقال ماسا للناخبين إنه ورث وضعاً سيئاً بالفعل "تفاقم بسبب الجفاف المدمر الذي أهلك صادرات البلاد"، وطمأنهم إلى أن "الأسوأ قد مضى"، من دون تحديد ذلك.

ستُجرى الجولة الثانية من الرئاسيات في 19 نوفمبر المقبل

وركز ماسا بقوة في الأيام الأخيرة من الحملة على تحذير الناخبين من دعم ميلي، ووصفه بأنه "مغرور بشكل خطير". وقال إن خطط ميلي قد تكون لها آثار مدمرة على برامج الرعاية الاجتماعية والتعليم والرعاية الصحية ووزارات الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية، وهي من بين الوزارات التي يريد ميلي إلغاءها.

وتأتي حملة ماسا هذا العام بعد ثماني سنوات من احتلاله المركز الثالث بشكل مخيب للآمال، وخروجه من السباق الانتخابي. لكن هذه المرة، سيحظى بفرصة كبيرة في جولة الإعادة. وتعكس النتائج قلق الناخبين بشأن تسليم السلطة لميلي، الذي تعهد بقلب السياسة رأساً على عقب بخفض عدد الوزارات للنصف، ودولرة الاقتصاد الأرجنتيني.

وكانت مقترحاته المتطرفة وخطاباته النارية المليئة بالألفاظ النابية سبباً في دفع بعض الأرجنتينيين للتصويت لصالحه. وكان ميلي، الذي يصف نفسه بالرأسمالي الفوضوي المتأثر بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد حقق موجة كبيرة من الدعم له حين دعا لإلغاء المصرف المركزي، واستبدال العملة المحلية بالدولار، وتطهير المؤسسات الفاسدة التي يقودها مما تسمى بـ"الطبقة السياسية".

ودعا إلى "حظر الإجهاض، وتحرير بيع الأسلحة، وفتح السوق أمام تجارة الأعضاء البشرية"، فضلاً عن رفضه فرض أي ضرائب إضافية. وكان ميلي مستفيداً من فوزه بالانتخابات التمهيدية التي أُجريت في أغسطس/ آب الماضي، حين تصدر قائمة المرشحين الرئاسيين، بينما احتل ماسا المركز الثاني بفارق نحو 10 نقاط مائوية لكن النتائج الأخيرة أظهرت أنه غير قادر على الحفاظ على تقدمه.

وقال ميلي لأنصاره، مساء الأحد: "تمكّنّا من بناء هذا البديل التنافسي الذي من شأنه أن يضع حداً للطبقة السياسية الطفيلية السارقة وعديمة الجدوى". ولا يعتبر ميلي مجهولاً للناخبين، فهو متحدر من العاصمة بوينس آيرس، ونائب عنها، وعُرف بإطلالاته التلفزيونية الناقدة للرؤساء السابقين، كريستينا كيرشنر، ماوريسيو ماكري، وألبيرتو فرنانديز.

ومال إلى دراسة الاقتصاد بفعل قرار اتخذه حين كان في الـ12 من عمره، إثر مراقبته الإدارة الاقتصادية السلبية لوزير المالية آنذاك خوسيه ألفريدو مارتينيز دي هوز، المنتمي للحكم العسكري الذي قاد بوينس آيرس بين عامي 1976 و1983، وأودت بالأرجنتين إلى التضخم المفرط.

بعدها تعمّق ميلي في الاقتصاد، ونال شهادات جامعية عليا. ولميلي نظريات متطرفة، مثل عدم اعتقاده بوجود تغير مناخي أو احتباس حراري، ويؤمن بوجود "مؤامرة ثقافية ماركسية عالمية". ولفرض رؤيته، فاجأ سكان العاصمة بفوزه بمقعد نيابي في عام 2021، تحت شعار: "لم آتِ لأقود الخراف، بل لأوقظ الأسود".

وقدم راتبه الشهري كنائب للمواطنين، بحجة أنه "مال الشعب ويعود إليه". وأكد أن التحرك نحو الدولرة سيتم على مدى 18 شهراً، لكن بعده "ستحلّق الأجور". وفي حال فوزه ونفّذ تعهده، ستصبح الأرجنتين أكبر اقتصاد يتجه للدولرة في العالم.

وأدلى نحو 78 في المائة من الناخبين بأصواتهم بانتخابات الأحد، وهي نسبة أعلى بنحو ثماني نقاط مقارنة بالانتخابات التمهيدية التي فاز بها ميلي في أغسطس الماضي. كان الشعور بالتخوف واضحاً في شوارع الأرجنتين خلال الأيام التي سبقت الانتخابات.

يميل ميلي إلى التقرب من الولايات المتحدة والدول الأوروبية

وسارع الميسورون لشراء بعض السلع تحسباً لاحتمال انخفاض قيمة العملة، حين تذكروا أن الحكومة خفضت قيمة البيزو بنحو 20 في المائة في اليوم التالي للانتخابات التمهيدية في أغسطس الماضي. كما اشترت الأرجنتين الدولار وأزالت ودائع العملة الصعبة من المصارف مع تسارع انخفاض قيمة البيزو بشكل مطرد.

اقتصاد ضعيف وأزمات مالية

وأياً كان الفائز في جولة الإعادة فسيتعين عليه التعامل مع اقتصاد يوصف بأنه على أجهزة دعم الحياة، فخزائن المصرف المركزي فارغة، ومن المتوقع الدخول في ركود بعد موجة جفاف كبيرة فيما يتعثر برنامج بقيمة 44 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي.

وبعدما كانت واحدة من أغنى دول العالم، تعاني الأرجنتين منذ عقود من ركود ولم تتمكن من تجنب أزمات مالية تتجلى في ديون وسوء إدارة مالية وتضخم، كما يعيش نحو 40 في المائة من السكان في الفقر وأصبحت الطبقة المتوسطة شبه معدومة، فيما يعتبر العديد من الناخبون أن الأحزاب التقليدية هي مهندسة البؤس الذي يعيشون فيه.

كما قد ترسم نتائج الانتخابات شكلاً جديداً للعلاقات الخارجية للبلاد، وخاصة في حال فوز المرشح اليميني المتطرف خافيير ميلي، الذي أعلن عزمه على تغيير السياسات الخارجية للبلاد، والتي تأخذ شكل التقارب في العلاقات الثنائية مع كل من الصين والبرازيل (أكبر شريكين اقتصاديين للأرجنتين).

وقال ميلي: "لن أعقد اتفاقاً مع الشيوعيين"، إذ يميل إلى التقرب من الولايات المتحدة والدول الأوروبية على حساب الدول التي يعتبرها اشتراكية. وبشأن انضمام الأرجنتين إلى مجموعة "بريكس"، أعلن ميلي رفضه لهذه الخطوة، وقال إنه في حال تم انتخابه سيحرص على عدم الانضمام.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون