جورج حبش يتحدّث عن البواكير والرفاق والمسار: مقدّمات الانشقاق والطلاق في الجبهة الشعبية (5)

11 أكتوبر 2024
حبش (يسار) وأبو إياد وحواتمة باجتماع تأسيس جبهة الصمود والتصدي بطرابلس (Getty 4/12/ 1977)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُسلط الحوار الضوء على تجربة جورج حبش ورفاقه في تأسيس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مع التركيز على الخلافات الداخلية، خاصة بين وديع حداد وحبش، ودور الشخصيات البارزة مثل هاني الهندي ووديع حداد في العمليات العسكرية والسياسية.

- يبرز الحوار التحديات والانشقاقات التي واجهتها الجبهة الشعبية بين عامي 1968 و1972، حيث كانت هناك خلافات حول التعامل مع التناقضات الداخلية، مما أدى إلى انشقاق بين التيارات المختلفة داخل الجبهة.

- يتناول الحوار إعادة تنظيم الجبهة بعد مؤتمر فبراير 1969، مع انتقال وديع حداد إلى بيروت لتولي مسؤولياته، وتشكيل لجان متعددة للتعامل مع القضايا التنظيمية والإعلامية، وسط تحديات في توحيد الآراء حول التحول إلى الماركسية اللينينية.

هذا الحوار وثيقة مهمة في تجربة جورج حبش ورفاقه الأوائل الذين أسسوا حركة القوميين العرب، ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أنجزه في الجزائر سنة 1989 شريف الحسيني وسائدة الأسمر (حكمت نصّار). يتعلّق، في جزء كبير منه، بالقيادي المؤسس في الجبهة وديع حدّاد وخلافه معها ومع حبش. ويتضمن تفصيلات مهمة عن البدايات التأسيسية لحركة القوميين العرب، وعن الرفاق الأوائل، أمثال هاني الهندي ووديع حدّاد وأحمد الخطيب وصالح شبل وحامد الجبوري ومحسن إبراهيم وأحمد اليماني. كما يحتوي معلومات شائقة عن مرحلة النضال السياسي والعسكري، ولا سيّما عمليات خطف الطائرات التي برع وديع حدّاد في تخطيطها وتنفيذها، علاوة على الانشقاقات اليسارية التي خلخلت تنظيم الجبهة الشعبية بين 1968 و1972. وقد انتثلَ الزميل صقر أبو فخر هذا الحوار المطوّل، والذي لم ينشر من قبل، من أوراقه الفلسطينية وحقّقه ووضع حواشيه وقدّم له. تنشر "العربي الجديد" حلقاتٍ منه، قبيل صدوره قريباً في كتاب عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وفيما يلي الحلقة الخامسة من الحوار. 

                                                       ***********

شريف: في فترة اعتقالك كان وديع العنصر الأساس في الجبهة.
الحكيم: طبعًا، طبعًا.

شريف: وأمضى تلك الفترة بين الأردن ولبنان، وهي الفترة التي اشتدّ فيها التناقض الداخلي إلى أبعد الحدود. وكان وديع يؤيّد البتر في شأن مجموعة نايف حواتمة. لكن بعضهم كان يقول إنه لم يكن يبدو عليه الموقف المتشدّد، وكان يدعو إلى إيجاد حل ما. لكنه، في داخله، كان مع عملية البتر لحل التناقض الداخلي. هل لمستَ هذا الميل لديه بعدما خرجت من السجن؟
الحكيم: إذا أردنا أن نقيس الأمور على أساس عام 1964، فإن وديع كان متضايقًا جدًا، لكنه كان يكظم غيظه. ولما خرجت من السجن أصبحت ميّالًا إلى أن نعالج القضايا بشكل حازم، أي وضع حد للمراهقات والإستهتارات الفكرية والتنظيمية. وأنا أذكر أن وديع كان يعالج الأمور قبل وصولي إلى بيروت وبعد خروجي من السجن بشكل جديد. قال لي حين التقيته في بيروت: "كنت أنتظرك، والآن جئتَ، تفضل وتحمّل المسؤولية". هنا يمكن تفسير بعض الأمور المتناقضة في مواقف وديع. عندما كان وديع يتحدّث مع أبو علي مصطفى أو مع حمدي مطر وأبو عيسى وأبو ماهر، كان يقول أمامهم بعدم وجود أي طريقة لمعالجة التناقضات غير التخلص من هؤلاء لأنهم يعرقلون عملنا. وأهم شيء عند وديع هو ألا يعرقل أحد عمله. لكن وديع ذكي بالفطرة؛ فحين يتصل بنايف حواتمة وغيره كان يبدي نوعًا من المرونة كي يحافظ على وحدة الجبهة. وعندما خرجت من السجن تولّد لدي اعتقاد أن حل التناقضات في الجبهة الشعبية في عام 1968 يختلف عن الطريقة التي حللنا فيها تناقضات حركة القوميين العرب في عام 1964. ووجدتُ، في ضوء بعض الروايات التي سمعتُها في بيروت، أن الأمور معقدة جدًا. ومع ذلك قلت إن من الضروري الحفاظ على وحدة الجبهة. لكن، حين ذهبت إلى الأردن وبدأتُ أتصل بجميع الأطراف، بمن في ذلك نايف، واجهتني عوامل شتى جعلتني أقرر أن لا حل إلا الطلاق بين التيارين في الجبهة الشعبية. العامل الأول هو أن الجبهة كانت تخشى أن تُشل فاعليتها، ويصبح الخلاف شغلنا الشاغل، وننصرف عن الاستمرار دينامية في انطلاقة الجبهة. والعامل الثاني هو شعوري بمدى الأذى الذي أنزله الفريق المنشق بالجبهة، وما تركه في نفوس الرفاق من مشاعر سلبية حادة، خصوصًا أن نايف حواتمة كان يتبنى المقولة التي تنص على أن تنظيمًا برجوازيًا صغيرًا لا يمكنه أن يتحول إلى الماركسية، وأن أقصى ما يمكن أن يحدث فيه هو خروج العناصر الماركسية – اللينينية منه لتشكل حزبًا ماركسيًا لينينيًا. عرضنا عليهم عدة اقتراحات للخروج من المأزق مع المحافظة على وحدة الجبهة، منها أن يدعو نايف لأي مؤتمر يريد. وجرت محاولات صادقة وحقيقية في هذا الشأن. لكن الموقف في هذه المرة كان مختلفًا عن عام 1964، بمعنى أن لا بد من الحسم في نهاية المطاف، ولا نستطيع أن نشلَّ الجبهة، فإما أن نتفق أو يحصل الإنشقاق رغمًا عنا.

لمّا خرجتُ من السجن أصبحت ميّالًا إلى أن نعالج القضايا بشكل حازم، أي وضع حد للمراهقات والإستهتارات الفكرية والتنظيمية

24 April, 1974 ،نايف حواتمة (Getty)
نايف حواتمة، 24 /4/ 1974 (Getty)

شريف: الانطباع العام آنذاك أن الانشقاق كان، في جانب منه، بين الذين جاءوا إلى الأردن من الخارج، وبين مَن كانوا في الأردن قبل ذلك. وأغلبية مَن خرج من الجبهة الشعبية مع الجبهة الديمقراطية كانت تضم العناصر التي جاءت من الخارج، بينما العناصر التي كانت موجودة في الأردن في الأساس فقد بقي معظمها في إطار الجبهة الشعبية. إن موجة إرسال الكوادر من الخارج إلى الأردن أثارت حساسيات شتى بعد عام 1967، ولم تكن مقبولة. فبعضهم كان يردد أن هؤلاء "جايين بدهم يعلّمونا"، وهؤلاء "إذًا أرسلناهم إلى التدريب فلا يصمد منهم إلا القليل". لذلك لا أتصور أن القضية النظرية كانت هي الأساس في الخلاف الذي أدى إلى الانشقاق.
الحكيم: القول إن الكوادر والرفاق في الأردن التفوا حول الجبهة الشعبية، أي حول جورج ووديع، فيما انحاز الوافدون، أو قسم منهم، إلى وجهة النظر الأخرى، يمكن تفسيره بأن الرفاق في الأردن، ولا سيما في أثناء تأسيس الجبهة، كانوا من الكوادر الأساسية، ويعرفون وديع وجورج جيدًا ومن قرب. وكان وديع وجورج يتمتعان في الأردن بثقة كبيرة من الرفاق جراء الممارسة اليومية منذ تأسيس الحركة. وهؤلاء الرفاق ليس من الممكن أن يصدقوا اتهامات نايف بأن جورج ووديع يمينيان أو متخلفان. وكان لسان حالهم يقول في مواجهة تلك الاتهامات: "بلاش كلام فارغ"، فنحن نعرف هذه العناصر وكانت أمامنا دائمًا في المعارك كلها، وهي التي نثق فيها. أما العوامل التي أحاطت بالانشقاق ففيها كلام كثير، وبعضه مجرّد حكايات. أنا اعتبرت أن هذا النمط من الكلام غير جوهري، مثل الحديث عن أن ياسر عبد ربه لم يكن لديه أي استعداد لأن ينام في المعسكر، وأن أبو عيسى شتم ياسر عبد ربه، وأن حمدي مطر قال كذا وكذا، وفلان تحدث عن كيت وكيت، وأنهم بعثوا رسائل إلى الرفاق في الخارج يحرضونهم فيها على قادة الجبهة، ومئات من هذه القصص التي لم أعتبرها الموضوع الأساس. الأساس أننا حركة قوميين عرب وفرع فلسطيني من حركة القوميين العرب، توصلّنا من خلال الممارسة ومن خلال التجربة في الخمسينيات والستينيات إلى نتيجة خلاصتها أن من غير الممكن أن ننتصر ونحقق أهدافنا انطلاقًا من النظرية القومية العامة، ولا بد فعلًا من التحول إلى الماركسية - اللينينية، وأن هناك ظروفًا دولية وعالمية يجب الالتفات إليها مثل وجود المعسكر الاشتراكي المساند لحركات التحرر. ثم إن البرجوازية العربية بتكوينها لا يمكنها إلا أن تكون تابعة للامبريالية. وهذا الرأي موجود في دراسة "الأزمة التنظيمية" التي قُدمت في عام 1972. ولأن البرجوازية العربية تابعة، فمن الصعب أن تخوض معركة تحرر حقيقية، مع أنها كانت مناهضة للإمبريالية وتسعى إلى التحرر في إحدى المراحل. نأتي إلى البرجوازية الصغيرة التي تشكّل بنية الجبهة؛ هذه البرجوازية الصغيرة بحكم واقعها الطبقي ومواصفاتها الطبقية، متأرجحة بين البرجوازية وبين الكادحين والطبقة العاملة، ويجمعها مع البرجوازية أنها تملك أحيانًا قطعة أرض، وأحيانًا حرفة. لكن ما يجمعها مع الطبقة العاملة أنها تعمل. وهذه البرجوازية الصغيرة تندفع في خضم التجربة، وفي ضوء الوضع العالمي، إلى الالتحام بالطبقات الكادحة وبالمعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي. فالتجربة إذاً هي التي تدفعها نحو التحول إلى الماركسية. لكن، كيف تتم عملية التحول؟ هنا وُجدت آراء مراهقة ومتسرعة من النمط الذي مثلته الجبهة الديمقراطية. ولذلك اعتبرتُ أن أساس المشكلة كيفية النظر إلى عملية التحول. بمعنى: هل إن عملية التحول من منظمة برجوازية صغيرة إلى حزب ماركسي - لينيني ممكنة أم غير ممكنة؟ ولمّا سمعت أن هذه العملية غير ممكنة علمت أن الانشقاق سيحصل ولا نستطيع أن نتلافاه. هذا هو جوهر المشكلة. أما الحكايات عن أن فلانًا فقد أعصابه، وأن فلانًا اتخذ موقفًا غير أخلاقي، وفلانًا كتب رسالة، وفلانًا تآمر على فلان، فكلها تفريعات من الأساس. وذلك التنظيم الذي يدعى حركة القوميين العرب والفرع الفلسطيني له، توصلا من خلال التجربة (تجربة الأردن) إلى أن تحالفه مع فلان أو فلان وفلان لا يؤدي إلى أي نتيجة. وإذا أراد تحقيق أهدافه فلا بد أن ينتقل إلى مواقع الطبقة العاملة، نظريًا وكفاحيًا. وهذه العملية لم يكن من السهل أن تتمكن من توحيد الآراء حول قوانينها وحول العوامل التي تتحكم بها. لذلك كنت أنظر إلى القصص التي "دَوَشُوني" بها، من الاتجاهين على أنها أعراض وليست الجوهر الأساس. ولو استطعنا أنا ووديع من ناحية، ونايف وفلان من ناحية ثانية، أن نتفق على مسألة التحول إلى المواقع الجديدة، أي مواقع الطبقة العاملة، لما حصلت مشكلة الانشقاق. لكن نظرة نايف إلى هذا التنظيم، أي الجبهة الشعبية، كانت تختلف. فهو كان يعتقد أن هذا التنظيم ليس في إمكانه أن يصبح حزبًا ماركسيًا - لينينيًا. وكنا نتساءل في ذلك الوقت كيف نأتي بأناس متشبعين بالفكر القومي، والذين أمضوا عشرات السنين وهم يهتفون: "وحدة، تحرر، ثأر"، ونجعل منهم تنظيمًا ماركسيًا - لينينيًا؟ هذا مستحيل، وهذه هي نقطة الخلاف.

خطاب حبش في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العاصمة، 17 /2/ 1983 (Getty)
خطاب حبش في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العاصمة، 17 /2/ 1983 (Getty)


شريف: لنتحدث عن مؤتمر فبراير/شباط 1969 والأجواء التي سبقته ورافقته(1).
الحكيم: أنا لم أحضر مؤتمر أغسطس/ آب. لكن أنتم يجب أن تأخذوا في الاعتبار نتائجه وما جرى فيه.

شريف: كانت لك ملاحظات على وديع في مؤتمر أغسطس؟
الحكيم: أنا لم أحضر مؤتمر أغسطس كما قلت. والأفضل استقاء ما حدث فيه ممن حضر المؤتمر.

حين ذهبت إلى الأردن وبدأتُ أتصل بجميع الأطراف، بما في ذلك نايف، واجهتني عوامل شتى جعلتني أقرر أن لا حل إلا الطلاق بين التيارين في الجبهة الشعبية

شريف: لكن مؤتمر فبراير 1969 عُقد في أجواء الانشقاق، والجبهة الديمقراطية كانت على وشك الخروج من الجبهة الشعبية. وفي تلك الأثناء، أي بعد خروجك من السجن، ارتاح وديع قليلًا من قضايا الجبهة وقال لك: تفضل تحمل المسؤولية الآن، فأنا أريد العودة إلى مهماتي الأخرى. وفي تلك الفترة وقعت عملية ماهر اليماني ومحمود عيسى، ثم عملية زيوريخ(2). هل كان ثمة وقفة آنذاك أمام العمليات الخارجية؟ هل كان ثمة لجنة للمجال الخارجي بعد مؤتمر شباط حين بدأت عملية ترتيب الأمور التنظيمية للجبهة؟
الحكيم: ماذا تقول الوثائق الموجودة في حوزتكما؟

شريف: إنها مراسلات بين عمّان ووديع وأبو علي [مصطفى] وأبو عيسى.
سائدة: إنها مراسلات من الفترة التي كان المركز موجودًا في عمان وليس في بيروت.

الحكيم: إلى متى بقي وديع في عمّان بعد مؤتمر شباط؟

شريف: رجع إلى بيروت بعد المؤتمر بفترة بسيطة جدًا، وأرسل إليّ في مارس/ آذار 1969 رسالة يقول لي فيها: اترك الاتحاد [اتحاد طلاب فلسطين] وتعال. وكان يحثني على المجيء إلى بيروت. فتركت الاتحاد، ورجعت في أوائل إبريل/ نيسان 1969.
الحكيم: بعد مؤتمر فبراير 1969 اعتمد وديع لبنان مركزًا له لأن من الأسهل تنفيذ مهماته من بيروت.

شريف: حين عاد وديع إلى بيروت كانت إعادة تشكيل ساحة لبنان مطروحة في تلك الفترة؟
الحكيم: نعم.

شريف: وكان موضوع الإعلام في لبنان على جدول الأعمال. أبو عصام [عزمي الخواجة] كان مسؤولًا عن الإعلام في عمان.
الحكيم: متى حصلت غارة الطيران الاسرائيلي على مطار بيروت؟
شريف: كانون الثاني أي في أوائل السنة(2).
الحكيم: كانون الثاني، في أي عام؟
شريف: 1969.
الحكيم: أمتأكد أنها وقعت في 1969؟
شريف: بعد عملية ماهر اليماني وعملية زيوريخ.
الحكيم: متى حدثت عملية زيوريخ؟ أنا لا أتذكر وقوع عمليات خارجية مع وديع في بيروت. أتذكر وقوع الغارة الإسرائيلية وتحليلنا لها وتفسيرنا أبعادها. بعد مؤتمر فبراير/ شباط 1969 انتقل وديع إلى بيروت وراح يقوم بمهماته انطلاقًا من بيروت.

شريف: أنا متأكد أنه جاء إلى بيروت في مارس/ آذار 1969. ما أذكره أنه أعاد تشكيل لجنة الاتصال الخارجي التي انشقت مع المنشقين. وقد جئتُ وبدأتُ العمل مع بعض الشبان في مكتب "الحرية" القديم. قال لنا وديع: ها هو المكتب وابدأوا كإعلام وكاتصال خارجي. وبعد ذلك شكّلنا مع غسّان كنفاني لجنة إعلام رديفة للجنة الموجودة في عمان.
الحكيم: كان غسّان كنفاني جزءًا منها؟
شريف: نعم، وفي مايو/ أيار 1969 بدأنا العمل معًا.
الحكيم: كان يرأسها غسان أم وديع؟
شريف: لم يكن طابعها لجنة حزبية. كنا نناقش خططًا إعلامية، وماذا نريد أن نعمل، وكيف نرد على مواقف الجبهة الديمقراطية وعلى بيان شباط [بيان إعلان الانشقاق]، وكيف نطبع المنشورات. وحتى الملصقات كانت تطبع من خلال وديع، فيما بقية الرفاق كانوا في عمان أمثال أبو ماهر [اليماني] وأبو محمود [هاني الهندي].
الحكيم: صحيح.

بعد مؤتمر شباط 1969 اعتمد وديع لبنان مركزًا له لأن من الأسهل تنفيذ مهماته من بيروت 

شريف: أنتَ كنتَ في عمان، وبقية الرفاق كانوا في عمّان، أما وديع فهو الوحيد الذي بقي في بيروت.
الحكيم: متى ذهب أسعد عبد الرحمن إلى الداخل؟ هدفي من هذا السؤال هو التأكد هل فوّضت قيادة الجبهة في ذلك الوقت وديع الإشراف على ساحة لبنان؟ أنا أحاول أن أحدد مسؤوليات وديع كلها في تلك الفترة، لأن انطباعي أن مقر وديع، بعد مؤتمر فبراير 1969، صار في بيروت، وكان يتردد على عمّان. وهنا أحاول أن أتذكر المهمات التي كان مسؤولًا عنها؟

حبش خلال مؤتمر صحافي، 9/9/ 1975 (Getty)
جورج حبش في مؤتمر صحافي في بيروت 9/9/ 1975 (Getty)

شريف: لا أعرف مهماته المركزية، لكن ما أعرفه في تلك المرحلة أنه كان مسؤولًا عن اللجنة التي تتابع قضايا الاتصال الخارجي وجمع التبرعات... إلخ.
الحكيم: ما يسمى التنظيم الخارجي؟
شريف: نعم، التنظيم الخارجي والإعلام والتنظيم في لبنان أيضًا.
الحكيم: ألم يكن هناك من تولى هذه القضايا؟
شريف: تطرق حامد [سليم أبو سالم] إلى هذا الموضوع. ففي تلك الفترة، أي في عام 1969(4)، وقعت انتفاضة المخيمات في لبنان، وتولى حامد مسؤولية الساحة اللبنانية تنظيميًا.
الحكيم: مَن حامد؟
شريف: حامد هو سليم.
الحكيم: هل لدينا قائمة بأسماء من حضر مؤتمر شباط؟
شريف: أحصيت معظمهم.
الحكيم: لكن لا توجد لديكم وقائع مؤتمر شباط كاملة؟
سائدة: لا، ليس لدينا الوقائع لأن المؤتمر عُقد في عمان.
شريف: ما انبثق عن المؤتمر من وثائق وتعاميم ولجنة مركزية موجود لدينا.
سائدة: لدينا رسائل كان يبعثها أبو بسام [فايز قدورة] في تلك الفترة، وهي ذات صفة إدارية، ويتعلق بعضها بالمخازن.

الحكيم: صحيح.


سائدة: كان يرسل إلينا الطلبات. وهذه الرسائل موجودة عند أبو هاني [وديع حدّاد].
الحكيم: متى كنتِ عند أبو هاني؟

سائدة: أنا بقيت في عمان حتى سنة 1969. وفي عام 1970 أصبحت إلى جانب أبو هاني.
شريف: هناك رسائل منك إلى وديع في بيروت. في تلك الفترة كنتَ تنقل إليه صورة ما يجري، وتطلب منه إرسال مثقفين إلى القواعد، وتحدد أحيانًا أسماء معينة. ربما كان عوني عبد الله أحد الذين ذهبوا إلى القواعد آنذاك.

الحكيم: نعم، نعم.

شريف: ثم ذهب سمير ناصر في تلك الفترة، أي بعد مؤتمر فبراير/شباط، وبعد أول اجتماع للجنة المركزية التي انبثقت عن المؤتمر. وفي تلك الفترة وقعت عملية التابلاين(5).
سائدة: لا يوجد ما يدل على وجود برنامج محدد لهذه العمليات التي وقعت في تلك السنة؟

الحكيم: حين كنتُ ألتقي وديع كان يعرض عليّ خططه للعمليات التي تكون في قيد الدراسة. وفي المراسلات كان يخبرني أنه قطع شوطًا في الإعداد، وأن تلك العملية باتت على وشك التنفيذ.

شريف: ما أتذكره هو انهماكنا في تأمين السلاح للجبهة. وتولى أبو همام [الهيثم الأيوبي] وأبو محمود [هاني الهندي] هذا الأمر.
سائدة: جاءت شحنات من السلاح من العراق، وتمكن أبو همام وأبو محمود من شحنها إلى لبنان عبر سورية.
شريف: في تلك الفترة كان وديع محورًا لبعض العناصر الرديفة للقيادة في الأردن والأرض المحتلة. ويذكر حامد [سليم أبو سالم] موضوع القوارب إلى غزة، لأن ذلك كان من ضمن مسؤولياته.

الحكيم: المركز القيادي كان في الأردن في ذلك الوقت. وكانت هناك محطّة قيادية اسمها وديع وعنوانها وديع. لكن من الصعب أن أتذكر الآن ممن كانت تتشكل تلك المحطة؟ وما هي مهماتها؟ وكيف كانت صلتها بالمحطة القيادية الأولى في عمان؟

سائدة: كانت اللجنة التي يتولاها وديع تجتمع وتقرر جميع الأمور، وهو الذي يوزّع المهمات على الأعضاء، ماعدا سليم. لأن سليم انتقل إلى لجنة أخرى سُميت في ما بعد "المجال".
شريف: مجال العمليات الخارجية(6).
سائدة: تسلّم وديع المالية، وكان عناصر "المجال" يجمعون الأموال. وكان وديع يستعمل العناصر نفسها للمهمات الأخرى كالإدارة في لبنان، ولتخزين السلاح وشرائه ونقله، ولعمليات الاستطلاع ونقل الرسائل. أي أنه كان يكلف العناصر نفسها مهمات متعددة. وهذه هي طبيعته، فأي واحد يتعرّف إليه يبعثه بعد دقيقتين في مهمة ما. كان صالح [شبل] آنذاك يتعاون معه، لكن ليس بصفة تنظيمية، وكذلك أشرف ومناف [الهندي](7).

الحكيم: كانت تجربتنا التنظيمية قد قطعت شوطًا من خلال حركة القوميين العرب أو من خلال الجبهة الشعبية. ويصعب علي أن أتصور أن القيادة المركزية لم تكن قد حدّدت مهمّات تلك المحطة الخارجية، وما هي مسؤولياتها، وما هي طبيعة العلاقة بينها وبين محطة عمان. ويؤسفني أن أقول إنني لا أتذكر ذلك تماماً ما دامت الوثائق ليست موجودة بين أيدينا.

حين كنتُ ألتقي وديع كان يعرض عليّ خططه للعمليات التي تكون قيد الدراسة. وفي المراسلات كان يخبرني أنه قطع شوطًا في الإعداد، وأن تلك العملية باتت على وشك التنفيذ.

شريف: ما أذكره أن تنظيم ساحة لبنان كان موجودًا. أما ما هي المهمات المركزية التي تولاها وديع فأنا لا أذكر هذا الأمر. وفي أوائل السبعينيات بدأنا في تشكيل لجان متعددة. وأتذكر أن أبو عصام [عزمي الخواجة] جاء من عمان ووضعنا معًا مخططًا للإعلام، وللفرع الخارجي، وللساحات أيضًا. ثم جاء زكريا [أبو سنينة] وتسلم مسؤولية اللجان.
الحكيم: لكن تلك اللجان لم يكن لها رابط مركزي.

شريف: كان وديع يتابع هذا الشأن.
الحكيم: لا أستطيع أن أنفي هذا الأمر ولا أستطيع أن أؤكده، ومن الصعب أن نكون في قيادة الجبهة قد تركنا الأمور بهذا الشكل. ربما يكون هذا الاستنتاج خاطئًا، وربما كنا غاطسين في المهمات القيادية في الأردن، ولم نكن نمنح الاهتمام الكافي لهذا الموضوع.

شريف: في تلك الفترة كنا نرسل أي عنصر إلى الأردن إذا كان قادرًا على ذلك.
الحكيم: صحيح، لكن هذا الأمر كان يتم من خلال القيادة. مثلًا موضوع غسان [كنفاني]. ما طبيعة الصلة بين غسان ووديع آنذاك.

فدائيون في أحد معسكرات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 1/ 8/ 1975 (Getty)
فدائيون في معسكر للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 1/ 8/ 1975 (Getty)

سائدة: ربما كان وديع ممثل المركز في لبنان، وهو الذي يربط الخيوط بعضها ببعض بالتنسيق مع المركز.
شريف: ربما كان أبو محمود يستطيع أن يوضح الصورة بجلاء أكثر.

الحكيم: نعم، أبو محمود يتذكر ذلك بصورة أفضل.

شريف: أَكانت هناك مراسلات لأبو محمود مع وديع في تلك الفترة؟ أنا نقلت رسائل من وديع إلى أبو محمود في الأردن.
الحكيم: بعد مؤتمر شباط/ فبراير 1969 حتى انتقالنا إلى بيروت كرّت السُبّحة، فجاء أبو عيسى [أحمد محمود ابراهيم] إلى بيروت.

شريف: عندما رجعتَ من سفرتك الطويلة جئت إلى لبنان في عام 1970.
الحكيم: جئت ترانزيت.

شريف: بعد اجتماع اللجنة المركزية في 5/11/1970 في جرش، تشكلت القيادة الرباعية، وبعدها ربما أصبح هناك شيء جديد تنظيميًا في لبنان.
الحكيم: لست أذكر.

هوامش

(1) هو المؤتمر الثاني للجبهة الشعبية. عُقد في أواخر فبراير/ شباط 1969 وحضره من أعضاء المكتب السياسي هاني الهندي (جهاز الأمن) ووديع حدّاد (الجهاز الخاص) وأبو علي مصطفى (الشؤون العسكرية) وأحمد اليماني (الشؤون المالية) ومحمود عيسى (التنظيم) وحمدي مطر (التسلح) وعزمي الخواجة (عن الضفة الغربية) وأبو نضال المسلمي (عن غزّة). 
(2) في 16/1/1968 قام كل من ماهر اليماني ومحمود عيسى وسامي عبود ومها أبو خليل وعصام ضومط بمهاجمة طائرة تابعة لشركة إلعال الإسرائيلية في مطار أثينا، فقُتل ضابط إسرائيلي متقاعد وجُرح آخر، واعتقلت عناصر المجموعة. وفي 28/12/1968 هبطت فرقة كوماندوس اسرائيلية في مطار بيروت الدولي ودمرت 13 طائرة مدنية لبنانية انتقامًا من عملية أثينا. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر قام الياس دير غرابيديان ومنصور سيف الدين مراد (وهو عضو في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني وصار نائبًا في البرلمان الأردني في ما بعد) بالهجوم على شركة إلعال في مطار أثينا. وفي 22/7/1970 اختُطفت طائرة يونانية تابعة لشركة أوليمبيك من مطار بيروت للمطالبة بإطلاق المعتقلين في اليونان وهم مها أبو خليل وسامي عبود وعصام ضومط ومحمود عيسى وماهر اليماني والياس دير غرابيديان ومنصور سيف الدين مراد، وأطلق الجميع. وفي 18/2/1969 هاجمت أمينة دحبور ورفاقها محمد أبو الهيجاء وابراهيم توفيق وعبد المحسن حسن طائرة إسرائيلية في مطار زيوريخ، فقُتل طيار متدرب وثلاثة من الركاب، واستشهد عبد المحسن حسن، واعتُقل أعضاء المجموعة، ثم أفرج عنهم في 27/9/1970. 
(3) وقعت الغارة الاسرائيلية على مطار بيروت الدولي في 28/12/1968، أي في كانون الأول، ودمّر الكوماندوس الاسرائيلي بقيادة رفائيل إيتان 13 طائرة مدنية لبنانية تملكها شركات MEA و LIA وTMA بذريعة أن الفدائيين الذين نفذوا عملية مطار أثينا استعملوا مطار بيروت في سفرهم إلى اليونان. 
(4) انتفضت المخيمات الفلسطينية ضد تسلط المخابرات والمخافر في 22/10/1969.
(5) سمير ناصر (ثائر صلاح الدين) كان المسؤول عن التنظيم الطالبي الخارجي. التحق بالجبهة الشعبية في سنة 1969 وأصبح عضوًا في مكتبها السياسي في سنة 1971. أما عملية نسف أنابيب التابلاين المارة بالجولان فحدثت في 13/5/1969.
(6) أُسس " المجال الخارجي" في نطاق الجبهة الشعبية في سنة 1968، وتولى وديع حّداد قيادته تطبيقًا لشعار "وراء العدو في كل مكان". وكانت قيادة المجال الخارجي تتألف، في البداية، من وديع حدّاد وسلام أحمد (عراقي من مواليد البصرة في سنة 1930. تخرج في الجامعة الأميركية في بيروت، وكان قيادياً في إقليم العراق لحركة القوميين العرب وتوفي في سنة 2013). وبعد وفاة وديع حدّاد في سنة 1978 خلفه سليم أبو سالم (حامد). ومن أركان "المجال" محمد زكي خليل هلّو الذي تعرض لمحاولة اغتيال في مدريد في سنة 1984 أدت إلى إصباته بالشلل، وتوفي في الجزائر في 29/8/2012. وزكي هلّو هو الذي درّب كارلوس. وقد توقف نشاط "المجال" نهائيًا في سنة 1991 جراء حرب الخليج الثانية وحصار العراق. 
(7) أشرف (م. هـ.) كان عضوًا في جهاز العمليات الخاصة، ويعتقد أنه ألحّ على تنفيذ عملية في مركز الألماس العالمي في بروكسيل، ليتبين لاحقًا أنه كان يريد خلق أزمة في سوق الألماس لمصلحة جهات معينة. أما مناف الهندي فهو شقيق هاني الهندي وأسامة الهندي.