- الحراك شهد تضامناً بين زعماء تقليديين، رجال دين، وفصائل مسلحة، رافضين التعديات ومؤكدين على استمرار الاحتجاجات السلمية رغم محاولات النظام لاستدراج السويداء للفخ.
- المتظاهرون والنشطاء أظهروا وحدة وتماسكاً في مواجهة الترهيب، ملتزمين بحماية السلم الأهلي والدفاع عن حرياتهم، مشددين على النسيج المتماسك لأهل الجبل ضد التهديدات.
احتشد المئات من المتظاهرين صباح اليوم الجمعة في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء جنوبي سورية، تحت شعار "جمعة الردّ"، ردّاً على التعزيزات العسكرية التي دفع بها النظام السوري إلى المحافظة خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكدين مطالبهم بإسقاط النظام، والتغيير السياسي، وتطبيق القرار 2254. ورفع المتظاهرون لافتات وصوراً تستنكر وجود التعزيزات العسكرية، وتؤكد سلمية الحراك الشعبي واستمراره حتى الوصول إلى حلّ سوري شامل.
وكانت بعض المنابر الإعلامية المقربة من الأجهزة الأمنية قد بثت منذ ليل أمس الخميس، عدداً من الشائعات والأخبار الهادفة لإثارة الذعر والقلق بين المواطنين، وخصوصاً المشاركين في الحراك الشعبي، مستندة إلى التهديدات التي رافقت الحشود العسكرية إلى السويداء، مما ساهم في ردّ فعل عكسي لدى المساندين للحراك الشعبي، تجلى واضحاً اليوم في الحشود الشعبية المتوافدة من معظم قرى وبلدات الريف إلى ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء.
وتشهد المحافظة حراكاً سياسياً واجتماعياً غير مسبوق على مستوى المرجعيات الدينية والاجتماعية، والفعاليات الأهلية، بدأ منذ صباح يوم الثلاثاء 30 إبريل/ نيسان الماضي، باجتماع في منزل الزعيم التقليدي للطائفة لؤي الأطرش، ضم شيخي عقل الطائفة يوسف جربوع وحمود الحناوي، إلى جانب عدد من الوجهاء ورجال الدين وقادة فصائل مسلحة، وفي مقدمهم يحيى الحجار قائد حركة رجال الكرامة، الذي تابع يومه بلقاء جمعه بالرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، وآخر مع الوجيه الشعبي عاطف هنيدي.
وصدرت عن هذه الاجتماعات مواقف عدة، كان آخرها بيان صادر عن هنيدي الذي يمثل عدداً من البلدات والقرى في المقرن الشرقي من المحافظة، أثنى من خلاله على ما تقدم من مواقف للشيخ الهجري، واصفاً الحشود العسكرية بالاستعراض الهزيل، مؤكداً أن هذه الحشود ما هي إلا محاولة فاشلة لاستدراج السويداء إلى الخطأ، والغوص في وحول سطوة النظام واستبداده.
وتأكيداً على هذه المواقف وردّاً على التهديدات العسكرية، بادر أهالي المحافظة منذ ساعات الصباح الأولى بالتوافد إلى ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، مذكرين المجتمع السوري والدولي بالأيام الأولى للانتفاضة قبل حوالي التسعة أشهر، فمن أقصى الجنوب وصلت وفود المحتجين من بلدات امتان وعرمان والقريا باكراً، فيما فضّل المحتجون من بلدة مردك في شمال السويداء السير على الأقدام مسافة لا تقل عن 16 كيلومتراً، وصولاً إلى ساحة الكرامة.
ويقول أحد النشطاء من أبناء بلدة مردك لـ"العربي الجديد": "أردنا أن نوصل رسالة لهذا النظام وللعالم أجمع، أننا نسير عُزلاً سلميين في العراء، حاملين مطالبنا وأصواتنا بالحرية والعدالة والتغيير السلمي، علَّها تصل إلى هذا العالم بعدما صمّ أذنيه عن مأساة الشعب السوري طوال 13 عاماً. ولعل الصورة تدق الناقوس قبل أن نقع جميعاً في جحيم الحرب، وعندها لا صوت يعلو على صوت البارود".
وكان العديد من الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية كل على حدة، قد كثفت من اللقاءات والاجتماعات خلال الأيام القليلة الماضية، حيث صدرت عنها عدة مواقف تؤكد سلمية الحراك الشعبي واستبعاد أي مواجهة مع الجيش والقوى الأمنية انطلاقاً من الحفاظ على سلامة الجبل وأهله.
ويقول الشيخ عميد جريرة، أحد قادة الفصائل المعروفة لـ"العربي الجديد"، إنه من المستهجن والغريب كيف تسوّق منابر إعلامية موالية للنظام لافتعال الحرب والاقتتال، في الوقت الذي يدخل فيه الجيش إلى المدينة وعبر شوارعها، ويتمركز في عدد من النقاط بشكل آمن ودون أي مشاكل تُذكر. ومن المستغرب ألا يصدر أي تصريح رسمي أو عسكري يبين ماهية هذه الحشود وأهدافها. ويضيف: "من جهتنا، نحن عاهدنا أهلنا أن نكون بينهم وفي المقدمة لردّ أي اعتداء غاشم وأي تعدٍّ على الحريات العامة، ولن نقبل طالما حيينا أن تُنتهك حُرمات البيوت، أو يتم أي اعتداء على سلميتنا في الحراك الشعبي. وسنسعى قدر المستطاع للمحافظة واستبعاد أي مواجهة مع الجيش الذي يُفترض أن يكون لكل الأمة"، كما قال جريرة.
بدوره، يشير الناشط المدني سميح حرب لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بشار الأسد يظن أن الدعاية العسكرية من خلال إرسال التعزيزات والحملات الإعلامية التي يسوقها أتباعه، ستخيفنا، وترجعنا عن مطالبنا، وتخرس أصواتنا، إلا أن ما لم يحسب له حساباً أن الجبل بكلّ مكوناته حرش من أشجار السنديان تشابكت جذورها والتحمت، ولا يمكن القضاء على هذه الأشجار".
ويوضح أنّ "التعزيزات التي كان من المفترض أن تخيف المحافظة جاءت بمردود عكسي لما أرادوه، وأوضحت كم أن هذا النسيج متماسك ومتلاحم، وذو إرادة لا تخيفها التهديدات ولا يرهبها التلويح بالقوة"، مشيراً إلى أن "الشيء المميز بتظاهرات اليوم الجمعة أنها بدأت منذ الصباح الباكر على غير عادة، وانطلقت من القرى والشوارع قبل أن تصل إلى الساحة المركزية، والجديد فيها وجوه دينية واجتماعية تحضر لأول مرة".