جبل عيبال في نابلس.. أطماع استيطانية واستغلال لأساطير دينية

05 أكتوبر 2023
يزعم المستوطنون وجود مذبح يوشع بن نون فوق قمة الجبل (العربي الجديد)
+ الخط -

يعد جبل عيبال في مدينة نابلس محط استهداف من قبل المجموعات الاستيطانية المتطرفة، التي تسعى للسيطرة عليه في ظل حماية جيش الاحتلال، بدعوى وجود مذبح يوشع بن نون فوق قمة الجبل. 

وقبل أيام، اقتحم نحو مئة مستوطن موقع برناط الأثري على قمة جبل عيبال (الجبل الشمالي) لإقامة احتفالات لمناسبة الأعياد اليهودية، وأدوا طقوسا تلمودية قرب سلسلة حجرية مهدومة تشكل بقايا بناء قديم، فيما فرضت قوات الاحتلال إجراءات مشددة في المنطقة ومنعت الصحافيين من الوصول إليها.

ويقع موقع برناط على مساحة تقدر بـ35 دونما على قمة الجبل، وتعود ملكيتها لمواطنين فلسطينيين من مدينة نابلس وبلدة عصيرة الشمالية المجاورة لها، فيما يخطط المستوطنون منذ نحو عقد من الزمن للسيطرة على المنطقة بذريعة وجود المذبح هناك، مستغلين الأساطير في معركتهم للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية، كما يقول المختصون وخبراء الآثار.

وكان وزير الإسكان الإسرائيلي السابق أوري أرئيل قد تعهد للمستوطنين، عام 2015، بفتح الموقع أمامهم لتمكينهم من أداء طقوس تلمودية فيه، قبل بدء العمل على شق طريق إليه على حساب الأراضي الزراعية الخاصة بالمواطنين، وكان وجود معسكر لجيش الاحتلال على الجبل ذاته قد سهل على الجيش هذه المهمة.

ولعل ما آثار أطماع مستوطنين هو قيام عالم الآثار الإسرائيلي آدم زرتال، خلال الثمانينيات، بأعمال تنقيب في الموقع وتأريخه في القرن الـ13 قبل الميلاد، وادعائه أن المذبح الذي أقامه يوشع بن نون موجود هناك.

فكرة هذا الادعاء الذي مر عليه نحو أربعة عقود تتنافى مع الرواية الدينية اليهودية والسامرية (الطائفة السامرية أصغر طائفة دينية في العالم وتقيم على قمة جبل جرزيم المقابل لجبل عيبال)، التي تقول إنه "لا يمكن لنبي أن يقيم مذبحا على جبل عيبال الذي يعرف في التوراة بجبل اللعنة".

مذبح كنعاني وثني

وبحسب ما يقول مدير دائرة متاحف شمال الضفة الغربية محمود بيراوي، لـ"العربي الجديد"، فإن الرواية الإسرائيلية تتنافى مع نتائج التنقيب الذي نفذه العديد من العلماء في فلسطين، ومع حقيقة المسوح الضوئية للبقايا المعمارية التي عثر عليها والتي تؤكد أنه مذبح كنعاني وثني، كانت تقدم عليه القرابين للآلهة الكنعانية.

وأكد بيراوي أن "ديانة أرض كنعان في تلك الحقبة لم تكن ديانة موحِّدة، وإنما ديانة وثنية، ففكرة التوحيد ظهرت في القرن السابع قبل الميلاد، فيما تبلورت الديانة اليهودية أثناء السبي البابلي، وأخذت صياغتها النهائية، ودُرّست بعد العودة في المدّة الفارسية عام 539 قبل الميلاد".

ويوضح أن شكل المذبح الخارجي المستطيل، وليس المربع، وعدم وجود أربعة حجارة بارزة على زوايا المذبح، ووقوع المذبح إلى الشمال من قمة عيبال بحيث لا يقابل جبل جرزيم، كلها أمور أفقدت ادعاءات زرتال مسوغاتها، حتى عند الغالبية العظمى من علماء الآثار الإسرائيليين.

ويشدد بيراوي على أن الأطماع الاستيطانية في موقع برناط تعدّ توظيفا للرواية التوراتية لأغراض استيطانية وعسكرية بحتة ولتكريس الاحتلال، لا سيما أن المكان ذو طبيعة استراتيجية ويطل على قرى نابلس الشرقية والأغوار ومحافظة طوباس، ويمكن من خلاله مشاهدة السفوح الغربية لجبال الأردن.

واستولى الاحتلال على قمة جبل عيبال عام 1979، وأقام عليها معسكرا على مساحة 500 دونم، بالإضافة إلى 1500 دونم في محيطه يمنع المزارعون من الوصول إليها.

مناطق (ب)

ويقول القائم بأعمال محافظ نابلس غسان دغلس، وهو المطلع على خبايا الاستيطان كونه كان لوقت قريب مسؤولاً عن هذا الملف في شمال الضفة الغربية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المنطقة المستهدفة مصنفة ضمن المنطقة (ب) حسب اتفاق أوسلو، أي أنها تحت إدارة السلطة الفلسطينية، وليس للإسرائيليين الحق في السيطرة عليها أو التحكّم فيها، هذا عوضاً عن أن المساحات المهددة بالمصادرة مملوكة لفلسطينيين، ومسجلة بسندات رسمية لهم".

ويقلل دغلس من قيمة الادعاءات اليهودية، مشيرًا إلى أن أهالي بلدة عصيرة الشمالية يذكرون بالاسم أجدادهم الذين قاموا ببناء المبنى والسلاسل الحجرية حوله.

وأضاف: "كان المزارعون يستخدمونه ليكون مأوى لهم من مطر الشتاء وحر الصيف، حيث كانوا يضعون أدواتهم الزراعية ومواشيهم فيه لفترات زمنية طويلة".

وكان المستوطنون قد حاولوا، خلال السنوات الماضية، إقامة بؤرة استيطانية جديدة فوق جبل عيبال قرب الموقع الأثري، لكن الفلسطينيون أفشلوا ذلك، وفق دغلس.

المساهمون