تونس: مساعي سعيد لإنهاء المعارضة تزيدها لُحمة وتثير انتقادات حقوقية

06 مايو 2023
من المظاهرات المنددة بالاعتقال السياسي في تونس (Getty)
+ الخط -

يصعّد الرئيس التونسي قيس سعيد ضد معارضيه، فيما يبدو كأنها مساع لإنهاء كل نفس معارض في تونس في أقرب وقت ممكن وإخراس الأصوات المزعجة.

واليوم السبت، نددت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بـ"استهداف النشطاء السياسيين وإيقاف مواطنين على خلفية الانتماء السياسي"، كما نددت بـ"الانتهاكات التي طاولـت الموقوفيـن خلال مراحل التحقيق".

وبمناسبة تأسيسها، ذكرت الرابطة، في بيان لها، أنها تحذر "من تلفيق التهم وتوظيف أجهزة الدولة لتصفية الخصوم السياسيين وترهيب الأصوات المعارضة".

وعبرت الرابطة عن "رفضها لما يُمارس من ضغوطات على القضاء"، وطالبت بـ"إقرار إجراءات تضمن الاستقلال الفعليّ للسلطة القضائية، باعتبارها المعنيّ الأول بضمان الحقوق ومراقبة سلامة الإجراءات ومقوّمات المحاكمة العادلة".

كما استنكرت" التضييق على حرية الإعلام ومضايقة الصحافيين"، مطالبة بـ"التعجيل بإلغاء المرسوم 54".

وحذّرت الرابطة من "تواصل التمديد في حالة الطوارئ بالبلاد وتوظيف السلطة لقانون الطوارئ وبقية القوانين الاستثنائية لمحاصرة الفضاء العمومي والتضييق على الحريّات".

وأشارت الرابطة إلى أنها "نبهت بعد منعرج 25 يوليو 2012 من خطورة الانحراف نحو حكم رئاسوي فردي يتنافى ومبادئ الحكم التشاركي"، مذكّرة بأنها "ندّدت بالمراسيم الماسّة بالحقوق الأساسية... وبما ما يتمّ رصده من تضييق يستهدف الإعلاميين والمدوّنين والنقابيين والمحامين وخاصّة الايقافات التي شملت شخصيات معارضة لمسار 25 يوليو تحت غطاء قانون الإرهاب".

وبالإضافة إلى القائمة الطويلة من المعتقلين، من كل العائلات السياسية، تتجه السلطات إلى إضافة قائمة جديدة، وفق ما أعلنته جبهة الخلاص في ندوة صحافية منذ أيام.

ومن بين الأسماء التي كشف عنها: رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي، ورئيس لجنة الدفاع عن المعتقلين العياشي الهمامي، والوزير السابق محمد الحامدي، والحقوقي كمال الجندوبي، والمحامية والحقوقية بشرى بالحاج حميدة، والقيادي بالنهضة رياض الشعيبي، والمحامي عبد الرؤوف العيادي والمحامية لمياء الفرحاني، وغيرهم.

غير أن المعارضة تستبسل في الدفاع عن نفسها، وتصر على إبقاء الضغط على سعيد. ومساء اليوم السبت، تخرج من جديد إلى شارع بورقيبة وسط العاصمة تونس، مناصرة للمعتقلين وتنديدا بالسلطة.

لكن التطور اللافت في الملاحقات هو ما أصبح يطاول أقرباء للشخصيات السياسية، وهو ما أدانته حركة النهضة، في بيان لها، ليلة الخميس، حيث استنكرت بشدة "مداهمة منازل أهالي السياسيين دون إعلام ولا استظهار بإذن قضائي وتغيير الأقفال قبل المغادرة"، واعتبرت ذلك "استباحة لأعراضهم وعملية ترهيبٍ ممنهجة لا تليق بدولة القانون ولا بمكتسبات ثورة الحرية والكرامة".

كما أعربت النهضة عن "احتجاجها على التضييق على حرية التنظيم والنشاط الحزبي"، مؤكدة "تمسكها بحق الحزب في المشاركة في النشاطات وتنظيمها طبقاً لما يحدّده القانون المنظم للأحزاب".

واعتبر القيادي بالنهضة، رياض الشعيبي، أن "التحرش الأمني والسلطوي مع الناشطين وقادة الرأي لم يتوقف عند أشخاصهم بل أصبح يمس عائلاتهم"، وقال "انتقلنا من العقوبة الفردية إلى الجماعية".

واعتبر الشعيبي، في ندوة صحافية لجبهة الخلاص، أن "الهدف من عمليات الترهيب، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة، هو البحث عن شرعية مغايرة لشرعية الصندوق، وهي شرعية القمع والتنكيل".

وأشار إلى أن "حقوق التونسيين الطبيعية أصبحت محل استفهام تحت مسمى حرب التحرير الوطني، لأن حرب التحرير يجب أن تكون من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والفقر والمجاعة وندرة المياه؛ لا بسلب الحرية وتخلص السلطة من كل معارضيها".

واعتبر الشعيبي أن "ما يتهدد تونس ليس فقط اعتقال زمرة من الناشطين السياسيين بل محاولة العودة بنا إلى مرحلة كنا نخال أنها طويت"، مشددا على أن "السجن والاعتقال لن يسكتا أصواتنا، ومستمرون في نضالنا المدني والسلمي للمطالبة باستئناف المسار الديمقراطي والسجن والاعتقال لن يسكتنا وننبه من الانزلاق الخطير الذي تنتهجه السلطة من قمع للحريات والتنكيل بالسياسيين".

رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، المحامي العياشي الهمامي، أحد المعنيين بالتحقيقات الجديدة، قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الإيقافات الجديدة التي قد تستهدف وجوها من المعارضة ومحامين "هي مواصلة الهروب للأمام، فقيس سعيد لا يملك حلولا للأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد، لذلك يرمي العبء على ما يسميه بتآمر المعارضة"، مشيرا إلى أن "هناك اليوم ما لا يقل عن 4 قضايا تآمر ضد أمن الدولة في بلد واحد وهو تونس، وهذا غريب لأنه عادة تحصل قضية واحدة من هذا النوع في سنوات" .

وتابع أن "عددا جديدا من المعارضين ومخالفي الرأي لقيس سعيد سيتم التحقيق معهم وربما إيقافهم"، مؤكدا أن "هذه هي طريقته في إدارة الأزمة في تونس، وهو في كل مرة يقوم بعملية تحويل وجهة الناس لمسائل أخرى، على أساس أنه يكتشف في كل مرة مؤامرة، وأصبح المناضلون السلميون إرهابيين ومجرمين كما قال قيس سعيد، وهذا لا يمكن أن ينطلي على أحد".

وبيّن الهمامي أن "طريق النضال صعب من أجل عودة الديمقراطية والتنمية إلى تونس، ولا بد من الاتعاظ من التجارب السابقة، وما حصل طيلة الـ10 سنوات من الفشل في إيجاد حلول أدى لهذا البؤس، وبالتالي لا بد من مراجعات وتوحيد الجهود"، مؤكدا أن "قيس سعيد يدفع البلاد نحو مزيد التأزم، والسلطة تعتقد أنه بالتخويف ستهدأ البلاد، ولكن هذا حتى إن نفع، فسينفع لفترة قصيرة، ولكنه لن يستمر طويلا".

وقال وزيرالتعليم الأسبق وأحد القياديين السابقين للتيار الديمقراطي، محمد الحامدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجميع مستهدف اليوم، كما أن الموقوفين استهدفوا لأن هناك جلسات تمت في بيت الناشط السياسي خيام التركي وفي مقر الحزب الجمهوري لتوحيد المعارضة، وبالتالي فإن هناك محاولة لضرب توجه المعارضة في توحيد الصفوف".

وأوضح الحامدي أن "زمن النضال السلمي يتطلب الكثير من الصبر، والمعارضة لديها تقييمات مختلفة وهناك إرث تاريخي من الخلافات ولا يمكن توحيد الصفوف بجرة قلم ولكنها ستذهب باتجاه مزيد تنسيق العمل ونحو العمل المشترك".

وأوضح الحامدي أن "بعض المنظمات، كاتحاد الشغل، لا تزال تراهن على الحوار، وهذا مطلوب، ولكن طرح المبادرة على رئيس الجمهورية هو الذهاب في طريق مغلق، وهو ما قد يضيع الوقت على البلاد، فالاتحاد الذي يفتخر بدوره الوطني التاريخي، وهيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي طالما كان صوتها عاليا، لا ينبغي أن تكون أصواتها اليوم خافتة أمام ما يجري في البلاد من إيقافات وقمع للحريات وللمعارضين، وهذا حق البلاد عليهم".

المساهمون