تهوين فرنسي من حظر تحليق المقاتلات فوق الجزائر وسط مخاوف بشأن الوقود

04 أكتوبر 2021
أعلن ماكرون قبل فترة عن خطة لسحب القوات الفرنسية من مالي (لودفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -

أثار حظر الجزائر تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق أجوائها، أمس الأحد، قلقاً من احتمال أن تتأثر العملية العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي "برخان"، وجاء القرار في وقت حاسم بالنسبة لباريس التي تستعد لتطوير "برخان"، في إطار خطة أعلنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أشهر، وتتضمن انسحاباً عسكرياً فرنسياً من مالي.

لكن يبقى هذا القلق نسبياً، إذ يحاول الجيش الفرنسي التقليل من تبعات القرار الجزائري، فهو "ليس له تأثير كبير على العمليات"، وفق ما قال المتحدث باسم هيئة الأركان العسكرية الفرنسية، الكولونيل باسكال إياني، مساء أمس الأحد، كما أكد أن التأثير طاول طلعتين فقط، الأولى تقلع من قاعدة ايستر في فرنسا، والثانية من العاصمة التشادية نجامينا، التي تستضيف مركز القيادة الرئيسي لعملية "برخان".

تقوم الجزائر بتزويد القوات الفرنسية بالوقود في شمال مالي

ولا تقتصر الخدمات التي تقدمها الجزائر لعملية "برخان" على فتح مجالها الجوي أمام المقاتلات الفرنسية فقط، بل إنها تقوم كذلك بتزويد القوات الفرنسية بالوقود في شمال مالي، وفق ما تؤكد مصادر عسكرية فرنسية لـ"العربي الجديد". وهذا الدعم اللوجستي هو دور أهم من فتح الأجواء أمام المقاتلات الفرنسية. والقلق الحقيقي اليوم بات من إمكان حدوث تصعيد يحمل الجزائر على اتخاذ قرار بتعليق عمليات تزويد القوات الفرنسية بالوقود.

وتضطلع الجزائر بدور كبير خلف الكواليس في العمليات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل، إذ يعتبر استقرار المنطقة عاملاً مهماً بالنسبة إلى الجزائر، التي لطالما لعبت دور الوسيط في اتفاقيات عديدة بين مالي والجماعات الجهادية المسلحة.

وبحسب هيئة الأركان العسكرية الفرنسية، فإن الطلعات الجوية التي تنفذها المقاتلات الفرنسية في منطقة الساحل حالياً، تنطلق بشكل أساسي من النيجر، وبذلك لا تدخل الأجواء الجزائرية في إطار هذه العمليات، التي تشمل مثلث مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي منطقة لا تحتاج المقاتلات الفرنسية إلى استخدام الأجواء الجزائرية من أجل إتمام مهامها فيها.

وكان قرار حظر تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية في الأجواء الجزائرية، جاء على خلفية تصريحات أدلى بها ماكرون، الخميس الماضي، أمام وفد من أبناء وأحفاد مقاتلين جزائريين سابقين مع القوات الفرنسية خلال حقبة الاستعمار. ووفق ما نقلت صحيفة "لوموند" عن مصادر حضرت اللقاء، فإن ماكرون قال إن "الجزائر قامت بعد استقلالها في 1962 على إرث من الماضي"، مستغلة ذكريات الحرب الدموية من أجل "الحفاظ على النظام السياسي العسكري".

تأتي الأزمة في وقت يسعى فيه ماكرون إلى إطلاق مصالحة بين الجزائر وفرنسا

هذه الأزمة تأتي مع اقتراب الذكرى الستين لانتهاء الحرب الجزائرية، في وقت يسعى فيه الرئيس الفرنسي إلى إطلاق مصالحة بين الجزائر وفرنسا، وجعل مبدأ الاعتراف والمصارحة محوراً أساسياً لهذه المبادرة، لإنهاء كراهية ما تزال تورّث عن سنوات 1954-1962.

وهذه المبادرة التي كانت في إطار البرنامج الرئاسي لماكرون عقب انتخابه عام 2017، سعت إلى التوفيق بين الذكريات الفرنسية والجزائرية عن حقبة الاستعمار، واعترف بارتكاب فرنسا "جرائم في الجزائر" خلال تلك الفترة، لكن تصريحاته الأخيرة عن "قيام نظام سياسي/عسكري في الجزائر (...) بني على تاريخ أعيد كتابته بالكامل، ويقوم على كراهية فرنسا"، أصابت "رأس النظام في الجزائر"، على حد وصف "لوموند" في افتتاحيتها اليوم الاثنين، معتبرة أن "المسؤولين عن النظام السياسي/العسكري الذي يسيطر على الجزائر يستغلون خطاباً وطنياً مناهضاً لفرنسا، بهدف جعل الجزائريين ينسون الطريق المسدود الذي وصلت إليه بلادهم بسبب هؤلاء المسؤولين، وكأن الحرب الجزائرية يجب ألا تنتهي أبداً بالنسبة لهم من أجل البقاء في السلطة"، على حد تعبير "لوموند".

واعتبرت الصحيفة أن الجزائر وفرنسا مرتبطتان بالتاريخ والجغرافيا والهجرة، وهما تحتاجان إلى التوفيق بين ذاكرتهما. وهذا "يفترض أن تعترف فرنسا بمسؤوليتها عن مآسي الماضي. كما يتطلب ذلك وقف التلاعب بالحرب الرهيبة" من أجل إضفاء الشرعية على النظام السياسي هناك.

المساهمون