تناقض المسارات التركية تجاه السوريين

28 مايو 2023
يترقب اللاجئون السوريون في تركيا مرحلة ما بعد الانتخابات (فرانس برس)
+ الخط -

تؤكد التصريحات الرسمية التركية مضيّ الحكومة التركية بمشروع تأمين بيئة آمنة لعودة السوريين اللاجئين لديها إلى الداخل السوري. وأعلنت الحكومة التركية وضع الحجر الأساس لمشروع بناء مساكن لائقة في الشمال السوري، وإنشاء بنى تحتية من شأنها تهيئة ظروف ملائمة لعودة طوعية وكريمة للسوريين الذين التجأوا إليها هرباً من الحرب.

وبالتوازي، تسير الحكومة التركية قدماً في طريق التطبيع مع النظام السوري، برعاية روسيا التي هرب السوريون من بطش طائراتها ومن جرائم النظام بحقهم. وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن لجنة إعداد "خريطة طريق" للتطبيع بين أنقرة ودمشق ستعقد قريباً، فيما يشترط النظام على تركيا وضع جدول زمني لانسحابها من كل الأراضي السورية، ووقف دعم الجيش الوطني كشرطين أساسيين للمضيّ في طريق التطبيع مع أنقرة.

إن هذين المسارين اللذين تسوّق لهما الحكومة التركية كمسارين متلازمين ومكملين لبعضهما، هما في حقيقة الأمر مساران متناقضان تماماً، إذ من غير المنطقي أن يعود اللاجئون السوريون في تركيا إلى منطقة يجري التفاهم على تسليمها للنظام، ولو على المدى الطويل، أو تخضع لمفاوضات أحد أطرافها هو النظام، لأن مجرد وجود مسار تطبيعي بين الحكومة التركية والنظام، يحول الشمال السوري إلى منطقة غير مستقرة أمنياً.

السوريون الذين هربوا إلى تركيا لم يهربوا بسبب وضع اقتصادي، بل بسبب وضع أمني يهدد حياتهم وحياة أسرهم. وبالتالي، فدخول تركيا في مفاوضات مع النظام لتطبيع العلاقات معه سيفتح المنطقة على سيناريوهات كثيرة، منها سيناريو التسويات الذي جربته المنطقة الجنوبية بضمانة روسية، وما لبث أن نقضها النظام، ونكّل بكل الذين أجروا تسويات، الأمر الذي سيشكل عاملاً منفراً للسوريين الذين قد يفكرون في العودة إلى تلك المناطق.

كذلك إن مشروع إعادة اللاجئين إلى الشمال السوري من خلال بناء مساكن لهم، يُبالَغ في عددها، وإنشاء بنى تحتية على الطريقة التركية، يعني صرف ملايين الدولارات، ويعني ربط المنطقة بتركيا، فالمدارس ستكون مرتبطة بالتعليم في تركيا ليتسنى للأسر الراغبة في العودة إكمال تعليم أبنائها الذين درسوا في مدارس تركيا، وكذلك المستشفيات والبريد والكهرباء كلها ستكون بتمويل وبإشراف تركي.

وهذا من شأنه أن يصعب عملية تسليم هذه المناطق للنظام، وفي الوقت نفسه يشكل عامل استفزاز للنظام الذي يسعى للحصول على مساعدات إعادة الإعمار، الأمر الذي من شأنه تعطيل مسار التطبيع.

وهو ما يقود إلى أن هذين المسارين هما مساران إعلاميان لتمرير الانتخابات. وإن نجحت الحكومة الحالية بالانتخابات، فمن المرجح أن يستمر مسار التطبيع بخطى بطيئة، بسبب ارتباطه بالمصالح التركية الروسية، فيما ستكون عودة اللاجئين من خلال التضييق وإجبارهم على العودة تحت مسمى "العودة الطوعية" ضمن ذات السيناريو المتبع سابقاً، ولكن بوتيرة أعلى.

المساهمون