تمديد آلية المساعدات لسورية: الخاسرون والرابحون

11 يناير 2023
شاحنات تحمل مساعدات من برنامج الأغذية العالمي، إدلب، يناير 2023 (عمر الحاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

اعتمد مجلس الأمن الدولي، أول من أمس الإثنين، بالإجماع قراراً يُمدد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية لمدة 6 أشهر عبر الحدود من معبر باب الهوى الحدودي إلى شمال غرب البلاد، بيد أن التمديد واجه انتقادات لجهة زيادة أنشطة "التعافي المبكر" التي يستفيد منها النظام. ومدد القرار ولاية الآلية وفق مفاعيل قراره رقم 2642 لعام 2022 حتى 10 يوليو/تموز المقبل وبموجبه يتعين إصدار قرار جديد لأي تمديد آخر، وهو ما يسمح للجانب الروسي بابتزاز المجتمع الدولي مرة أخرى للحصول على مكاسب للنظام. ولم تحاول موسكو إيجاد عراقيل أمام اعتماد القرار الجديد، لخشيتها كما يبدو من تفعيل الدول الغربية المانحة لآلية جديدة أوجدتها أطلق عليها اسم "إنصاف" لإدخال المساعدات إلى شمال غرب سورية خارج إطار الأمم المتحدة في حال عرقلت موسكو الجهود الدولية في مجلس الأمن الدولي.

وأجاز مجلس الأمن في عام 2014 توصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في سورية من العراق والأردن ونقطتين في تركيا، لكن موسكو وبكين، اللتين تتمتعان بحق الفيتو، قلّصتا ذلك إلى نقطة حدودية تركية. وهذه النقطة هي معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في شمال غرب سورية.


ويعتمد أكثر من 4.5 ملايين مدني بينهم 1.8 مليون نازح في شمال البلاد على المساعدات الدولية التي تدخل من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا الذي حاولت موسكو إغلاقه بوجه المساعدات وربطها بالنظام إلا أنها فشلت في ذلك. وكانت هناك مخاوف جدية من قبل سكان الشمال الغربي من عرقلة الجانب الروسي لتمديد آليات إدخال المساعدات التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لهم.

ووفق منظمة "منسقو الاستجابة" فإن أكثر من 67.3% من السكان يعانون من انعدام المياه وأكثر من 56.1% يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى الارتفاع الكبير والمستمر في أسعار المواد الغذائية، وانزلاق آلاف العائلات إلى حدود الفقر وسط تصاعد الأزمة الإنسانية في المنطقة.

انتقادات لقرار تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية


وانتقد فريق المنظمة الذي يرصد الأحوال الإنسانية في الشمال السوري، مضامين قرار التمديد معتبراً استمرار دخول المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس بمثابة "إعادة الشرعية للنظام السوري ورضوخ للمطالب الروسية".

وأشار الفريق، في بيان أول أمس، إلى أن القرار الجديد "يحاول العمل على زيادة فعالية دخول المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس لإرضاء كل من الصين وروسيا". كما حذر من أن "روسيا ستعمل جاهدة لإغلاق حركة القوافل الإنسانية في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وهو ما يؤكد أن الآلية خلال الأشهر الستة التالية هي الأخيرة في مضمون نقل المساعدات".

القربي: دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى مطلب تركي

 

ولفت الفريق إلى أن النظام هو المستفيد الأكبر من زيادة أنشطة التعافي المبكر". ودعا المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لـ"إيجاد حلول بديلة إضافية خلال المرحلة المقبلة، وذلك لغياب أي حلول سياسية للملف السوري حتى الآن، ولضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود". واعتبر الفريق أن مضار القرار الحالي أكثر من منافعه "كونه يشكل خدمات كبيرة للنظام السوري". كما أعرب عن قناعته بأن "مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة أثبتا عدم الجدية والالتزام الفعلي بالملف الإنساني السوري".

وكان مجلس الأمن الدولي اعتمد في عام 2021 مبدأ "التعافي المبكر" في سورية، أي "توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم والمأوى"، وهو ما يحاول الجانب الروسي الاستفادة منه للتحايل على العقوبات المفروضة على النظام. ومن أجل تحقيق هذا الهدف تقوم موسكو بتخصيص قسم من المساعدات الدولية لدعمه اقتصادياً.

شروط روسيا لتمديد آلية إدخال المساعدات 


وأشار الباحث في مركز "الحوار السوري" للدراسات، أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن تمرير قرار تمديد آليات إدخال المساعدات الدولية الى الشمال السوري من قبل الجانب الروسي من دون عراقيل أكد أن "موسكو لا تريد فتح جبهات جديدة قانونية وإنسانية داخل أروقة الأمم المتحدة وخاصة أن التركيز الروسي اليوم منصب على الملف الأوكراني".

ولفت إلى أن الغرب يحاول تسليط الضوء على الانتهاكات التي يمارسها الروس في أوكرانيا، لذا لا تريد موسكو فتح جبهات مع الغرب، وعلى هذا الأساس مررت قرار تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى البلاد. وأوضح القربي أن الجانب الروسي كان قد حقق شروطه في القرار الذي صدر منتصف العام الفائت ومُدد أول من أمس. كما شدد على أن أبرز هذه الشروط حصر إدخال المساعدات من معبر واحد هو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والتمديد يتم بقرار جديد من مجلس الأمن الدولي، وتنشيط إدخال المساعدات عبر خطوط النزاع، ودعم مشروعات التعافي المبكر التي يستفيد منها نظام بشار الأسد.

حوراني: الجانب الروسي حافظ على تأثيره في الملف السوري
 


ولفت القربي إلى أنه لم يتغير شيء في القرار الأساسي الذي صدر قبل ستة أشهر، فروسيا حققت ما تريد. وأشار القربي إلى أنه "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الجانب الروسي لا يريد التشويش على الانفتاح التركي على نظام الأسد والتقارب معه". كما أكد أن استمرار دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى مطلب تركي كي لا تخلق أزمات إنسانية بسبب انقطاع المساعدات عن سكان الشمال السوري يمكن أن تؤدي إلى موجات نزوح تتضرر منها أنقرة، لذا مرر الروس قرار التمديد بسهولة.


من جانبه، رأى الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجانب الروسي "حافظ على تأثيره في الملف السوري من خلال الموافقة على تمديد آلية إدخال المساعدات". وأشار إلى أن موافقة موسكو رسالة لكل الأطراف بأنها قادرة على وقف تدفق المساعدات إذا أرادت. ولفت إلى أن "موسكو تخضع المساعدات الإنسانية لسكان الشمال الغربي من سورية للمساومات السياسية على مدى سنوات". كما أوضح حوراني أن التمديد لستة أشهر قادمة للآلية يسمح لموسكو بابتزاز كل الأطراف المعنية بالملف السوري وخاصة الجانب التركي قبل صدور قرار جديد منتصف العام الحالي.

المساهمون