نفذت الولايات المتحدة، فجر أمس الإثنين، عملية إنزال جوي جديدة في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية، وقتلت كما يبدو قيادياً كبيراً في تنظيم "داعش" في سياق استراتيجية التحالف الدولي ضد الإرهاب، والتي تهدف إلى شلّ قدرات هذا التنظيم باستهداف أبرز قياديي الصف الأول فيه.
وقالت القيادة المركزية الأميركية، إن قواتها استهدفت قيادياً بارزاً في "داعش" بغارة بطائرة هليكوبتر على شمال سورية في الساعات الأولى من صباح الإثنين، مشيرة في بيان نشر على "تويتر"، إلى أن القيادي كان مسؤولاً "عن التخطيط لهجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا". ورجحت مقتل القيادي الذي لم تشر إلى اسمه أو جنسيته، إلى جانب مسلحين اثنين آخرين في العملية، مشيرة إلى أنه "تم التخطيط المكثف لهذه العملية لضمان تنفيذها بنجاح". وتابعت: "لم يصب أي جندي أميركي، ولم تتضرر أي طائرات هليكوبتر أميركية، وتقديراتنا تشير إلى أنه لم يسقط قتلى أو جرحى بين المدنيين".
قتل اثنان من عناصر فصيل "صقور الشمال" بالعملية
ورأى قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، أنه "على الرغم من تدهور داعش، إلا أنه لا يزال قادراً على القيام بعمليات داخل المنطقة ولديه رغبة في الضرب خارج منطقة الشرق الأوسط"، مضيفاً "سنواصل الحملة التي لا هوادة فيها ضد داعش". وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية جو بوتشينو، إن "هذه العملية تؤكد من جديد التزامنا الثابت تجاه المنطقة والهزيمة الدائمة لداعش".
استهداف قيادي بـ"داعش" أم عملية فاشلة؟
ووفق شهادات محلية، نفذت قوات التحالف التي انطلقت من قاعدة "خراب عشك" في ريف عين العرب شمال شرقي حلب، عملية إنزال جوي على منزل في قرية السويدة بريف جرابلس شمال شرقي حلب، والخاضعة لفصائل معارضة، مشيرة إلى أن اشتباكات وقعت في القرية أدت إلى مقتل 3 أشخاص. وتضاربت الأنباء حول هوية المستهدف، حيث نفى فصيل "صقور الشمال" التابع للمعارضة تبعية القتيل له، مشيراً في بيان إلى أن الرجل المستهدف يدعى عايد الهلال، وهو نازح منذ 6 أشهر إلى الشمال السوري من بلدة السفيرة جنوب شرقي حلب، مؤكداً أنه "لا ينتمي للفصيل"، ومشيراً إلى مقتل اثنين من عناصره بعد خروجهما من منزليهما لتفقد ما حصل.
وكان التحالف الدولي نفذ منتصف العام الماضي عملية إنزال في ريف جرابلس، واعتقل شخصاً أكد في بيان حينها أنه "صانع قنابل يتمتع بالخبرة وأصبح أحد كبار قادة التنظيم في سورية". وفي عام 2022 نفذ التحالف عملية إنزال جوي في منطقة أطمة عند الحدود السورية التركية في ريف إدلب، بحثاً عن مطلوبين "جهاديين".
وخلال السنوات الماضية، نفذت القوات الأميركية العديد من عمليات الإنزال التي أدت إلى مقتل المتزعم الأول لـ"داعش" أبو بكر البغدادي في 2019، حيث كان يختبئ في ريف إدلب غير بعيد عن الحدود السورية التركية. كما قتلت في شباط من عام 2022 بعملية مماثلة خليفة البغدادي أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، في عملية جرت في ريف إدلب وأدت إلى مقتل مدنيين "نتيجة تفجير المتشددين شحنة ناسفة أثناء الغارة"، وفق تصريحات مسؤولين أميركيين في حينه.
سعد الشارع: عمليات الإنزال والاستهداف تضر حتماً بالتنظيم، لأن أغلب الشخصيات التي استهدفت أخيراً محورية
وفي منتصف عام 2022 تلقى تنظيم "داعش" ضربة وُصفت بـ"الموجعة" عقب اغتيال واحد من أبرز قياديي الصف الأول فيه، وهو ماهر العقال الذي لقي مصرعه بضربة من طائرة مسيّرة أميركية أثناء تنقله بدراجة نارية بالقرب من ناحية جنديرس التابعة لمنطقة عفرين في ريف حلب شمالي سورية.
عمليات التحالف لا تشلّ التنظيم
وتعليقاً على عملية الإنزال الأخيرة، أشار الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن عمليات الإنزال التي يقوم بها التحالف "تستهدف قيادات سابقة أو حالية من التنظيم". ولفت إلى أنه "بحسب المعطيات، فإن عملية فجر الإثنين ربما تكون فاشلة، فالشخصية التي تم استهدافها وهو أبو طالب سفيرة، ليس بالشخصية المهمة في التنظيم". وتابع أنه "عندما أدرك الجانب الأميركي أن هناك خطأ بالمعلومات قام بقتله بعد اعتقاله، ويبدو أن مصادر المعلومات من الأرض ليست دقيقة".
رغم ذلك، أعرب الشارع عن اعتقاده بأن عمليات الإنزال والاستهداف "تضر حتماً بالتنظيم بشكل عام، لأن أغلب الشخصيات التي استهدفت أخيراً محورية". إلا أنه اعتبر أن هذه العمليات لا تشل التنظيم لأن هذه التنظيمات لديها القدرة دائماً على سد الفراغ.
بدوره، رأى المحلل السياسي فراس علاوي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التنظيم فقد شخصيات مهمة ولكنه استمر بالعمل"، مضيفا: عمليات التحالف ربما تكشف طرق التواصل بين القيادات، واستراتيجيات التنظيم وبنيته الهرمية، وربما يلعب ذلك دوراً في الحد من عملياته"، مقراً في الوقت ذاته بأن لدى "داعش" مرونة في التعامل مع المتغيرات.
وكان تنظيم "داعش" سيطر على أجزاء واسعة من ريفي حلب الشمالي والشرقي خلال عامي 2014 و2015، قبل أن يُطرد بعملية عسكرية واسعة النطاق من قبل فصائل المعارضة السورية وبدعم من الجانب التركي. وتسلل عدد من قياديي وعناصر التنظيم إلى الشمال السوري مستغلين الفوضى الأمنية وهيمنة الحالة الفصائلية على المنطقة.
وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي ياسين جمول في حديث مع "العربي الجديد" أن "الفوضى هي الغالبة في مناطق الشمال السوري"، معرباً عن اعتقاده بأن من يحمل "وزرها" هم "كل أصحاب السيطرة من أتراك إلى جيش وطني وحكومة مؤقتة".
وشدّد على أنه "لا أحد يستطيع إنكار وجود عناصر لداعش في كلّ مناطق الشمال؛ وبحسب قوة الطرف الذي يترصدهم ويتابعهم يكون اصطيادهم". وبيّن أن الشمال السوري يتميّز بـ"طابعه العشائري"، مضيفاً أن "العشائر لا تسلم أبناءها بسهولة حتى وإن كانوا يوماً من منتسبي داعش".