تقارب لفظي في ليبيا

19 يناير 2023
طرابلس في 11 يناير الحالي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

لم يمر أسبوعان على إعلان اتفاق رئيسي البرلمان الليبي عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة خالد المشري على وثيقة دستورية للانتخابات وعرضها على المجلسين للمصادقة عليها، حتى رجعا للخصام، فقد وصف صالح الاتفاق بأنه "لفظي فقط"، ليرد عليه المشري بتغريدة على "تويتر" مفادها أن من أراد التوافق فيده ممدودة له ومن أراد خلافه "فلن يحصد إلا سوء نواياه".

والحقيقة أن تباينهما كان ضمنياً منذ الإعلان عن الاتفاق على الوثيقة الدستورية، ففيما كان المشري يتحدث عن "وثيقة دستورية" تختلف بشكل كبير عن "القاعدة الدستورية" التي كانت محل خلاف بين المجلسين، كان حديث صالح مركزاً على "القاعدة الدستورية" وليس وثيقة جديدة.

هذا الأمر أكده صالح خلال كلمته التي افتتح بها جلسة مجلس النواب، أول من أمس الثلاثاء، بأن مجلس الدولة لا يحق له "إصدار وثيقة دستورية" لأنه جسم استشاري فقط، وكأنه يريد القول إن تصريحات المشري بشأن "الوثيقة الدستورية" قرار أحادي من مجلس الدولة.

انقلاب صالح على الاتفاق مع المشري جاء بعد يوم من اجتماع استضافته العاصمة المصرية القاهرة، ضمه واللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وكأن حفتر نقض في هذا الاجتماع تعهدات سابقة بعدم ترشحه للانتخابات، ولذا قبل سابقاً بشرطي استبعاد العسكريين ومزدوجي الجنسية من الانتخابات.

في المقابل، وبعد أشهر من الخصام والتقارب مع صالح لتغيير الحكومة، ظهر رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان في صورة جماعية لافتة مع المشري ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، في طرابلس، الثلاثاء الماضي، في اليوم نفسه الذي انعقدت فيه جلسة مجلس النواب، بل وضمّت الصورة المنفي أيضاً. ويبدو أنها التُقطت بعد ثلاثة لقاءات عقدها فيدان بشكل منفصل مع الدبيبة والمشري والمنفي في طرابلس.

وفي مساء اليوم نفسه، التقى الدبيبة عدداً من مسؤولي البلديات، ومن بينهم مسؤول عن بلدية القبة (بلدة عقيلة صالح)، الذي تعمّد الدبيبة توجيه سؤال له خارج سياق موضوع الاجتماع، حين سأله ضاحكاً عن "حال عقيلة"، لتضج قاعة الاجتماع بالضحك والتصفيق، وكأنه يسأل عن حال اتفاقه مع المشري ومساعيه لتغيير الحكومة معه.

كان الوصف الصحيح الوحيد للاتفاقات التي تُعقد بين قادة المشهد، هو وصف صالح للاتفاق بينه وبين المشري بـ"اللفظي فقط"، فأغلبها يقوم على مصالح خاصة، ويمكن تغييرها بألفاظ أخرى كلما اقتضت المصلحة.

ويبدو أن العقبات في طريق ملف الانتخابات في طريقها للعودة، فيما قادة المشهد كل يتشبث بمنصبه ومكانه ولا يرغب في المغادرة، وفي سبيل ذلك يمكن أيضاً أن نرى تقارباً آخر بين صالح والمشري، إذا اقتضت المصلحة، لكنه لن يكون، وغيره أيضاً من التقارب، إلا "لفظياً".

المساهمون