تفكك تحت مسمى اندماج

05 فبراير 2023
تشكّل الهيئة مشكلة كبرى أمام أي تسوية (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

جاء اندماج مجموعة من الفصائل السورية العاملة تحت مظلة "الجيش الوطني السوري" ضمن ما سمي "تجمع الشهباء"، يوم الجمعة الماضي، بالتزامن مع الجهود التي تبذلها تركيا لتوحيد فصائل "الجيش الوطني"، وإتباعها بشكل فعلي لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة.

كما تعمل أنقرة على إلغاء الحواجز الخاصة بفصائل "الوطني" داخل المدن وتسليمها للشرطة العسكرية، وحصر عمل تلك الفصائل بالمواقع العسكرية وخطوط التماس، بالإضافة إلى إنشاء مكتب اقتصادي موحد يشرف على عائدات المعابر والموارد الأخرى لـ"الجيش الوطني". ويُظهر ذلك اندماج تلك الفصائل وكأنه ضمن السياق نفسه الذي تسير عليه عملية توحيد "الجيش الوطني".

لكن الفصائل الأربعة المندمجة معروفة بتقاربها الكبير الذي يصل إلى حد التبعية لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ما يشي بأن هذا الاندماج ما هو إلا محاولة من "تحرير الشام" لتوحيد الفصائل التابعة لها ضمن "الجيش الوطني"، بهدف زيادة أدوات تحكّمها بهذا الجيش المنقسم أساساً. كذلك تخشى الهيئة من جدية تركية قد تفرض إعادة هيكلة صفوف فصائل هذا الجيش وتحويلها إلى قوة ضاربة، بما قد يشكل خطراً على استقرار الهيئة، وعلى موقعها كأكبر قوة والأكثر تنظيماً في الشمال السوري.

وعملت "تحرير الشام" منذ سيطرتها على محافظة إدلب على فرض نفسها رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة لحل سياسي أو تسوية في المنطقة. ومن الناحية العسكرية استطاعت الهيئة إقصاء كل الفصائل في محافظة إدلب، إما بالقضاء عليها أو بدمجها ضمن صفوفها. كذلك استطاعت تسويق نفسها كمحارب للتنظيمات الإسلامية الأكثر تشدداً. أما على المستوى السياسي، فتبنّت الهيئة "ظاهرياً" أهداف الثورة السورية، وقدمت العديد من التنازلات على المستوى العقائدي، كما أبدت انفتاحاً على الغرب.

وعلى مستوى السلطة التنفيذية، قامت الهيئة بإنشاء حكومة تتبع لها وتدير شؤون المواطنين بشكل أكثر تنظيماً من الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة، بسبب قدرتها على تنفيذ ما تصدره من قرارات. كما تمكنت الهيئة من تأمين مصادر تمويل ذاتية، سواء من واردات معبر باب الهوى بشكل أساسي، أو من خلال سيطرتها على القطاعات الاقتصادية الأكثر ربحاً، كقطاع المحروقات والصيرفة وغيرها، لتتمكن من تحويل محافظة إدلب إلى منطقة شبه منضبطة أمنياً واقتصادياً مع توفير بعض الخدمات للمواطنين.

إلا أن "تحرير الشام" وعلى الرغم من التحوّلات التي قامت بها، لا تزال مصنفة من قبل المجتمع الدولي تنظيماً إرهابياً، ولا تزال تشكل مشكلة كبرى أمام أي تسوية، وبالتالي فإن أي شكل من أشكال إعادة هيكلة "الجيش الوطني" سيضعها أمام أحد خيارين، إما حل نفسها والانصهار ضمن هذا الجيش، أو المواجهة معه. وكلا الخيارين لا يمكن أن تقبل بهما الهيئة، لذا فإن الحل الوحيد أمامها هو خلق أدوات تحكّم ضمن "الجيش الوطني" تستطيع من خلالها منع أي خطوة باتجاه توحده.