استمع إلى الملخص
- توقعات بتقليص نفوذ الاستخبارات: إنهاء تكليف عباس كامل قد يؤدي إلى تحجيم نفوذ الجهاز الذي توسع منذ 2018، مع إعادة ترتيب الملفات الداخلية والخارجية وتوزيعها على المسؤولين في إدارة السيسي.
- تغييرات في الأدوار الأمنية والدبلوماسية: قد تعود السيطرة للمؤسسة العسكرية على ملفات الحدود، وتستعيد وزارة الخارجية بعض الأدوار، مع تولي المستشار عمر مروان ملف الإعلام، والمستشار محمود فوزي ملفات السياسة الداخلية.
وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أول من أمس الأربعاء، نهاية قصة علاقة طويلة بينه وبين "ساعده الأيمن"، اللواء عباس كامل الذي كان على مدار سنوات طويلة بمثابة ظل السيسي، ومستشاره الأول، وصائغ القرارات المهمة في مسيرته، وصاحب العقل الاستثنائي، كما وصفه كثيرون، والمرجع الوحيد في جميع القرارات "المصيرية" سواء الداخلية أو الخارجية، والدليل هو الجملة التي قالها السيسي عندما سُئل عن مجزرة رابعة العدوية (2013): "اسألوا عباس".
السيسي ينهي مهام عباس كامل
قرّر السيسي، مساء أول من أمس، إنهاء تكليف اللواء عباس كامل برئاسة جهاز الاستخبارات العامة، وتعيينه في منصب شرفي، مبعوثاً شخصياً للرئيس، ومنسقاً بين الأجهزة الأمنية، وكذلك تكليف حسن محمود رشاد، رئيساً للجهاز. وجاء القرار ليفتح جدلاً واسعاً حول كواليسه وأسبابه، وكذلك تأثيراته المحتملة على المشهد الداخلي والخارجي في مصر.
وجاء الاختيار المفاجئ لرئيس الجهاز الجديد، ليطرح مزيداً من التساؤلات حول أسباب اختياره، لأنه من المتعارف عليه داخل الاستخبارات العامة، أنه يتم تعيين النائب الأول لرئاسة الجهاز، وهو ما لم يحدث، إذ لم يتم تعيين النائب الوحيد لعباس كامل، اللواء ناصر فهمي، بدلاً منه، وتم تعيين حسن محمود رشاد بدلاً منه.
توقعت مصادر مطلعة بأن إنهاء تكليف كامل، سوف يحجم نفوذ جهاز الاستخبارات العامة
وفي الكواليس ورغم شحّ المعلومات حول رشاد الذي يبلغ من العمر 54 عاماً، أفاد مسؤولون مصريون سابقون، بأنه شغل سابقاً منصب وكيل الجهاز لشؤون العلاقات مع إيران والقوى المتحالفة معها في المنطقة، بينما أفاد آخرون بأنه قضى كل فترة عمله منذ انضمامه للجهاز، قادماً من الهيئة الفنية بالاستخبارات العامة، وهي الإدارة المعنية بكافة الجوانب الفنية في عمل الجهاز، نظراً لتخصصه الأصلي، إذ إنه خريج الكلية الفنية العسكرية، وتدرج في المواقع داخل الهيئة حتى وصل إلى رئاستها.
في المقابل، توقعت مصادر مطلعة بأن إنهاء تكليف اللواء عباس كامل، وتعيينه في منصب "شرفي"، سوف يحجم نفوذ جهاز الاستخبارات العامة، الذي اتسع وتغول على مساحات وجهات ومؤسسات أخرى منذ تولى كامل رئاسته في 2018، خلفاً للواء خالد فوزي.
وأشار خبير في الشأن الأمني تحدث لـ"العربي الجديد" إلى توسّع صلاحيات جهاز الاستخبارات العامة خلال السنوات الست لعهد عباس كامل، خصوصاً لجهة حجم علاقة كامل الشخصية بالرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث أشرف الجهاز على العديد من الملفات الداخلية، ومنها إنشاء حزب مستقبل وطن، وتنفيذ خطة احتكار وسائل الإعلام والإنتاج الدرامي، وتشكيل تنسيقية شباب الأحزاب، وإنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب التي أشرفت على الحوار الوطني.
وفي الملفات الخارجية، كان لجهاز الاستخبارات العامة، دور معلن، بخلاف دوره المستتر في الملفات الخارجية، إذ إن الجهاز كان مسؤولاً عن أبرز ملفات الأمن القومي المصري، وعلى رأسها ملف مياه النيل والصراع مع إثيوبيا حول بناء سد النهضة، ومع دول حوض النيل التي أقرت أخيراً اتفاقية "عنتيبي" التي تضر بحقوق مصر في مياه النيل. ولمّح مسؤولون سابقون، إلى أن إطاحة كامل من رئاسة الجهاز، وقبله سامح شكري من وزارة الخارجية، كان سببها الإخفاق في التعامل مع هذين الملفين الخطيرين.
وتوقّع المسؤولون أن تشهد الفترة المقبلة إعادة ترتيب وهيكلة لإدارة تلك الملفات وتوزيعها على المسؤولين في إدارة السيسي، حيث من المتوقع أن يتولى مدير مكتب السيسي الحالي، وصهره، وزير العدل السابق، المستشار عمر مروان، المسؤولية عن ملف الإعلام والصحافة، وأن يتولى المستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية، والمدير السابق لحملة السيسي الانتخابية، والمنسق العام للحوار الوطني، ملفات السياسة الداخلية والأحزاب، ليشرف على "تنسيقية شؤون الأحزاب" وغيرها.
عودة بعض الأدوار
وأوضحت المصادر أن الفترة المقبلة، ستشهد عودة بعض الأدوار إلى وزارة الخارجية في عدد من الملفات لتشارك في إدارتها بدرجة أوسع، بعد أن اقتصر دور وزير الخارجية خلال الفترة الماضية على تنفيذ الخطط والتوجيهات الصادرة من جهاز الاستخبارات العامة فقط، ولكن من المتوقع أن تتم إطاحة الوزير الحالي بدر عبد العاطي.
كما أشارت المصادر إلى أنه برحيل اللواء عباس كامل من رئاسة جهاز الاستخبارات، فإن الفترة المقبلة ربما تشهد عودة السيطرة الكاملة للمؤسسة العسكرية على ملفات المناطق الحدودية، وعلى رأسها الوضع الأمني على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، حيث تم نقل المسؤولية الرئيسية عن هذا الملف منذ فترة إلى الاستخبارات العامة بحكم إدارتها ملف العلاقات مع المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، لكن سيتم إسناده إلى "هيئة الاستخبارات الحربية" التي استحدثها الرئيس السيسي، بعدما كانت مجرد إدارة داخل القوات المسلحة. وقد تردد اسم محمود، نجل السيسي، الذي كان بمثابة الرجل الثاني في الجهاز، لا سيما بعد صدور قرار بترقيته إلى رتبة لواء "مؤقت"، رغم أن مدة خدمته في القوات المسلحة لا تسمح بذلك، والحديث عن احتمال تولي رئاسة الجهاز والإشراف بنفسه عن جميع الملفات التي يشرف عليها كامل.
وكان جهاز الاستخبارات العامة قد رفع تقريراً أخيراً للرئيس المصري، بقصر المفاوضات مع الجانب السعودي على الاستحواذ على جزيرة رأس جميلة فقط في البحر الأحمر، وأن لا تشمل المفاوضات جزيرة رأس بناس، التي تقدم الجانب الكويتي بعرض استثماري بشأنها. وأرجع التقرير توصيته، لخطورة استحواذ السعودية على كل الجزر المصرية بالبحر الأحمر، ومدّ ولايتها عليها، خصوصاً بعد انتقال جزيرتي تيران وصنافير لملكيتها عام 2016.
وعلى الرغم من حديث وسائل الإعلام عن الدور الذي يلعبه رئيس جهاز المخابرات المصري السابق عباس كامل في التوسط في وقف إطلاق النار ومفاوضات الرهائن بين إسرائيل وحماس، إلا أن المسؤول الأول عن هذا الملف في الجهاز، هو اللواء أحمد عبد الخالق، الذي تم استدعاؤه من التقاعد في عهد السيسي، لإدارة هذه الملف.
وحول الدور الجديد لكامل، وهو تعيينه مستشاراً للسيسي ومشرفاً على كل من جهازي الأمن والاستخبارات، فمن المعروف أن منصب المستشار الرئاسي، "غير ذي قيمة" فعلية، وهو ما أكده مسؤولون سابقون بالرئاسة لـ"العربي الجديد". والجدير بالذكر في هذا السياق، أن هناك بالفعل، إدارة تسمى "أمن الرئاسة" تشرف فعلاً على عمل الأجهزة الأمنية الخمسة في مصر، وهي: الاستخبارات العامة ووزارة الداخلية والأمن الوطني والاستخبارات الحربية والرقابة الإدارية، ويشرف عليها نجل السيسي.
يتردّد اسم محمود السيسي واحتمال توليه رئاسة الجهاز
وقد عمل عباس كامل بشكل وثيق مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، ورئيس وكالة التجسس الإسرائيلية ديفيد برنيع ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث اجتمعوا مراراً وتكراراً طوال عام من الحرب في جهد طويل للتوسط لإنهاء الحرب. كما لعب كامل دوراً رئيسياً في التوسط في الهدنة التي أنهت صراعاً سابقاً بين إسرائيل وحماس في مايو/أيار 2021، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 فلسطيني وأكثر من 10 إسرائيليين.
ويعد كامل من بين عدد قليل من المساعدين الموثوق بهم لدى السيسي، وهو جنرال سابق وصل إلى السلطة في انقلاب عام 2013، أنهى التجربة القصيرة التي خاضتها مصر مع الديمقراطية بعد ثورة الربيع العربي عام 2011. وكان الرجلان في الاستخبارات العسكرية في البلاد قبل صعود السيسي إلى رأس السلطة.
وقال مايكل وحيد حنا، الخبير في شؤون الحكم المصري ومدير البرنامج الأميركي في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة لحل النزاعات: "إنه لا يزال أحد الأشخاص القلائل في النظام الذين يثق بهم الرئيس. لا أتوقع أن يختفي من المشهد".
ومنح السيسي، خلال العقد الذي قضاه في السلطة، وكالات الاستخبارات المصرية سلطات واسعة على الشؤون المدنية في مصر، حيث تولى كامل دوراً بارزاً في الدبلوماسية بشأن قضايا مهمة بما في ذلك الصراعات في ليبيا والسودان المجاورتين.
المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، الدكتور عمرو هاشم ربيع، قال في حديث لـ":العربي الجديد"، تعليقاً على القرارات الأخيرة: "إن الرئيس عادة ما يفضل تغيير من حوله، ودائماً ما يعتقد البعض أن من هم غير قابلين للتغيير، هم أكثر الناس الذين يتم تغييرهم، والمثال عباس كامل، وهو من الذين خاضوا مع السيسي أكبر معاركه، وهنا أقصد معركة الإخوان 2013، وهو من أوعز له بشكل كبير في مشاركة الاستخبارات العامة في الشأن الداخلي المصري، ما جعل الآخرين في الخارج يتهمون النظام المصري أنه تمت عسكرته، فجاء التغيير في هذا الإطار". وأضاف: "لكن هذا يلفت إلى المنصب الجديد لعباس كامل مستشارا للرئيس، والكل يعرف منذ عهد حسني مبارك، أن المستشار يعني منصباً شرفياً، لا يقوم صاحبه بأي وظيفة، ولدينا 15 مستشاراً، على مدار ثماني سنوات ماضية، وتم الاستغناء عنهم بشكل كامل".
وحول الملفات الخاصة ومن سيقوم بدور عباس كامل، قال ربيع: "لا أعتقد أنه سيحدث تغيير على ذلك المستوى، إذ إنه في تلك الملفات، كان هناك من يساعد الوزير عباس كامل في تنظيمها". وتابع: "يبقى موضوع تدخل المخابرات في الشؤون الداخلية المصرية، وهذا ما نتوقع أن يحصل فيه تغيير خلال الفترة المقبلة".