تفجير كابول وارتجاجاته في واشنطن

27 اغسطس 2021
أفغانستان خرّبت على بايدن بداية رئاسته الصاعدة (Getty)
+ الخط -

أكثر ما هزّ وصدم واشنطن في تفجيري مطار كابول، أمس الخميس، أن عملية من هذا النوع كانت متوقعة، بل "محتومة"، ومع ذلك، فشلت التحذيرات والاحتياطات في إحباطها. 
الإدارة الأميركية منذ بداية عملية النزوح في كابول طمأنت بأنها وضعت في الحسبان حصول تطورات طارئة، وتحدثت عن خطر إرهابي من تنظيم "داعش" مرجّح. 
الرئيس جو بايدن نوه بالتدابير الأمنية المتخذة في محيط المطار تحوطاً لمثل هذا الاحتمال. وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، بدوره، كرّر أن عملية النزوح الجارية محفوفة "بالمخاطر". المستشار جيك سوليفان أقرّ هو الآخر بأن مثل هذا الخطر "حقيقي". 

وقبل أقل من ساعة من وقوع الانفجار، انتشر في واشنطن خبر منسوب إلى مصدر عسكري يعلن فيه أن الضربة باتت "وشيكة" وأن المعلومات عنها "موثوقة"، الكولونيل المتقاعد جاك جاكوبس، قال إن هذه المعلومات توفرت عن طريق "التنصت على المكالمات الهاتفية، وبعضها جاء من مصادر أفغانية" مررتها إلى جهات أميركية وأوروبية في كابول. 
على الرغم من كل ذلك، حصل التفجير وكان له وقع الزلزال على البيت الأبيض. كلفته البشرية، معطوفة على حالة الفوضى المهينة في مطار كابول في الأيام الأولى، زادت من حشر الرئيس بايدن في الزاوية. وربما أصابت رئاسته بلطخة يصعب محوها. فيض الردود كان لغير مصلحته وإن كان لا يخلو من الكيدية السياسية. صقور الجمهوريين في مجلس الشيوخ ذهب بعضهم إلى حد الدعوة لاستقالته، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كافن مكارثي قال إن يديه صارت "ملطخة بالدماء". وحتى الديمقراطيون أعربوا عن كثير من الخيبة والامتعاض، وإن المضمر. 
 العملية أعادت فتح ملف الانسحاب "المتسرع" الذي جرى تسجيل مآخذ كثيرة على توقيته وتنفيذه. منها الإغلاق "المبكر" لقاعدة "باغرام" الجوية الهامة وما نتج عن ذلك من فقدان القدرة على "جمع المعلومات الاستخباراتية" اللازمة لضمان أمن المغادرة. كما أعيد تسليط الأضواء على موضوع "تسليم الأمن في محيط المطار إلى حركة طالبان" والغمز من زاوية تعويل الإدارة على "التعاون" معها، ولو أن هناك تسليم واسع بأنه لا علاقة لها بالتفجير. 

جميع ذلك أعاد وضع الرئيس بايدن أمام خيارات صعبة لا يخلو أفضلها من خطر مضاعفة الخسائر. المطالبات تراوحت بين ضرورة الرد بصورة فورية وحازمة، مثل العودة بالقوة إلى "تشغيل قاعدة باغرام"؛ وبين النهي عن مثل هذا الخيار والتركيز على استكمال الانسحاب مع آخر الشهر وبأقل ما يمكن من الخسائر "لأن هذه الحرب انتهت" ولا مجال لتجديدها. الرئيس استقر في آخر النهار على الثاني الذي هو خياره الأصلي. أعلن عن تحمله المسؤولية مع التوعد بمحاسبة "داعش" في الوقت والمكان المناسبين. وثمة اعتقاد أن الرد قد لا يتأخر كحاجة للتنفيس عن الرئيس "المضغوط". 
أفغانستان خرّبت على بايدن بداية رئاسته الصاعدة. الاعتقاد السائد أنه هو خرّب على حاله بمخالفته للمألوف وللإجماع في ترجمة قرار مقبول ومطلوب من حيث المبدأ. 
في المقابل، ثمة من يرى أنه من غير الإنصاف تحميل بايدن وحده مسؤولية انهيار عملية الانسحاب، فالخطيئة الأصلية وقعت يوم أعلنت الحرب على أفغانستان من دون "تعيين أهداف محدودة لها"، حيث حكم ذلك باستمرارها 20 سنة كانت بظروفها محكومة بأن تنتهي بشكل درامي – فوضوي.
على أية حال، الضرر وقع على بايدن، انعطبت رئاسته في أقل من أسبوعين. لكن الوقت ليس ضدها كلياً. خاصة إذا صحت حسابات المراهنة ولو جزئياً على "طالبان". الأيام الخمسة الفاصلة عن موعد 31 أغسطس/آب المقرر للانسحاب ستبدو دهراً بالنسبة إلى البيت الأبيض، وقوع حادث آخر قد يكون ضربة قاضية. وهناك تخوف، في ضوء التوقعات الأمنية في كابول، من تكرار وقوع هجمات إرهابية أخرى. 

المساهمون