عبّرت تفاهمات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي المكلّف بنيامين نتنياهو وزعيم "القوة اليهودية" عضو الكنيست إيتمار بن غفير، عن شكل المرحلة المقبلة التي تعكس هيمنة تيار أمني ديني في حكومة الاحتلال يسعى لفرض سيطرة كاملة على الضفة الغربية، وطرد الفلسطينيين وحشرهم بمعازل دون أي تواصل أو اتصال بين هذه المناطق.
وسارعت الرئاسة الفلسطينية لرفض هذه التفاهمات، حيث أكد الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة أن تفاهمات نتنياهو وبن غفير تتعارض مع جميع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
في حين، قال مساعد وزير الخارجية الفلسطينية للأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة السفير عمر عوض الله لـ"العربي الجديد": "عندما تتم ترجمة هذه التفاهمات إلى شيء عملي سنقوم بحراك في محكمة العدل الدولية ومع الدول، وإذا احتاج الأمر الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن سوف نذهب، لأن هذا التفاهم هو تجسيد مباشر لزعزعة الأمن والسلم الدولي في المنطقة، وهي من مهام مجلس الأمن".
وأضاف عوض الله: "وزارة الخارجية الفلسطينية تقدم بلاغات حول أية بؤرة استيطانية جديدة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وما تقوم به حكومة نتنياهو في هذا التفاهم مع عضو الكنيست بن غفير هو تغذية محكمة العدل الدولية بدلائل إضافية على عدم شرعية وجود هذا الاحتلال على أرض دولة فلسطين".
وتابع: "كلما تقوم إسرائيل بخطوة غير قانونية نقوم بتوثيقها وتقديمها إلى المحكمة الجنائية، ونتحدث إلى سفرائنا في العالم ليتحركوا ويتحدثوا مع الدول، وإذا احتاج الأمر إلى الذهاب إلى الجمعية العامة أو مجلس الأمن نقوم بذلك".
لكن الفلسطينيين لا يملكون باستثناء البيانات الموجهة للمجتمع الدولي، والحراك القانوني والدبلوماسي الدولي المعروف ببطئه وعدم تنفيذ قراراته، أية رؤيا سياسية وخطة على الأرض لوقف هذه التفاهمات والتصدي لها.
الاستيطان في قلب العقيدة الأمنية الإسرائيلية
ونشر إعلام الاحتلال الإسرائيلي اتفاقاً للائتلاف الحكومي عبارة عن رزمة تشمل تعديل ما يعرف بقانون الانفصال، يقضي بالسماح للمستوطنين بالتواجد في مستوطنة "حومش" المقامة على أراضي محافظتي نابلس وجنين شمال الضفة الغربية، إلى جانب إنشاء مدرسة دينية يهودية على الأراضي المقامة عليها البؤرة الاستيطانية "أفيتار" المقامة على أراضي جبل صبيح في بلدة بيتا جنوب نابلس، وتنفيذ عدد من الطرق الالتفافية الضخمة في الضفة الغربية.
ورغم أن الإعلان عن هذه التفاهمات صدر أمس الأربعاء، فإن الحديث حول أهميتها والدفع لتبنيها وتنفيذها يسبق الانتخابات الإسرائيلية بعدة أشهر، حيث تتبنى "منظمة الأمنيين" هذا التوجه، وعبّر عنه اللواء جيرشون هكوهين عضو المنظمة والباحث في مركز بيغن السادات في مقال له في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما عارض توجهات رئيس أركان جيش الاحتلال غادي أيزنكوت الذي اعتبره ضد توسيع انتشار المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
وينظر هكوهين الذي يعبر عن "منظمة الأمنيين" إلى أهمية المستوطنات في الضفة الغربية من ناحية الوظيفة الأمنية.
وقال هكوهين في مقاله: "غادي أيزنكوت الذي يتحدث ضد الجهود المبذولة لتوسيع انتشار المستوطنات الإسرائيلية في (يهودا والسامرة)، يتجاهل المكانة التقليدية للاستيطان في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وليس من قبيل المصادفة أن مناطق شمال (السامرة) أصبحت بؤر إرهاب في السنوات الأخيرة، وفقدت فيها أجهزة السلطة الفلسطينية السيطرة عليها أيضاً".
وتابع هكوهين: "تلاشى الوجود الإسرائيلي، خلال فك الارتباط، تم اقتلاع أربع مستوطنات هناك، وشمل ذلك اقتلاع معسكرات التدريب لقوات جولاني (قرب الزبابدة) والمظليين في صانور، وكلاهما (الزبابدة وصانور) في محافظة جنين".
وقال هكوهين: "إن عدم وجود الاستيطان الإسرائيلي وتواجد يومي في منطقة جنين، ترك أثرًا مباشرًا على الوضع الأمني. من وجهة نظر عسكرية مهنية، فإن الاحتكاك الوثيق للمستوطنة اليهودية داخل مدينة الخليل هو ما منح قوات الجيش الإسرائيلي في منطقة الخليل أفضلية هامة، وفي غياب وجود استيطاني في منطقة جنين، فإن تحرك قوات الجيش الإسرائيلي للعمل في مراكز (الإرهاب) أصبح مكشوفاً، مما يوفر تحذيرًا للتنظيمات الفلسطينية".
وتابع: "بالمقارنة مع جنين، فإن دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى مدينة نابلس ممكن من الغرب عبر مستوطنة (شافي شومرون)، أو من الجنوب من مستوطنة (هار براخا)، وكلتاهما على بعد خمس دقائق بالسيارة من نابلس، وإن مطالبة ايزنكوت بانفصال آخر يتبين أنه انحراف مفاهيمي عندما ينظر بسخرية للدعوات بتوسيع الانتشار الاستيطاني".
جدل الانفصال والتمسك بالضفة الغربية داخل إسرائيل
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية معاوية موسى، إن هذا يدخل في نفس سياق الجدل المحتدم في إسرائيل بين التيار الذي ينادي بالانفصال بشكل أوسع عن الفلسطينيين، والتيار الثاني الذي يتمسك بالأهمية الأمنية والدينية الاستراتيجية لكل متر في الضفة الغربية ويدعو إلى عزل الفلسطينيين في مراكز المدن والقرى الفلسطينية، وتوسيع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وتحديداً من سلسلة جبال نابلس الشرقية حتى غور الأردن، مشيرًا إلى أن التيار الأخير يمثله الآن "منظمة الأمنيين"، فيما يعد إيتمار بن غفير تجليًا لهذه الحالة.
وقال موسى خلال حديث مع "العربي الجديد"، إن "منظمة الأمنيين" قوية وراسخة داخل إسرائيل وتربطها علاقات بكل التيارات الصهيونية التقليدية، وتضم جنرالات متقاعدين وسياسيين كبارا، ويحظون بتأييد قادة في الجيش. وأضاف: "يمكن القول إن الليكود وأحزاب الصهيونية الدينية تعبر عن هذه الحالة، مع التركيز على أن حاخامات المدارس الدينية التي يدرس بها الجنود قبل توجههم للجيش لهم نفوذ هائل".
ويعرّف موسى "منظمة الأمنيين" بأنها "تيار مكون من عدد كبير جداً من ضباط احتياط في الجيش الإسرائيلي ذوي توجهات دينية أو قومية يمينية مثّلت حالة جديدة في مواجهة التيار التقليدي في الجيش الإسرائيلي".
وتابع موسى: "تشكلت هذه المنظمة مطلع عام 2020، وتضخمت بسرعة كبيرة، وتضم بالإضافة لضباط كبار في الجيش الإسرائيلي ممن يخدمون في الاحتياط ويعملون في مجال الأبحاث أيضاً، ضباطاً في الشرطة ومصلحة السجون و(الموساد) و(الشاباك).. وكانت المنظمة قد أعلنت قبل عدة أشهر أن عدد أعضائها وصل إلى 7500 عضو، وأنهم في تزايد مستمر، وهم يتحدون مفهوم الأمن الراهن في التعامل مع الفلسطينيين".