تغلغل النازيين الجدد في الجيش الألماني: من الضابط فرانكو إلى الخلية الانقلابية

08 ديسمبر 2022
مظاهرة للنازيين الجدد يرفعون علم الإمبراطورية الألمانية (Getty)
+ الخط -

أعادت عملية تفكيك الخلية الانقلابية اليمينية في ألمانيا، الأربعاء، إلى الواجهة مسألة تغلغل أنصار اليمين المتطرف ودعاة النازية الجدد في صفوف المؤسسة العسكرية والأمنية في ألمانيا، لا سيما أن عددًا كبيرًا من أعضاء المجموعة التي ألقي القبض عليها هم جنود في الجيش، أحدهم لا يزال في الخدمة داخل القوات الخاصة، بينما يخدم آخرون في قوات الاحتياط، وآخرون جنود وضباط متقاعدون.

ويبدو هذا التطور تجليًّا طبيعيًّا لمظاهر الحنين القومي إلى زمن النازية، وتكرّس اليمين المتطرف سياسيا وشعبيًّا في ألمانيا، عبر تنظيمات وأحزاب سياسية انخرط بعضها بشكل رسمي في مؤسسات الحكم، مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي كانت قاضية ونائبة سابقة عنه في البرلمان ضمن أفراد الخلية الانقلابية المعتقلين خلال مداهمات الأربعاء، ولم يكشف عن اسمها.

هذا الحزب الذي تأسس قبل أقل من 10 أعوام، تحديدا في 2013، ولم يتجاوز عتبة الحسم في أول انتخابات، استغلّ أجواء الخوف وعدم اليقين التي سادت ألمانيا عقب موجات الهجرة وما لحقها من ارتفاع منسوب عداء المهاجرين والأجانب والإسلاموفوبيا والشعبوية، ليصبح في عام 2017 القوة الثالثة في البرلمان الألماني، ولا يزال حضوره وازنًا حتى اليوم رغم انتكاساته في انتخابات 2021 التي أعادته إلى الترتيب الخامس بين أحزاب البرلمان الألماني (البوندستاغ).

ومع ظهور "البديل"، الذي يعد أول حزب قومي ألماني يدخل البرلمان منذ الحرب العالمية الثانية، تعززت المخاوف في الأوساط السياسية الألمانية من تمدد اليمين وأذرعه إلى مؤسسات الدولة الحيوية، وعلى رأسها الشرطة والجيش، وقد بدت إشارات ذلك في عدة حوادث ومناسبات خلال الأعوام القليلة الماضية.

الضابط فرانكو. أ

التحقيقات التي أجريت في حالة الضابط فرانكو.أ المشتبه في تخطيطه لهجوم إرهابي في إبريل/نيسان 2017 فتحت الباب على هذه الظاهرة، ما أدى إلى الإبلاغ عن حالات مماثلة في الجيش الألماني، علماً أنّ فرانكو كان يعيش حياة مزدوجة لأشهر عدة بعدما سجّل نفسه كلاجئ سوري وحصل على الحماية الفرعية تحت اسم مزيف وبهوية وهمية، وكان الهدف منها توجيه الشكوك للاجئين بعد الهجوم.

هذا الأمر، دفع أيضاً بأعضاء من كتلة اليسار في البوندستاغ لمطالبة الحكومة بمعلومات بشأن موضوع الحوادث المتطرفة والحالات المشتبه فيها من اليمين المتطرف داخل الجيش، وبعد أن بينت الأرقام أن هناك تفاوتاً كبيراً في الأعداد المصرح عنها من قبل مكتب مكافحة التجسس، والتي عرضت خلال جلسة اللجنة البرلمانية، بالمقارنة مع ما جاء في ردّ وزارة الدفاع على طلب حزب الخضر بهذا الملف، في ظل التشكيك بأن يكون هناك محاولة للتعمية حول ارتفاع أعدادهم في صفوف الجيش.

وكان الرد بأنه لم يتم التثبّت إلاّ من ثلاث حالات من بين 176 حالة مشتبهاً بها، فيما لم يتم التأكّد من 153 أخرى، ومن أنه يجري التدقيق من قبل الاستخبارات الألمانية في حوالي 400 حالة ويتم العمل على معالجتها، وهذا ما عاد وأكّده المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية يانز فلوسدورف في مؤتمر صحافي، مقراً بوجود 391 حالة مشتبها في علاقتها بالتطرف اليميني وسيتم التحقق منها.

"تسريبات كيمنتس"

بلغت المخاوف ذروتها مع تفجر قضية تسريب وثائق التحقيق الخاصة بمقتل مواطن ألماني في كيمنتس شرقي البلاد في أغسطس/ آب 2018، على يد شخصين أحدهما من أصول سورية والآخر من أصول عراقية.

عملية أمنية للشرطة الألمانية
أحد المعتقلين ما يزال في الخدمة داخل القوات الخاصة (عبد الحميد حوسباس/ الأناضول)

تلك الوثيقة، التي كان من المفترض أن تظل في تلك المرحلة سرية وتحت تصرف الشرطة والادعاء دون سواهما، سربت بعد يومين فقط من اعتقال الشابين المتهمين في الجريمة، وصارت محل تداول بين المحرضين على معاداة المهاجرين ومروّجي رهاب الأجانب.

وما زاد الأمر حساسية، أنها سربت على يد القيادية في حركة "بيغيدا" اليمينية المتطرفة، لوتز باخمان، ما أثار شكوكاً كبيرة حول "تسلمها من عناصر شرطة تتعاون مع معسكر التطرف في ولاية ساكسونيا"، كما علّقت إحدى الصحف الألمانية آنذاك.

وفي الولاية ذاتها، ساكسونيا، بات البعض يتفاخر بتعاون الشرطة مع "بيغيدا" ويطلقون على شرطة ساكسونيا اسم "بيغيزاي" كنوع من الدمج بين "بيغيدا" وبوليتزاي (الشرطة بالألمانية).

هذا الاشتباه بالتعاون، سواء المباشر أو غير المباشر في دولة تعتبر في مقدمة دول القانون والابتعاد عن الفساد والمحسوبيات أو الخلط بين المهنية والمواقف الأيديولوجية، يتوج بسلسلة من الانتقادات والشكوك التي طاولت جهاز الشرطة الألماني.

ومن بين أحدث الانتقادات التي أثيرت بوجه شرطة كيمنتس كيف أنّ الشرطة سمحت بـ"سيطرة اليمين المتطرف على الشارع من دون فض تظاهرته التي حملت لوناً نازياً"، وفقاً لتساؤل صحف "شبيغل" و"دي فيلت" و"بيلد". والأخيرة عنونت على صفحتها الأولى "العار" في قراءتها مشهد ترك الشرطة الشارع لأنصار اليمين المتطرف.

صور هتلر في منازل الضباط

لم تكن هذه الظاهرة مقتصرة على ساكسونيا، الولاية الواقعة شرق ألمانيا والتي تعاني من إهمال نسبي ترك بعض الفراغ لنمو تلك المنظمات اليمينية. ففي سبتمبر/ أيلول 2020، كُشف في ولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية عن مداهمة 200 شرطي ألماني 34 منزلاً تعود لضباط وعناصر شرطة.

في خلفية المداهمة، وبناء على مراقبة جهاز الاستخبارات الداخلي، تبيّن أنّ 29 ضابطاً على الأقل، معظمهم من مدينة إيسن، يتبعون الفكر النازي. الصدمة التي نقلتها بعض وسائل الإعلام الألمانية تتعلق باكتشاف المحققين صوراً للزعيم النازي أدولف هتلر والصليب المعقوف (سواستيكا) وصوراً وهمية للاجئين في غرف الغاز الهتلرية.
وصادر المحققون هواتف وحواسيب الضباط، ووجدوا كماً هائلاً من الأدلة على تطرفهم ونازيتهم. وعلى الفور ذكرت الشرطة الألمانية أنّ 14 ضابطاً من هؤلاء جرى طردهم من جهاز الشرطة الألماني، بحسب ما صرح وزير داخلية ولاية شمال الراين ويستفاليا، هربرت رول. وذكر رول أنّ "المتطرفين اليمينيين والنازيين الجدد لا مكان لهم في شرطة شمال الراين ويستفاليا".

التحية النازية بين الجنود الألمان

وبحسب تسريبات تعود إلى سبتمبر/ أيلول من عام 2020، فإنّ بعض رجال الشرطة الألمانية يقومون من خلال "مجموعات مغلقة على واتساب" منذ سنوات بإلقاء التحية النازية على بعضهم البعض مع "إرسال الصليب المعقوف ورموز متبوعة بالتحية النازية، ويتبادلون الآراء عن شراء أغطية ومفارش نوم تحمل رموزاً نازية لبيوتهم، إذ إنّهم يشعرون بالأمان وبأنّهم غير مراقبين". 

شرطة البوندستاغ

في يونيو/ حزيران 2021، نشرت  صحيفة "تاغس تسايتونغ" عن الاشتباه في سوء سلوك يميني متطرف في شرطة البوندستاغ، إذ يشير التقرير إلى أن عناصر الشرطة المخولين حماية البرلمان الاتحادي عبروا، وفي تصريحات علنية، عن نزعة متطرفة، وتصرفوا بشكل مخالف للقانون، مبرزة حالات بعينها، ومن بينها، على سبيل المثال، مشاركة أحد الضباط في نشاطات "حركة مواطني الرايخ" الرافضة للنظام الأساسي وإنكاره أمام زملائه وجود الجمهورية الاتحادية، فضلًا عن دعوة آخرين إلى مظاهرات ما يسمى بحركة التفكير الجانبي، فيما أدى زميل لهم تحية هتلر عدة مرات في غرفة الاستراحة مقلدا صوت الأخير.

بالإضافة إلى ذلك، جرى توزيع المحتوى اليميني المتطرف بانتظام في مجموعات الدردشة المستخدمة في العمل، مثل صورة بمسدس ونداء للعنف ضد أصحاب البشرة الداكنة، فضلا عن الشعارات المعادية للسامية والاختيار العنصري والتمييزي للكلمات، وهو أمر شائع أيضا في المحادثات أثناء الخدمة، وفقا لضباط شرطة حاليين وسابقين في البوندستاغ بحسب "تاغس تسايتونغ"، إلى جانب مواقف وحوادث إشكالية بين الموظفين العاملين في البرلمان وفي خدمة زواره.

نزعات نازية في قوات "ناتو" أيضًا

كذلك، ظهر اشتباه بسلوكيات يمينية متطرفة في صفوف القوات المسلحة الألمانية العاملة ضمن قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليتوانيا، ومن بينها أداء أغانٍ خلال حفل أقيم في نهاية إبريل/نيسان 2021، إلى جانب العنصرية وأعمال تحرش جنسي وإهانة وإكراه ونقص بالذخيرة، ما دفع بوزارة الدفاع الألمانية حينها إلى سحب فصيل مشاة مدرعات وإعادته إلى البلاد.