تعويم النظام وترهل المعارضة

14 يناير 2024
وافق النظام على إدخال المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

يشير إعطاء النظام السوري، أول من أمس الجمعة، الموافقة للأمم المتحدة على إدخال المساعدات الأممية إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري عبر معبر باب الهوى، لستة أشهر إضافية، إلى خطوة إضافية من المجتمع الدولي تجاه تعويم النظام، من خلال تمكينه من التحكم بإدخال المساعدات إلى المناطق التي يشن حرباً عليها، وعبر معبر يقع خارج سيطرته. كما يشير ذلك إلى التراجع عن الآلية الأممية السابقة لإدخال المساعدات والتي كانت تتم عبر مجلس الأمن الدولي، ومن دون الرجوع إلى النظام السوري، أو انتظار موافقة منه، والتي تم تعطيلها عبر الفيتو الروسي الذي كان يعطل هذه الآلية، سواء لناحية حصر إدخال المساعدات من معبر واحد، أو لناحية الاعتراض على مدة التفويض الأممي التي يمنحها مجلس الأمن لإدخال تلك المساعدات. وبالتالي، تمكنت روسيا من إجبار المجتمع الدولي على التخلي عن الآلية السابقة، والعودة إلى النظام للتفاهم معه واعتماد موافقته أساساً لإدخال المساعدات الأممية.

وقبل يوم من موافقته على إدخال المساعدات الأممية إلى مناطق المعارضة، أعلن النظام أنه استلم رسمياً ملف تنظيم الحج للسوريين، وأن وزارة الأوقاف التابعة له هي من ستتولى تنظيم حج السوريين اعتباراً من العام الحالي، بعد أن كان هذا الملف بيد المعارضة السورية منذ العام 2013، لتخسر المعارضة ملفاً مهماً كانت تُمكّن من خلاله آلاف السوريين في مناطق سيطرة المعارضة وفي دول اللجوء من أداء فريضة الحج.

ولكن على الرغم من الأسباب التي تُساق كأسباب منطقية، سواء لناحية اعتماد موافقة النظام لدخول المساعدات "بسبب الفيتو الروسي"، أو لناحية تحويل ملف الحج من المعارضة إلى النظام "كنتيجة منطقية لمسار التطبيع العربي مع النظام"، إلا أن السبب الأهم في هذا التحول العربي والدولي تجاه النظام هو ترهل المعارضة وارتهانها لمصالح الدول التي تحتضنها، على حساب التمسك برؤية وطنية تنبع من مصالح السوريين، وتتبنى أهداف الثورة السورية. فقد تحوّلت المعارضة إلى مجرد هياكل منبوذة من كل من تدعي تمثيلهم، واقتصر عملها على الفعاليات البروتوكولية التي لا تقدّم ولا تؤخر.

وفَقَدَ الائتلاف الوطني المعارض كل فعاليته السياسية وأصبح يُبلّغ بالقرارات التي تصدر عن الشأن السوري من دون أن يكون له أي دور فيها، حتى إنه لا يجرؤ على إصدار بيان لمصلحة الثورة السورية في حال تعارض مع مصلحة الدولة التي تحتضنه، أي تركيا. كما تم اختصار هيئة التفاوض التي من المفترض أن تعمل على إنجاز الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 على لجنة دستورية لم تنجز حرفاً واحداً من دستور جديد للبلاد. أما الحكومة السورية المؤقتة التي من المفترض أن تدير مناطق سيطرة المعارضة، فدورها لا يتعدى تنفيذ أوامر إدارية من مسؤولين في تركيا من دون القيام بأي دور لضبط الوضع الأمني المنفلت في المناطق التي يفترض أنها تقع ضمن مسؤولياتها. وبالتالي فإن أي تحوّل من قبل الدول التي تحتضن تلك المعارضة باتجاه التطبيع مع النظام سيحوّل هذه المعارضة إلى مجرد عراب لمصالحات مقبلة مع النظام، ما لم تتوفر إرادة دولية لفرض حل سياسي حقيقي في سورية.