يبدو المشهد السياسي السوري معقداً، لا سيما على المستوى السياسي، إذ وضع التقارب مع النظام على المستوى الإقليمي والعربي الملف السوري على منعطفات خطرة، بالنسبة للمعارضة وجمهور الثورة.
ولم تكتمل عملية التطبيع، على الأقل بين الرياض ودمشق، وتلك عملية كان يعتقد أنها ستغير المشهد في حال تمامها لجهة أخذ النظام من يده في طريق يوصله إلى الجامعة العربية، قبل أن تطرأ المتغيرات، وربما التعديلات، على خطة تعويم النظام، أو إعادته إلى المحيط العربي، خلال اللقاء التشاوري الخليجي مع بعض الدول الإقليمية في جدة منتصف الشهر الجاري.
وكان مستغرباً رفض الأردن ومصر لإعادة النظام للجامعة العربية قبل إظهار تقدمه نحو الحل السياسي، رغم أن القاهرة وعمّان كانتا أبعد في التقارب مع النظام بعد زيارة وزيري خارجية مصر والأردن إلى دمشق واستقبال القاهرة لوزير خارجية النظام فيصل المقداد.
ويبدو أن الأردن التي انفتحت على دمشق قبل أكثر من عام في خطة تطبيع متتالية تقوم على تبادل الخطوات، قد اختبرت عدم تقدم النظام بشكل جدي نحو تحقيق المطالب العربية والإقليمية، سواء على الصعيد المحلي، أي الحل السوري، أو المخاوف الإقليمية الأمنية، لا سيما مسألة تهريب المخدرات.
الأردن التي قررت فتح معبر مع النظام للتبادل التجاري مقابل أن يكافح النظام تهريب الكبتاغون إلى أراضيها، لم تحقق من ذلك إلا زيادة في عمليات التهريب، فيما بدا واضحاً من تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، قبل يوم من لقاء جدة بأن على النظام الالتزام بالحل السياسي، وفق القرار الأممي 2254، تشير إلى عدم سماع القاهرة من دمشق ما يطمئن حيال هذا الشأن خلال الزيارتين، شكري إلى دمشق، والمقداد إلى القاهرة.
والواضح أن الأردن الذي كان قد أخذ ضوء أخضر غربياً، من الولايات المتحدة تحديداً، بعد زيارة الملك عبد الله لواشنطن صيف عام 2021 وتقديمه خريطة طريق لحل الأزمة السورية، على مبدأ "التقارب الحذر" مع النظام على أساس تحقيق الحل ودعم الاستقرار الإقليمي، لم تتمكن من تنفيذ خطتها التي دعا إليها فيما بعد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على مدار عامين في محافل عربية ودولية.
الخطة الأردنية التي تقوم على مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، لم تفض إلى نتائج ملموسة، ما جعل عمّان، وفقاً لتسريبات، تعرض خطتها مجدداً، بصيغتها الرئيسية أو ضمن تعديلات، على الفاعلين الأوروبيين والأميركيين، لتكون حاضرة في عملية التقارب التي باتت أكثر جدية بعد انفتاح الرياض على النظام.
ويبدو أن الصفدي وضع أمام زملائه بعض التحفظات الغربية حيال أي تطبيع مجاني مع النظام، ما أدى لاعتماد الخطة الأردنية، والتي بدت واضحة في البيان الختامي للقاء جدة.
وفي حين تشير التسريبات إلى أن اللقاء التشاوري المقبل في عمّان (بعد عيد الفطر) سيعتمد تشكيل لجنة متابعة عربية مع النظام لتحقيق الحل السياسي على ثلاثة مستويات؛ محلية وإقليمية ودولية، فإن العديد من الملفات الأساسية في الملف السوري ستكون محط أنظار لما ستؤول إليه، وحول قدرة النظام أو تجاوبه في التعامل معها.
الملف الأول، هو الدستور، فإن كان القرار الأممي 2254، الذي صدر نهاية عام 2015، يشير إلى إجراء انتخابات وفق دستور جديد للبلاد، فإن اللجنة المكلفة بإعداد الدستور الجديد لم تُقر حتى العام 2019، وسط مماطلات وتمييع من النظام لمعظم محطات وجولات الحل السياسي في جنيف. وبعد حوالي أربعة أعوام من عمل اللجنة، لم تفض اجتماعاتها لكتابة مادة واحدة من الدستور المفترض، ويعود ذلك لقفز النظام فوق المواضيع الدستورية إلى أخرى غير دستورية في الاجتماعات، ما أفضى إلى عدم جدوى المسار، وموته سريرياً.
الملف الثاني، المعتقلون، فمن غير المقنع للسوريين والغرب لجوء الأسد لإصدار مراسيم العفو التي خرج بها العشرات من المعتقلين، وأغلبهم من أصحاب التهم الجنائية، فيما لا يزال الآلاف في السجون دون معرفة مكانهم ومصيرهم، ومن ضمنهم النشطاء والمشاركون في الحراك ومعتقلو الرأي من كافة التوجهات.
ويعتبر ملف المعتقلين أساسياً للنظام للتفاوض عليه، لا سيما أن الكثير من المعتقلين باتوا في المقابر الجماعية أو التهمتهم المحارق الجماعية كذلك وفق تحقيقات دولية عدة، وشهادات أمام محاكم أوروبية من قبل مشاركين في تلك الانتهاكات.
الملف الثالث هو الانتخابات، فالانتخابات وفق دستور جديد يحدد فترة ولاية الرئيس وصلاحياته، وإجرائها تحت مظلة دولية أو عربية أو مشتركة، سيعني محدودية النظام في العبث بنتائجها، فلا يوجد مرشح لدى النظام سوى الأسد، ولا يمكن للنظام القبول بأي مرشح غير مرضي عنه، وهو ما سيضمنه من خلال ولاء مجلس الشعب الذي يحدد شروط الانتخابات وفق دستور 2012.
ويملك حزب البعث (الحاكم) 166 مقعداً بنسبة 66.4% من مقاعد مجلس الشعب البالغ عددها 250 عضواً (أغلبية)، كما تملك بقية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية (الحليفة للحزب) 17 مقعداً، بنسبة 6.8%، أما المستقلون فيملكون 67 مقعداً بنسبة 26.8%، وفق بحث لـ"مركز عمران للدراسات.
الملف الرابع، هيئة الحكم الانتقالية، والتي من المفترض أن تسبق الدستور والانتخابات، والتي ضغط النظام لتسبق ملف الدستور بعد أن فرز المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي مستورا القرار 2254 إلى أربع سلال. ولا يبدو أن النظام مستعد للحظة في الموافقة على هذا الملف، وقبول مشاركته المعارضة أو أطياف منها مهما كان توجهها معه بالسلطة.
ويتمثل الملف الخامس في مكافحة الإرهاب، والذي سعى النظام لحشره ضمن سلال دي مي سيتورا للقفز وفق الملفات الأخرى، لكن هذا الملف سيكون عائقاً أمام النظام في حال المطالبة بالخطوات من قبله، فإن كان النظام يريد إنهاء فصائل المعارضة المتشددة وغير المتشددة بوصفها مجموعات "إرهابية" جميعها من وجهة نظره، فإنه سيواجه المطالبة بإنهاء وجود عشرات المليشيات التي تدعمها إيران وروسيا والتي يصنفها الغرب ميليشيات إرهابية كذلك.
ويعتقد النظام بأن أي تقدم نحو الحل السياسي وفق المرجعية الدولية، ولو بنصف خطوة، سيقربه نحو نهايته وزواله دون شك، وبالتالي فإن مبدأ "خطوة مقابل خطوة" عربياً، سيصطدم بالكثير من العراقيل المحلية للحل السوري، هذا عدا عن عشرات العقبات القانونية والسياسية على المستوى الدولي والعربي، في مقدمتها ثلاث إدانات بحق النظام باستخدام السلاح الكيماوي من بين عشرات الهجمات الكيميائية التي يجري التحقيق بها وربما تفضي إلى إدانات أخرى.
وتوجه أصابع الاتهام بالأدلة للعديد من مسؤولي النظام بارتكاب انتهاكات ومجازر بحق السوريين المدنيين سواء من خلال القصف أو الهجمات أو المعتقلات، ناهيك عن وضع النظام سياسياً، وجعله الجغرافية السورية مباحة لكل من الروس والإيرانيين، وهذا ما سيقف عنده الغرب والكثير من العرب طويلا.