شهدت الساعات الماضية في بغداد تطورات متسارعة على صعيد الأزمة السياسية المتواصلة في البلاد منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي أظهرت تقدم "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر بفارق كبير عن أقرب منافسيه، وتبنيه مشروع حكومة الأغلبية، مستثنياً منها مشاركة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وفي ساعة متأخرة من مساء أمس الخميس، أنهى زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر قطيعة دامت عدة سنوات مع نوري المالكي، بإعلان مكتبه إجراءه اتصالاً هاتفياً معه لبحث ملف تشكيل الحكومة المقبلة، إلى جانب تأكيده إجراء اتصالات هاتفية مماثلة مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف "السيادة" خميس الخنجر، ورئيس الحزب "الديمقراطي الكردستاني" مسعود البارزاني، للهدف ذاته.
ويأتي الاتصال بعد يوم واحد من تسريبات نقلها "العربي الجديد"، عن مصادر سياسية في بغداد، أكدت عودة الحراك السياسي مجدداً بين القوى السياسية للبحث عن مخرج للأزمة، مؤكدة أنه في حال تطور تلك اللقاءات، فسينتج عنها اتصالات بين زعماء الكتل السياسية المتقاطعة، وهو ما يظهر جلياً في عودة الاتصالات السياسية ليلة أمس مع قادة الكتل والقوى الرئيسة بالبلاد.
ووفقاً لبيان صدر عن مكتب الصدر، فإن الأخير أجرى اتصالاً مع رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، بحسب ما أورده المكتب الإعلامي للصدر، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى، وهو ما يعني انتهاء قطيعة دامت سنوات عديدة في الاتصال بين الجانبين.
وتضاربت في الساعات الأخيرة معلومات عن فحوى الاتصالات التي أجراها الصدر مع المالكي وقيادات عراقية أخرى، وهل تضمنت طرح أسماء معينة لشغل منصب رئيس الحكومة، أو أنها بحثت التوصل إلى تفاهمات مرضية للأطراف المختلفة، مع حديث عن عودة زعيم "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني إلى العراق مجدداً، لكن أياً من أعضاء "التيار الصدري" أو تحالف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (دولة القانون) لم يؤكد أياً من تلك المعلومات لغاية الآن.
إلا أن نائباً في البرلمان، طلب عدم ذكر اسمه، أكد لـ"العربي الجديد" أنّ "وساطة من رجال دين عراقيين في النجف، دخلوا على خط الأزمة، أسهمت في تحقيق تقدم قائم على فكرة الجلوس إلى طاولة واحدة، وحل المشكلات الراهنة، محذرين من خطورة استمرار الأزمة السياسية فترة أطول".
وبيّن أنه "ليس من الواضح لغاية الآن شكل التسوية المطروحة، لكن هناك احتمالات أقوى من أي وقت سابق من عمر هذه الأزمة، بدخول القوى السياسية الشيعية موحدة إلى قبة البرلمان، في جلسة اختيار رئيس الحكومة بتسوية سياسية شاملة"، مرجحاً أن يشهد الأسبوع المقبل اجتماعاً سياسياً بين مختلف الأطراف المتناحرة.
من جهته، قال محمد الحسيني، القيادي في "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "القوى السياسية العراقية، حالياً، لا تمتلك أي خيار غير حل الانسداد الحالي، وحالياً، هناك حوارات مكثفة بين كل القوى السياسية من أجل إيجاد حل نهائي".
وبيّن أنّ "هناك اجتماعات وحوارات وزيارات بين جميع القوى السياسية العراقية، من أجل مناقشة الانسداد السياسي وإيجاد حلّ لفك هذا الانسداد، وهناك تنازلات سوف تقدم من الأطراف السياسية المختلفة من أجل إنهاء الأزمة وخلع فتيلها، فالكل يدرك خطورة بقاء الأزمة السياسية من دون حلول خلال الفترة المقبلة".
وأضاف الحسيني أنّ "كل القوى السياسية أدركت جيداً انه لا يمكن التمسك بالآراء والتزمت، فالعملية السياسية في العراق والتوازن فيها يفرضان وجود توافق واتفاق بين القوى السياسية كافة، خصوصاً أنه لا يمكن لأي طرف تشكيل الكتلة الأكبر، من دون جمع كل الفرقاء في تحالف سياسي كبير".
في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي علي البيدر، لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا لم تصل المنظومة السياسية في العراق إلى حلول توافقية، فقد نشهد تفاقم الأزمة وعودة الاحتجاجات، خصوصاً بعد حالة السخط التي وصل إليها الشارع العراقي، وهذا ما يشكل إرباكاً للمشهد السياسي في البلاد، ولا نحصل على ثمار نتائج الانتخابات المبكرة".
وبيّن البيدر أنّ "القوى السياسية أدركت جيداً خطورة الوضع في العراق، ولهذا تعمل منذ أيام على إيجاد حلول للاتفاق والتوافق على تسمية رئيس الجمهورية الجديد ومجمل عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ونحن نعتقد أنّ الأقرب للمشهد سيكون تشكيل حكومة توافقية تجمع الجميع، كما شكلت جميع الحكومات العراقية بعد سنة 2003".
وأوضح أنّ "تكرار تجربة تشكيل حكومة التوافق وفق المحاصصة الطائفية والحزبية سوف يكون دافعاً قوياً لمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة، حتى من قبل جمهور بعض الكتل والأحزاب التي شاركت بقوة في انتخابات تشرين الماضية".
ويسود التوتر المشهد السياسي العراقي منذ الأيام الأولى التي أعقبت إجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وما نتج عنها من تصدر "التيار الصدري" بقيادة مقتدى الصدر نتائج الانتخابات على حساب الأحزاب والكتل السياسية الحليفة لإيران، والمنضوية ضمن "الإطار التنسيقي"، ورغبة الصدر بتشكيل حكومة أغلبية وفرض شروط على تشكيل الحكومة، من بينها استبعاد قوى معينة منها، أبرزها تحالف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وهو ما ترفضه قوى أخرى منضوية ضمن تحالف "الإطار التنسيقي".