في حادثة غير مسبوقة ببلدة بيت جالا، شمال بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي اليوم الثلاثاء، كنيسة مسيحية شيّدت من الخشب في وقت سابق على أرض لعائلة قيسية في منطقة المخرور المهددة بالاستيلاء والمصادرة من قبل الجماعات الاستيطانية رغم وجود الأوراق الثبوتية والملكية مع ملّاك الأرض.
وتلقى أصحاب الأرض، أمس الاثنين، تهديدات بأن الكنيسة سوف تهدم وهو ما حصل بالفعل بعد أن اقتحمت آليات الاحتلال العسكرية اليوم، منطقة المخرور وهدمت الكنيسة دون أي إنذار مسبق أو إجراء قانوني. وقال عضو لجنة المتابعة الوطنية لقرارات المؤتمر العربي الأرثوذكسي من بيت جالا، عبد الله الهودلي، خلال حديث مع "العربي الجديد"، "إن الكنيسة شيّدت في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، من قبل نشطاء في المقاومة الشعبية، ومؤسسات مسيحية في بيت لحم، ومتضامنين أجانب من أجل السلام، وأقاموا فيها صلوات وطقوسا دينية، في سياق خطوات دينية ووطنية من أجل منع الاستيلاء على الأرض المقامة عليها الكنيسة، وتعبيرًا عن رفض اعتداءات المستوطنين".
وتابع الهدولي: "بما أن الصلاة أقيمت في الكنيسة، فإنها مكان ديني بحت، لكن المخططات الإسرائيلية تتخطى الاعتبارات الدينية على اختلاف أشكالها بهدف التوسع والاستيلاء الاستيطاني، رغم أن المؤسسات والجهات المعنية تحاول منع السلطات الإسرائيلية من وضع يدها على أرض المخرور وذلك عبر فعاليات مستمرة، كان آخرها يوم الأحد الماضي، وسط حضور نشطاء مع السلام من مختلف الأديان وحتى اليهودية منها، لكنهم جميعًا لم يسلموا من الاعتداءات الإسرائيلية والهجمات الاستيطانية حيث تعرضوا للضرب والتنكيل بما فيهم النشطاء اليهود".
ولفت الهودلي إلى أن النشطاء الفلسطينيين والأجانب الذين حضروا فعاليات يوم الأحد الماضي، الذي شيّدت فيه الكنيسة، أجمعوا على أن تكون أرض عائلة قيسية التي أقيمت عليها الكنيسة مكانًا للصلوات الدينية السماوية عبر بناء مقرٍ لكل ديانة، وأن تؤدى صلاة الجمعة للمسلمين في هذه الأرض، والصلوات اليهودية يوم السبت، والصلوات المسيحية يوم الأحد، غير أن إجراءات الاحتلال تتجاوز كلّ القرارات التي من شأنها أن تحافظ على فلسطينية أرض المخرور.
واعتبر الهودلي أن المؤسسات المسيحية ترى عملية الهدم على أنها "اختراق لكل الأعراف والقيم والقوانين وتعبيرًا عن العنجهية والعنصرية الإسرائيلية التي تستحق الاستنكار والإدانة من كل الجهات الحقوقية في العالم على اختلاف أشكالها لأن الاستيطان الإسرائيلي لا يفرق بين المواقع الدينية".
وقال الهودلي: "لا نعتقد أن الإجراءات القانونية ممكنة في مثل هذه الحالات، والاحتلال يحارب أي عمل يؤدي إلى الكشف عن جرائمه والمستوطنين وأساليب سرقتهم للأراضي". وأضاف: "عمليات الهدم لم تتوقف على الكنيسة، بل على أي وجود فلسطيني في المكان، حيث هدمت ثلاث غرف زراعية في ذات المنطقة، بحجّة البناء دون ترخيص، علمًا أن الاحتلال ليس بحاجة لذرائع كي يهدم".
وتعتبر منطقة جبل المخرور (مساحتها 700 دونم) من المناطق المهددة بالاستيلاء والمصادر لإقامة مخطط توسعي لمستوطنة "هار جيلو" في سياق تنفيذ طرق استيطانية تربط جغرافيًا بين مدينة القدس، ومجمع غوش عتصيون الاستيطاني باعتبار ذلك جزءًا من مخطط "القدس الكبرى". وكان الاحتلال قد أصدر في وقت سابق من مطلع أغسطس/آب الماضي، قرارًا بإعلان جبل المخرور "منطقة عسكرية مغلقة" ومنع الدخول إليها من قبل أصحاب الأراضي، فيما صادقت الحكومة الإسرائيلية على إقامة بؤرة استيطانية جديدة فيها.
وفي ذات السياق، أدان المجلس الوطني الفلسطيني عملية الهدم في منطقة المخرور، واصفًا ذلك بالجريمة الجديدة التي تضاف إلى سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته. وجاء في البيان، "إن استهداف الأماكن الدينية، سواء الكنائس أو المساجد، هو تعبير عن نية الاحتلال محو الهوية الفلسطينية والتاريخية للمنطقة، ويعكس معاداة الاحتلال للأديان السماوية وحرية العبادة". وطالب المجلس الوطني المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والعاجل لوقف هذه الجرائم المتكررة، والعمل على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وممتلكاته، مشددًا على أهمية تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات التي تضرب بعرض الحائط القوانين الدولية كافة.