مع وصول حركة "طالبان" مجدداً إلى سدة الحكم في أفغانستان الصيف الماضي، والتغييرات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، يتصاعد دور الجماعات الدينية في الحياة السياسية، وهو ما يبدو أنه سينتقل أيضاً إلى باكستان، حيث تراقب المؤسسة العسكرية وصنّاع القرار هناك هذا الوضع.
وفي هذا السياق، تبرز المسيرة التي قرر التحالف الديمقراطي المعارض في باكستان تنظيمها في شهر مارس/آذار المقبل، من أجل إسقاط حكومة عمران خان.
هذا التحالف يقوده زعيم "جمعية علماء الإسلام"، الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن، ويضم تيارات دينية أخرى في البلاد، بالإضافة إلى حزب "الرابطة الإسلامية" جناح نواز شريف والذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف.
ومن أبرز الأوراق الموجودة في يد المعارضة ضد حكومة خان، الغلاء الحاد في البلاد وتدهور قيمة العملة الباكستانية مقابل الدولار. ويُلاحظ أن التيارات الدينية كلها بلا استثناء ضد حكومة عمران خان.
يُلاحظ أن التيارات الدينية كلها بلا استثناء ضد حكومة عمران خان
نتائج الانتخابات البلدية في إقليم خيبر بختونخوا
وأشارت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية في إقليم خيبر بختونخوا بشمال غرب البلاد، التي أجريت في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى حصول "جمعية علماء الإسلام" على الأغلبية، مقابل خسارة الحزب الحاكم (حركة الإنصاف) وباقي الأحزاب السياسية في الإقليم المحاذي لأفغانستان.
وهذا ما يدل، وفق البعض، على أن لوصول حركة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان تأثيرا على مجريات الأحداث في باكستان، وأن نجم الأحزاب الدينية في باكستان قد بدأ يسطع مجدداً، وسيكون لهذه الأحزاب حظ كبير في الانتخابات العامة المقررة العام المقبل والانتخابات البلدية في الأقاليم الأخرى.
وقال رئيس التحالف الديمقراطي المعارض، الزعيم الديني في باكستان، المولوي فضل الرحمن، في مؤتمر صحافي في مدينة بشاور، مركز إقليم خيبر بختونخوا، يوم الأحد الماضي، إن الحزب الحاكم "تلقى ضربة قوية في المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية".
واعتبر أنّ "الشعب الباكستاني رفض الحكومة الحالية، وفي المرحلة الثانية من الانتخابات ستكون النتيجة مثل الأولى، بل أسوأ للحزب الحاكم".
وأشار إلى أنّ "سقوط الحكومة الحالية أمر لا بد منه، فهي فشلت في مواجهة الملفات الداخلية، كما أنها لم تتعامل بشكل مناسب مع القضايا التي شهدتها المنطقة"، من دون تحديد تلك القضايا.
الأحزاب الدينية الباكستانية ودور المؤسسة العسكرية
وعلى الرغم من ادعاء المولوي فضل الرحمن أن الشعب الباكستاني عبّر عن رفضه للحزب الحاكم، فقد بات من الاعتقادات السائدة في باكستان أن المؤسسة العسكرية التي تلعب من وراء الكواليس في سياسات البلاد، هي أيضاً ترغب في تقوية دور الأحزاب الدينية في الوقت الراهن، تماشياً مع سياسات "طالبان" في أفغانستان.
وبالتالي، في الانتخابات العامة المقبلة في باكستان، سيكون للأحزاب الدينية حظ كبير. وهذا بالضبط ما حصل في انتخابات عام 2002، إبان سقوط حكومة طالبان، إذ كانت المؤسسة العسكرية والاستخبارات بحاجة إلى تهدئة مشاعر الشعب الباكستاني وقتها؛ وبالتالي أحرزت الأحزاب الدينية تقدماً ملحوظاً، وعلى أثره تمكّنت من تشكيل الحكومة الإقليمية في إقليم خيبر بختونخوا.
كاشف خان: لا يُستبعد أن تستخدم المؤسسة العسكرية الأحزاب الدينية كورقة في يدها
في السياق، يقول الصحافي الباكستاني كاشف خان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هزيمة الحزب الحاكم ونجاح جمعية علماء الإسلام في الانتخابات البلدية في إقليم خيبر بختونخوا، وراءها أسباب كثيرة، منها فشل الحزب الحاكم في تلبية مطالب الشعب، خصوصاً مواجهة الغلاء المستشري.
ويرى خان أنه بالنظر إلى الوضع في أفغانستان ووصول حركة طالبان إلى سدة الحكم هناك، لا يُستبعد أن تستخدم المؤسسة العسكرية الأحزاب الدينية كورقة في يدها، وأن يُسجل تقدم لصالحها في انتخابات البلدية وفي الانتخابات العامة المقبلة؛ لأن هناك الكثير من نقاط التوافق بين "طالبان" وبين الأحزاب الدينية.
ويوضح "هم جميعاً من أتباع الفكر الديوبندي (طائفة من الأحناف في شبه القارة الهندية)، كما أن معظم قادة طالبان تخرجوا من المدارس الدينية في باكستان؛ وبالتالي دور تلك الأحزاب الآن في باكستان مهم للغاية تماشياً مع سياسات طالبان في أفغانستان، وهذا لا شك ما تدركه المؤسسة العسكرية في باكستان".
ويعتبر خان أن إيحاءات زعيم "جمعية علماء الإسلام" في مؤتمره الصحافي الأخير في مدينة بشاور، تشير إلى أنه "حصل على مباركة المؤسسة العسكرية، التي لم تعد تعتمد على الأحزاب الأخرى، تحديداً الحزب الحاكم، بقدر ما تعتمد على الأحزاب الدينية، ويلعب الوضع العام في باكستان، خصوصاً المعيشي والاقتصادي، دوراً مهماً في ذلك، كون الأحزاب الدينية معروفة بالشفافية مقابل الأحزاب الأخرى".
لكن المتحدث باسم "جمعية علماء الإسلام"، جليل خان، يرفض هذه المقاربات، ويقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن "من يزعم أن المؤسسة العسكرية وراء الأحزاب الدينية عموماً، ووراء جمعية علماء الإسلام خصوصاً، هو مخطئ".
ويضيف "نحن منذ البداية نؤكد أن المؤسسة العسكرية عليها ألا تلعب دوراً في المجال السياسي، وأن تكون بعيدة كل البعد عن السياسة؛ لأن هذا في صالح البلاد".
ويتابع "لذا، نرفض بشدة أي تعامل مع المؤسسة العسكرية من أجل الحصول على المقاعد في الانتخابات، بل كانت لنا تحفظات في هذا الإطار، ففي انتخابات عام 2018، كان للمؤسسة العسكرية دور وهي أخذت منا المقاعد وأعطتها للحزب الحاكم".
ويؤكد جليل خان أن السبب الرئيسي وراء توسع نفوذ الأحزاب الدينية "هو الوضع المعيشي بشكل عام، فالمواطن الباكستاني يئس من الوضع القائم، وهو أدرك أن الحزب الحاكم فاشل تماماً، وأن جمعية علماء الإسلام هي التي يمكنها تحسين الوضع الحالي وتغييره؛ وبالتالي صوّت لصالحها".
ويرى جليل خان أنه "سيكون لنا نصيب أكبر في المراحل المقبلة من الانتخابات البلدية، وكذا في الانتخابات العامة السنة المقبلة".
جليل خان: نرفض بشدة أي تعامل مع المؤسسة العسكرية من أجل الحصول على المقاعد في الانتخابات
تأثير وصول "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان
أما عن تأثر المزاج الباكستاني بما يحدث في أفغانستان، فيقول جليل خان إنه لا يعتقد ذلك، "لأن هذه انتخابات بلدية، والمواطن الباكستاني مشغول بقضاياه الداخلية، خصوصاً الغلاء والفقر والعوز، وغير منتبه أصلاً لما يحدث في أفغانستان أو في المنطقة".
ويضيف "لكن في الانتخابات العامة السنة المقبلة، سيكون لهذا الأمر تأثير أكبر، المواطن في تلك الانتخابات ينظر إلى ما يدور في المنطقة، تحديداً أفغانستان".
وهذا ما يتفق معه الإعلامي والكاتب الباكستاني أرشد خان، قائلاً في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المواطن الباكستاني مشغول جداً بقضاياه الداخلية، وليس هناك تأثير كبير لما يجري في أفغانستان، على الساحة السياسية الباكستانية".
ويوضح أن "الشعب الباكستاني شعب مسلم، وسكان شمال غرب البلاد من قبائل البشتون؛ وبالتالي هناك جذور للأحزاب الدينية".
ويشير إلى أنه "في انتخابات عام 2018، فشلت الأحزاب الدينية في الحصول على الأغلبية في تلك المناطق، غير أنه في الانتخابات البلدية حصلت على الأغلبية، ولن تختلف نتائج الانتخابات العامة المقبلة كثيراً عن ذلك".
ومن الأحزاب الدينية الشهيرة الأخرى في باكستان، "الجامعة الإسلامية" بقيادة سراج الحق، التي لم تتمكن من الحصول على مقاعد كافية في انتخابات البلدية في إقليم خيبر بختونخوا، لكنها نشطة جداً في إقليمي السند والبنجاب.
كذلك، من بين الحركات الدينية النشطة التي نظمت مرات عدة مسيرات كبرى ضد الحزب الحاكم، حركة "لبيك يا رسول الله"، والأخيرة نشطة جداً في إقليم البنجاب أحد أكبر الأقاليم الباكستانية.
في المحصلة، مهما كانت الأسباب وراء نشاط الأحزاب الدينية في سياسة باكستان، إلا أنّ الاعتقاد السائد هو أن تلك الأحزاب لها نفوذ كبير، وهي تلعب دوراً مهماً في السياسة المحلية، كما أنّ للمؤسسة العسكرية دورا في ذلك، فهي تلعب من وراء الكواليس، وتستخدم الأحزاب الدينية متى تشاء، تماشياً مع سياسات المنطقة، خاصة مع ما يحدث اليوم في أفغانستان.