تصاعد القلق من تراجع الحريات في تونس منذ انفراد سعيّد بالسلطات

07 أكتوبر 2021
من تظاهرة سابقة في تونس رافضة لـ"انقلاب" قيس سعيّد (شادلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

يتزايد قلق منظمات حقوق الإنسان وتخوفاتهم على مستقبل الحريات واحترام مكتسبات حقوق الإنسان في تونس، مع إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد الانفراد بالسلطات وإلغاء وسائل الرقابة.

ورغم إبقاء سعيّد بابي الحقوق والحريات عند تعليقه الدستور في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، إلا أنّ المنظمات والجمعيات الحقوقية تعتبر أنّ إلغاء وسائل الرقابة وتحصين سعيد لقراراته وانفراده بسنّ التشريعات، تُعَدّ مدخلاً خطيراً ومنفذاً نحو ضرب مكاسب حقوق الإنسان.

وتتواصل الانتهاكات والاعتداءات على الحريات والحقوق الدستورية رغم توصيات سعيّد لوزارة الداخلية وتعليماته باحترام الحق في التظاهر والتنقل والتعبير والعمل الصحافي، إذ أصدرت عدة منظمات بيانات منددة بالاعتداءات.

وسجلت تونس خروقات دستورية وحقوقية تتعلق بمحاكمة صحافيين وسياسيين من قبل القضاء العسكري بتهم الاعتداء على أمن الدولة، إضافة إلى إصدار قرارات تتعلق بتقييد إقامة عديد الشخصيات السياسية والقضاة والمسؤولين السابقين دون قرار قضائي، فضلاً عن إصدار قرارات منع السفر.

وأعربت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، في بيان لها، مساء الأربعاء، عن قلقها مما وصفته بـ"تردي وضع الحريات'' في تونس، مشيرة إلى "تصاعد وتيرة الاعتداءات والملاحقات بعد الإحالات الأخيرة على القضاء العسكري على خلفية الآراء والأفكار".

وحذّرت النقابة من أن "تنسف هذه التطوّرات مكتسبات الثورة والأسس المدنية للدولة وقيم الديمقراطية والتعدد والتنوع"، وفق ما جاء في نصّ البيان.

وأعلنت النقابة رفضها المطلق للمحاكمات العسكرية للمدنيين على خلفية آرائهم ومواقفهم ومنشوراتهم، مؤكدة أنّ هذا الإجراء "يمثل انتكاسة لحرية التعبير وضرباً للديمقراطية وحق الاختلاف".

ووصف الكاتب العام لـ"جمعية مناهضة التعذيب" منذر الشارني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، وضع حقوق الإنسان في تونس بـ"الخطير"، مشيراً إلى أنّ ذلك الوصف ينطلق من عدة مؤشرات، منها مسألة فرض الإقامة الجبرية ومنع السفر عن عديد الأشخاص، من بينهم قضاة وسياسيون وموظفون، دون معرفة الأسباب.

وقال الشارني إنّ الطعون التي قدمت أمام المحكمة الإدارية بغرض إيقاف تنفيذ الإقامة الجبرية انتهت بالرفض، مؤكداً مطالبة المحكمة الإدارية بإنشاء دوائر خاصة بالحقوق والحريات للنظر في "هذه القضايا الحقوقية التي تعتبر ذات طابع خاص تختلف عن القرارات الإدارية العادية".

وبيّن الشارني أنّ "خطورة الوضع واستعجالية القضايا الحقوقية تتطلبان إحداث دائرة متخصصة بدل الرئيس الأول للمحكمة الإدارية"، مشيراً إلى أنّ "المحكمة الإدارية أصدرت قرارات في السابق تتناقض مع القرارات اليوم"، وأوضح أنّ "عدم وجود تركيبة جماعية في المحكمة الإدارية، جعل قرارات وقف التنفيذ الاستعجابية بيد رئيس المحكمة فقط".

وأكد أنّ من بين الإشكاليات المتعلقة بالحقوق "محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وتحرك النيابة العسكرية ضد نواب وصحافيين"، مشدداً على أنّ القضاء العدلي المدني هو المتخصص في النظر في المخالفات والجرائم التي يرتكبها المدنيون.

وأشار إلى أنّ "هناك عرقلة للحق في التظاهر والتضييق على المتظاهرين المعارضين لتوجهات 25 يوليو/ تموز الماضي".

ومن بين المؤشرات الأخرى على خطورة الوضع الحقوقي، لفت الشارني إلى "طرق مداهمة منازل النواب، وذلك على غرار ما حصل من محاولة مداهمة منزل أستاذ القانون الدولي والناشط في حملة (مواطنون ضد الانقلاب) جوهر بن مبارك"، مشيراً إلى أنّ من حق أنصار سعيّد ومعارضيه التظاهر كما يكفله الدستور والمواثيق الدولية التي تفرض احترام جميع الآراء.

ولفت الشارني إلى "ضعف سلطة الرقابة جراء جمع الصلاحيات بيد رئيس الدولة في ظل غياب البرلمان والحكومة"، متحدثاً عن وجود "تخوفات حقيقية من استمرار التفرد بالسلطات وما ينعكس على ذلك من استمرار ارتكاب الخروقات".

من جهته، أكد المتحدث باسم "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ استمرار التضييق على الحقوق والحريات، وخاصة ما يتعلق بمسألة المحاكمات العسكرية للمدنيين، "يعد أمراً مقلقاً جداً بالنسبة إلى المنتدى".

لفت الشارني إلى ضعف سلطة الرقابة جراء جمع الصلاحيات بيد رئيس الدولة في ظل غياب البرلمان والحكومة

وتابع: "ما يبعث على القلق أيضاً، محاكمة الصحافيين بعيداً عن المرسومين 115 و116 (الخاص بتنظيم الصحافة) والتعامل الأمني مع الاحتجاجات الاجتماعية على غرار ما حصل في محافظة جندوبة حول الماء أو في سيدي بوزيد"، مشيراً إلى أنّ "غياب أي ردود فعل رسمية إلا من بعض التطمينات الكلامية فقط، يجعل الوضع مقلقاً".

وأضاف بن عمر أنّ "المنظمات الحقوقية في وضع متابعة للتطورات، خاصة أن البلاد مقبلة على تحديات اجتماعية واقتصادية في غياب بوادر استقرار أو انفراج سياسي".

وأمس الأربعاء، داهمت قوات الأمن مقر "قناة الزيتونة"، حيث استوليَ على معداته، فيما سبق هذه المداهمة إيداع الصحافي العامل في القناة عامر عياد في السجن؛ بسبب أفكاره وآرائه، بينما أُبقي على النائب عبد اللطيف العلوي قيد التحقيق.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ونقلت الحقوقية والرئيسة السابقة لجمعية "النساء الديمقراطيات" يسرى فراوس، خبر محاصرة منزل الناشط السياسي المعارض للرئيس قيس سعيّد، جوهر بن مبارك وترويع عائلته، قائلة في تدوينة على حسابها عبر "فيسبوك"، أمس الأربعاء، إنّ "هذه الممارسات لا تعود لدفاتر زمن (زين العابدين) بن علي وفترة الاستبداد، إنها تقع الآن".


ولقيت حادثة ترويع عائلة مبارك تنديداً واسعاً من قبل الحقوقيين الذين أشاروا إلى أنّ ذلك يعد انتهاكاً لحرية الرأي والفكر والمعارضة.


وكتب الناشط الأمين بوعزيزي، أمس الأربعاء، في تدوينة على "فيسبوك": "لا تخافوا! كل الشعب التونسي معتقل منذ انقلاب 25 يوليو/تموز البغيض (...) لا تنخدعوا بشعارات (إرادة الشعب) و(ثروة الشعب) و(سيادة الوطن)، لطالما شكلت هذه الشعارات النبيلة مدخلاً لتشييد أعتى النظم التسلطية التي استباحت شعوبها وفتحت أوطانها لكل الطامعين!!! لا تفقدوا عقولكم، إن دوس الدستور واغتصاب فصوله وترذيل مؤسساته الديمقراطية برلماناً وأحزاباً وهيئات دستورية هو مخطط إجرامي لاغتصاب ثورة الشعب باسم الشعب. الشعبوية هي آخر حيل النظام لتضليل ضحاياه". 


وكان رئيس "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" جمال المسلم، قد قال، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إنّ "أكثر الانتهاكات المسجلة في تونس تتعلق بالمنع عن السفر من خلال القرارات التي تتخذها وزارة الداخلية دون قرار قضائي المعروفة بالإجراء الاحترازي (إس 17)".

وعبّر المسلم عن قلق الرابطة بشأن أوضاع حقوق الإنسان إثر تلقيها عشرات الشكاوى بعد 25 يوليو/تموز الماضي.

ولفت إلى أنّ "الرابطة التقت رئيس الجمهورية يوم 26 يوليو/تموز الماضي، وأكدت ضرورة احترام منظومة الحقوق والحريات، فيما وعد الرئيس في عديد المناسبات بعدم المسّ بالحريات، كما أبقى على بابي الحقوق والحريات عند تعليق الدستور".

وشدد على "ضرورة عدم المسّ أيضاً بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمي حقوق الإنسان، وتكفل حريته وبقية النصوص التي تبنتها تونس لأنها تمثل ضمانة دولة تحترم شعبها وحقوقهم".

وأضاف أنه "رغم التطمينات، فإنّ الرابطة توصلت بعشرات الشكاوى المتعلقة بالمنع من السفر والوضع قيد الإقامة الجبرية"، موضحاً أنّ "الرابطة لا تمتلك رقماً دقيقاً على عدد المشمولين بهذه الإجراء، وهو ما يمثل مصدر قلق كبير".

وأوضح المسلم أنّ الرابطة طلبت عقد لقاءات مع وزارة الداخلية، وطلبت توضيحات وتفسيرات، إلا أنها لم تتلقّ أي إجابة، مؤكداً أنّ "وضع حقوق الإنسان مقلق رغم تطمينات رئيس الدولة في أكثر من مناسبة"، لافتاً إلى أنّ الرابطة تقوم بالرصد والمتابعة بالشراكة مع العديد من المنظمات.

وجدد رئيس "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" مطالبته الرئيس سعيّد، بـ"تحديد سقف زمني لإنهاء الوضع الاستثنائي وإحالة ملفات من تعلّقت بهم شبهات فساد على القضاء"، مؤكداً حرص الرابطة على توفير محاكمات عادلة لهم.