تصاعد الاشتباكات بين مقاومين والأمن الفلسطيني في جنين لليوم السادس

10 ديسمبر 2024
سيارة إسعاف في مخيم جنين بالضفة الغربية، 19 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد جنين توترًا متصاعدًا بسبب اشتباكات بين الأجهزة الأمنية و"كتيبة جنين" بعد اعتقالات واتهامات متبادلة حول مقتل الشاب ربحي الشلبي، مع محاولات لاحتواء التوتر عبر تدخلات عشائرية.
- تراجعت الأجهزة الأمنية عن روايتها لمقتل الشلبي بعد ظهور أدلة جديدة، بينما اتهمت قيادات المخيم الأجهزة بممارسة الإرهاب لإنهاء المقاومة تحت ذرائع جنائية.
- تصاعدت المواجهات بعد اعتقال شخصيات بارزة ومصادرة أموال، مما أثار استياء الفصائل، وسط جهود رسمية لبحث إنهاء التوتر ومخاوف من تأثير التصعيد على الاستقرار.

يسود التوتر لليوم السادس على التوالي مدينة جنين ومخيّمها شماليّ الضفة الغربية، حيث تستمر الاشتباكات المسلّحة بين أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية وعناصر مسلّحة من "كتيبة جنين - الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي" على خلفية اعتقالات نفّذتها الأجهزة الأمنية بحقّ نشطاء من المخيم ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي، تبعها استيلاء أفراد الكتيبة على مركبتين: إحداهما تعود للارتباط العسكري الفلسطيني والأخرى لوزارة الزراعة، أعقبتها عودة اعتقال نشطاء وذوي شهداء من المخيم ثمّ حصاره وإغلاق مداخله، وصولًا إلى قتل الشاب ربحي محمد الشلبي (19 عامًا) مساء أمس الاثنين. 

وأصدرت عائلة الشاب الشلبي بيانًا جاء فيه: "نحمّل قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية مسؤولية إعدام ولدنا ربحي ميدانيًا، ونحتفظ بحقنا بالمتابعة القانونية والقضائية". ووفق البيان، فإن "دورية الأجهزة الأمنية أقدمت على إطلاق النار على شابين من أبناء العائلة كانا يركبان دراجة نارية قانونية ويتجهان إلى عملهما، وعند اقترابهما من الدورية في حيّ الجابريات خارج المخيم، ترجلا عن الدراجة بناءً على طلب عناصر الدورية، ومن داخل مركبة الأمن أطلق عليهما النار من مسافة صفر، ما أدى إلى استشهاد ربحي الشلبي برصاصتين اخترقتا صدره، وإصابة الشاب حسن الشلبي في عينه". 

واتهمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية مجموعة خارجة عن القانون (لم تسمّها) بأنها وراء استهداف الشاب الشلبي. وجاء في بيان صادر عن الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني، أنور رجب أن "المؤسسة الأمنية الفلسطينية تعمل وفق قواعد اشتباك صارمة للحفاظ على أرواح المدنيين وحماية أمنهم وسلامتهم في مواجهة الخارجين عن القانون، الذين لم يكتفوا باستهداف استقرار المدينة، بل تجاوزوا ذلك إلى تعريض حياة الأطفال والأبرياء للخطر باستخدام عبوات ناسفة، وإطلاق نار عشوائي، وزرع ألغام متفجرة في الشوارع والطرق العامة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية". 

وبعد ساعات، أصدرت الأجهزة الأمنية بياناً، يظهر تراجعها عن روايتها، حول ظروف مقتل الشاب شلبي، بعد أن فند الجريح الذي كان برفقته الرواية، ثم ما أظهرته كاميرات مراقبة أن الشاب شلبي قتل بعدما أطلق الرصاص عليه مباشرةً على بعد مترين من مركبة مصفحة للأمن الفلسطيني.

وقال الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب، في تصريح صحافي: "في ضوء ما  يُتداوَل عبر مواقع التواصل الاجتماعي من تسجيلات فيديو وبيانات وأخبار ذات صلة بالحادث المؤسف الذي راح ضحيته الشهيد ربحي محمد ربحي (19 عاماً)، من سكان حيّ الجابريات في مدينة جنين، فإن المؤسسة الأمنية تؤكد التزامها الكامل بدورها الوطني في حفظ النظام والقانون، وإرساء الاستقرار والأمن المجتمعي". وتابع: "انطلاقاً من مبدأ الشفافية التي تميز عمل المؤسسة الأمنية، فإنها ستتابع بشكل حثيث ما يُتداوَل للوقوف على التفاصيل كافة وكشف حيثيات الحادث المؤسف وملابساته"، مضيفاً: "ستضع الأجهزة الأمنية الرأي العام بصورة التطورات والنتائج التي سيجري التوصل إليها بكل شفافية وشجاعة".

من جانبه، أكد أحد قيادات مخيّم جنين، جمال الزبيدي، في حديث مع "العربي الجديد" أنه معلوم لدى جميع أهالي جنين أن الشاب الشلبي استهدف برصاص الأجهزة الأمنية، وذلك انعكاسًا لنهج الأجهزة في إرهاب سكّان المخيم وتخويفهم. وفي أعقاب هذه الأحداث، كشف الزبيدي عن وجود محاولات لتدخلات عشائرية ومؤسساتية في جنين بهدف احتواء التوتر ورأب الصدع بين الأطراف، ومع ذلك، أصرت الأجهزة الأمنية على المضي قدمًا في "إنهاء حالة المقاومة بقرار سياسي"، من خلال التخطيط لاقتحام المخيم واعتقال أفراد كتيبة جنين تحت مزاعم القضايا الجنائية. 

وأوضح الزبيدي أن الاجتماعات التي عُقدت أمس، بين قادة الأجهزة الأمنية وشخصيات ممثلة عن مخيم جنين انتهت دون تحقيق أي توافق، حيث رفضت الأجهزة الأمنية تغيير موقفها، وأكدت إصرارها على ملاحقة أفراد الكتيبة، على خلفية ما وصفه بـ"تهم ملفقة"، ما يثير مخاوف أبناء المخيم من وجود نيات مبيّتة عند أجهزة السلطة، وفق تعبيره.

وتصاعدت حدة المواجهة في مخيم جنين في الثالث من الشهر الجاري، عقب اعتقال الأسيرين المحررين عماد أبو الهيجاء وإبراهيم الطوباسي من قبل الأجهزة الأمنية، رغم انتمائهما إلى عائلات مناضلة تضم شهداء وأسرى محكومين بالمؤبدات، ورافق ذلك اعتقال عدد من كوادر حركة الجهاد الإسلامي ومصادرة أموال بحوزتهم كانت موجهة لدعم أسر الشهداء والأسرى، حيث جرى التعامل معهم واتهامهم بأنهم لصوص وقطاع طرق، بحسب ما تؤكده مصادر لـ"العربي الجديد".

ويتساءل الزبيدي: "ألا يوجد خارجون عن القانون إلا في مخيم جنين؟ لا مشكلة لدينا في اعتقال من عليه قضايا جنائية، والأولى ملاحقة العشرات من أبناء الأجهزة الأمنية المتورطين بقضايا القتل ولم يُعتقَلوا، وملاحقة أصحاب البسطات والمركبات غير القانونية التابعة لأفراد في الأجهزة الأمنية، بدلًا من ملاحقة الشبّان بتهم ملفّقة بحجة أنها مهمة وطنية". وأشار الزبيدي إلى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية صعّدت من ممارساتها ضد مخيم جنين خلال حصاره، حيث فرضت حصارًا على مداخله، وأغلقت المدارس، واعتلى عناصرها المباني العالية المحاذية للمخيم بعد إخلائها من سكانها. ولفت الزبيدي إلى أن هذه المباني هي ذاتها التي يستخدمها قناصة جيش الاحتلال خلال عمليات حصار المخيم، قائلاً: "ليدخلوا المخيم إن استطاعوا، فجيش الاحتلال يدخل المخيم منذ 20 عامًا ولم يحقق شيئًا".

وأوضح الزبيدي أن جميع الفصائل في مخيم جنين، وأفراد كتيبة جنين، ليسوا معنيين بالاصطدام مع الأجهزة الأمنية، لكنهم في الوقت ذاته يرفضون الملاحقة الأمنية ونهج التنسيق الأمني مع الاحتلال. وشدد الزبيدي على رفض الاتهامات الموجهة للكتيبة بزرع عبوات تُضر بالمواطنين، لكونها موجهة ضد الاحتلال فقط وتُعد وسيلة للدفاع في وجه الاعتداءات الإسرائيلية. وقال الزبيدي: "فصائل مخيم جنين ترفض استمرار اعتقال العشرات من أبناء المخيم، بمن فيهم والدا اثنين من المطاردين لدى الاحتلال"، موضحًا أن هذه الممارسات تهدف إلى الضغط على المطاردين لتسليم أنفسهم، وهي نهج يتشابه مع أساليب الاحتلال الإسرائيلي". واعتبر الزبيدي أن مدينة جنين تواجه نهجين مختلفين "نهج السلطة الفلسطينية المعروف بمحاولته إنهاء النهج الثاني في المخيم الذي يتبنى مقاومة الاحتلال". 

وقال الزبيدي: "منذ عدّة أيام، تمارس السلطة حملة اعتقالات وملاحقة للشبّان المطلوبين لدى الاحتلال الإسرائيلي، بذريعة أنهم خارجون عن القانون، ويستخدمون مركبات غير قانونية، لكن الحقيقة أن الهدف من هذا، القضاء على ظاهرة المقاومة بشكل عام في الضفة، وفي مخيم جنين بشكل خاص، حيث إن غالبية شهداء المخيم منذ 4 سنوات كانوا معتقلين في سجن أريحا عند السلطة الفلسطينية".

ومنذ توتر الأحداث في مخيم جنين، اتخذت الأجهزة الأمنية من سطح مستشفى جنين الحكومي مكانًا لرصد تحرّكات الداخلين والخارجين إلى مخيم جنين، ومع وصول حالة المواجهة والاشتباك بين أفراد الكتيبة والأمن في محيط المستشفى، علّق عدد من الأطباء عملهم داخل المستشفى ورفضوا التوجه إليه قبل تحييد محيط المستشفى من المواجهة، وفق ما قال مصدر طبّي، فضل عدم ذكر اسمه خلال حديث مع "العربي الجديد". وبحسب مصدر آخر، فإن محافظ جنين، كمال أبو الرب، أوعز إلى العاملين في المؤسسات الرسمية بالمحافظة بعدم التصريح حيال التصعيد والتوتر الذي تشهده المحافظة. 

وخلال اليومين الماضيين، زارت وفود عديدة مقرّ محافظة جنين، أبرزها "وفد جهاز الأمن الوقائي برئاسة مديره العام عبد القادر التعمري، ومدير العمليات في الجهاز، حسن عصفور، ونائب المدير العام للأمن الوطني حافظ الرفاعي، تبعه وفد مكوّن من إسماعيل جبر، مستشار الرئيس لشؤون المحافظات، يرافقه منسق شؤون المحافظات موفق دراغمة، ثم وفد يرأسه عضو مركزية حركة فتح صبري صيدم، ولجنة العلاقات العامة للأجهزة الأمنية في رام الله، وعضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير، والمركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، بحضور ممثلي الأجهزة الأمنية وأعضاء المجلس الثوري لحركة فتح، حيث نقل الأحمد تأكيد الرئيس عباس فرض القانون وإنهاء الفلتان الأمني وزعزعة الاستقرار، كما جاء عن بيان المحافظة". وبحسب مصادر خاصّة من حركة فتح لـ"العربي الجديد"، فإن المجلس الثوري لحركة فتح يجتمع اليوم لبحث قضايا عديدة، أبرزها أحداث مخيم جنين وكيفية التعامل معها.

المساهمون