تشديدات أمنية في القاهرة وسط دعوات مجهولة للتظاهر

11 يوليو 2024
مواطنان على دراجة نارية في القاهرة، 3 يوليو 2024 (عمر عبدالله دلش/رويترز)
+ الخط -

شهدت العاصمة المصرية القاهرة، خلال اليومين الماضيين، تشديدات أمنية وإجراءات تفتيش، تزامناً مع بروز أنباء عن قرب رفع أسعار بعض السلع. ورأى مراقبون أن ما يجري من تشديدات أمنية في القاهرة ترافقاً مع بروز دعوات مجهولة للتظاهر، مبالغ فيه من قبل السلطات، في إطار سياستها لاستمرار دبّ الإحباط لدى المواطن المصري، وهو ما تكرّس مع قمع أي حراك أو تحرك داعم لغزة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرة أعوام على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبعد ثلاثة أشهر من أدائه اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثالثة، إلا أن ما ينم عن الواقع السياسي في مصر، هو استمرار عدم السماح بأي شكل من الاختلاف مع السلطة، لاسيما في الملفات الأساسية الآنية، وفي مقدمها التعاطي مع القضية الفلسطينية، حيث يقبع عشرات الناشطين في الشأن الفلسطيني في السجون، كما أن آلافاً من المسجونين يمضون عاماً وراء العام، في انتظار "انفراجة سياسية" موعودة، منذ انطلاق ما سمّي "الحوار الوطني" الذي دعا إليه السيسي قبل أكثر من عامين. ويستمر هذا الوضع، رغم بدء الحكومة الجديدة عملها برئاسة مصطفى مدبولي، والتي كان ضمن خطاب تكليف الرئيس لها، "مواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية".

تشديدات أمنية في القاهرة

ووسط أنباء عن قرب تطبيق قرار رفع أسعار بعض السلع الأساسية في البلاد كالوقود والكهرباء والدواء، بعد تأجيله فترة تحسباً لحالة الغضب الشعبي، حيث كان مقرراً بداية يوليو/تموز الحالي، شهدت شوارع القاهرة استنفاراً أمنياً واسعاً، حيث نفذت تشديدات أمنية في القاهرة وإجراءات في شوارع وسط العاصمة وميادينه خلال اليومين الماضيين، تمثلت في انتشار مكثف لنقاط تفتيش ثابتة ومتحركة، وكمائن لرجال المباحث بالزي المدني، بالتزامن مع دعوات، مجهولة المصدر، للتظاهر يوم غد الجمعة تحت شعار "جمعة الكرامة"، تداولها نشطاء وسياسيون. 

تشديدات أمنية في القاهرة وحملة تفتيش دقيق للمواطنين تشمل هواتفهم المحمولة

وتحدث شهود عيان لـ"العربي الجديد"، عن وجود تشديدات أمنية في القاهرة وحملة تفتيش دقيق للمواطنين في الشوارع والميادين الرئيسية، بما في ذلك هواتفهم المحمولة، وذلك في مختلف أنحاء العاصمة، وخصوصاً وسطها، لاسيما في محيط الميادين الرئيسية. 

وقال المحامي والحقوقي أحمد حلمي، إنه تعرّض للتفتيش من ضابط شرطة قرب إحدى محطات مترو الأنفاق، حيث طلب منه الضابط إبراز هاتفه المحمول. ولوحظ انتشار كثيف للكمائن الأمنية، ثابتة ومتحركة، في مختلف شوارع مناطق طلعت حرب والعتبة ورمسيس. وأكد شهود العيان تعرض مواطنين للتوقيف العشوائي من رجال الأمن، مع طلب إبراز بطاقات الهوية. وساهم قرار الحكومة بإغلاق المحلات التجارية في وسط المدينة الساعة الحادية عشرة مساءً، بإثارة استياء بعض أصحاب المحلات الذين اعتبروا القرار مبالغاً فيه.

ولا يوجد سند قانوني لتفتيش المواطنين وهواتفهم، حيث تنص القوانين المحلية على أنه لا يحقّ لرجال الأمن تفتيش أي شخص من دون وجود سبب مبرّر أو إذن قضائي، كما لا يجوز توقيف أي شخص من دون وجود أمر من النيابة العامة. وأثارت الإجراءات الأمنية جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتكررت مثل تلك الإجراءات عادة والتي تتضمن تشديدات أمنية في القاهرة مع كل دعوة إلى التظاهر احتجاجاً على الأوضاع، بيد أن متابعين رأوا فيها مبالغة مقصودة من أجهزة الأمن، استكمالاً لخطة الإحباط المقصودة بعد الدفع بأسماء مجهولة تابعة للسلطة على منصات التواصل الاجتماعي للدعوة للتظاهر، من دون وجود رافعة سياسية للتظاهر، أو جاهزية أو منظمين يقودونها، حتى يشعر المصريون بالإحباط ويستسلموا لاستمرار الأوضاع من دون تغيير، مع عدم نزول أحد للتظاهر، إلا عددا قليلا يجري القبض عليهم والتنكيل بهم ليكونوا "عبرة".

في المقابل، رأى ناشطون أنه من المهم إرهاق النظام بتكرار مثل تلك الدعوات التي تستنزف الجهود الأمنية وتفرض تشديدات أمنية في القاهرة خصوصاً، حتى تحين مرة لا تعبأ فيها السلطة بالدعوات، بينما تنتفض الجماهير خلالها لتكرر سيناريو ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حينما تجمعت الحشود وكسرت العصا الأمنية وأرغمت الرئيس الأسبق حسني مبارك على التنحي. 

المواطن غير عابئ

ومع سخونة الدعوات على مواقع التواصل، وفرض السلطات تشديدات أمنية في القاهرة وميادينها، يبدو الشارع المصري غاضباً من تدهور الأوضاع، لكن غير عابئ بالدعوات لتغييرها.

وفي هذا السياق، قال المواطن صلاح لـ"العربي الجديد"، وهو حرفي، اكتفى بذكر اسمه الأول، إنه لم يعد يثق في دعوات مجهولة المصدر للتظاهرة، بعدما خرج مرّتين في عامي 2019 و2020 استجابة لدعوات مماثلة، وكاد أن يتم اعتقاله وقتها ونجا بأعجوبة، مضيفاً أنه وأسرته في أسوأ حالتهم المادية منذ سنوات طويلة، ويتمنى رحيل النظام القائم. 

محمد أنور السادات: قد نشهد الإفراج عن بعض المحبوسين احتياطياً، وربما قرارات عفو عن محبوسين بقضايا حرّية الرأي

وتكاد تتطابق إجابة صلاح مع محمود عبيد، وهو اسم مستعار لناشط على مواقع التواصل، أكد لـ"العربي الجديد"، أنه لم يعد يدعو أحداً إلى النزول للشارع كما كان يفعل، رغم أنه "آمن لأن حسابه باسم مستعار". وأعرب الناشط عن اعتقاده بأن تلك الدعوات المتكررة ليست سوى كمين من قبل أجهزة الأمن لاصطياد واعتقال مزيد من الغاضبين والناشطين، لكي يأمن النظام أكثر على نفسه، بما يشبه المضاد الحيوي الذي يأخذه الشخص لكي يتحصن من الفيروس، لا سيما مع فشل الدعوة مجددا ما يتسبب في مزيد من الإحباط. وكرّر الناشط خلاصة الرأي في مسألة التغيير بترديد عبارة للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ وردت في رواية حديث الصباح والمساء، ومفادها: "ما الحيلة؟، أمامنا رجل يدعي الزعامة وبيده مسدس".

رغم ذلك، قال رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، لـ"العربي الجديد"، إن "الأمل منعقد على الجلسات القادمة للحوار الوطني، فربما تتحرك بعض الملفات وعلى رأسها القضايا المتعلقة بالحبس الاحتياطي"، مضيفاً أنه "من الواضح أن هناك جدية هذه المرة في أنهم سينتهون من صياغة قانون يخص مدد الحبس الاحتياطي، أو إيجاد بدائل للحبس الاحتياطي". وأضاف السادات: "بالإضافة إلى ذلك، ربما نشهد بعض قرارات الإفراج عن بعض المحبوسين احتياطياً، وربما أيضاً قرارات عفو، بالذات عن المحبوسين بسبب قضايا حرية الرأي والتعبير والتظاهر وما إلى ذلك، بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو/تموز، ولذلك أرى أن الأمل موجود، ولا يوجد لدينا سبيل آخر غير التمسك بمخرجات الحوار الوطني، على أمل أن تلتزم الحكومة بها كما أعلنت، ويشعر الناس بأن فعلاً هناك جدية".


 

المساهمون