تسويات النظام إلى السويداء: محاولة لفرض السطوة الأمنية

07 أكتوبر 2022
رفض عشرات آلاف الشبان من السويداء الالتحاق بقوات النظام (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

نقل النظام السوري التسويات إلى محافظة السويداء، جنوب البلاد، في خطوة تهدف لفرض سطوته الأمنية والعسكرية على هذه المحافظة ذات الأكثرية الدرزية من السكان، والتي تشهد منذ العام 2014 احتجاجات كادت أن تخرج أكثر من مرة عن السيطرة، لولا تدخّل مرجعيات اجتماعية ودينية مرتبطة بالنظام.

وافتتح اللواء حسام لوقا، مدير إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، أمس الخميس، مركز إجراء التسويات في صالة أفراح تابعة لمجلس مدينة السويداء، بحضور فعاليات اجتماعية ودينية مرتبطة بالنظام. 

وذكرت وكالة "سانا" للأنباء التابعة للنظام، أن المركز يهدف لتسوية "أوضاع المطلوبين والفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية"، في إشارة إلى المنشقين عن قوات النظام والرافضين الالتحاق بالخدمة في صفوفها.

لم تشترط السلطة الأمنية على الراغبين بتسوية أوضاعهم تسليم أسلحتهم

وكان عشرات آلاف الشبان من محافظة السويداء قد رفضوا على مدى أكثر من 11 عاماً الالتحاق بالخدمة بقوات النظام التي زج بها بشار الأسد منذ عام 2011 بالحرب ضد السوريين المطالبين بالتغيير. 

200 شاب فقط حضروا إلى المركز

وذكرت مصادر قريبة من مركز التسوية أن نحو 200 شاب فقط، القليل منهم مطلوب للخدمة العسكرية، والباقون عليهم قضايا وتقارير أمنية، جاؤوا إلى المركز أمس الخميس. وكان النظام قد افتتح مركزاً للتسويات في السويداء قبل نحو شهرين إلا أنه اضطر إلى إغلاقه بسبب عدم الإقبال عليه. 

"تأمين الخدمات للناس أولَى من هذه التسويات الخادعة"، يقول حاتم ح. الذي فضّل عدم كشف كنيته لأسباب أمنية، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "هل يتوقع النظام أن ينضم شباب السويداء إلى قواته المتهالكة بعد حرب بدأها ضد السوريين أدت إلى تشريدهم وتمزيق بلادهم؟ لا أتوقع أن يلتحق بتلك التسويات سوى من يريد استخراج جواز سفر ويستفيد من المهلة المعطاة ليهاجر خارج البلد". 

وفي السياق، ذكر ثائر ص. في حديث مع "العربي الجديد"، أنه كان قد أجرى تسوية في السابق "ولكن لم ألتحق بالخدمة بقوات النظام بسبب الوضع المادي السيئ، والخوف من الانتقام مني في حال عودتي إلى مكان خدمتي الذي انشققت عنه".

الهدف فرض السطوة على السويداء

من جهته، اعتبر المحامي بهاء الدين ح. الموجود في محافظة السويداء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهدف الرئيسي للنظام من وراء هذه التسويات في محافظة السويداء "فرض السطوة الأمنية والعسكرية على المحافظة من جديد وبأدوات جديدة".

وأضاف: "المستفيد من هذه التسويات هي العصابات المرتبطة بالأجهزة الأمنية في المحافظة"، واستبعد حضور العدد الذي يأمل النظام حضوره، مضيفاً: "الناس فقدت الثقة بهذا النظام الذي لم يعد لديه ما يعطيهم سوى المخدرات التي انتشرت بين شبان المحافظة".

وأبدى استغرابه لوجود شخصيات لها وزنها الاجتماعي والديني لدى الدروز في سورية "في هذه اللعبة المكشوفة"، مضيفاً: الأهالي يحتاجون إلى خدمات وتحسين مستوى المعيشة، وكف يد العصابات التي تديرها الأجهزة الأمنية، ووضع حد نهائي للترويج للمخدرات.

خطوة متأخرة لاستعادة السطوة

واعتبر أن فتح مركز تسويات في السويداء "خطوة متأخرة لاستعادة السطوة". وتابع: لم تعد للنظام قيمة لدى عموم السكان ما خلا أعضاء حزب البعث والعصابات المستفيدة من الفوضى المفتعلة للاتجار بالمخدرات أو تهريبها إلى دول الجوار.

نورس عزيز: النظام مصرّ على فرض التسويات في السويداء

ولم تشترط السلطة الأمنية على الراغبين بتسوية أوضاعهم تسليم أسلحتهم، كما لا تحتوي التسوية الحالية عرضاً خاصاً أو شروطاً معينة للفصائل المحلية، فهي استنساخ للتسوية السابقة، التي توقفت قبل أقل من شهرين.

ويحصل الراغب بالتسوية، بعد تقديم اسمه للجنة مختصة، على مهلة مدّتها ستة أشهر، في حال كان متخلفاً أو فاراً من الخدمة العسكرية، وعليه تسليم نفسه بعد انتهاء المهلة، وأداء الخدمة. 

وبحسب شبكة "السويداء 24" المحلية التي تنقل أخبار المحافظة والجنوب السوري، فإن اللجنة "تضم قاضي الفرد العسكري، ومندوبين عن الأفرع الأمنية في محافظة السويداء"، مشيرة إلى أن التسوية تشمل "الفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، إضافة إلى المطلوبين بقضايا أمنية، باستثناء المطلوبين الذين بحقهم ادعاءات شخصية".

اتفاق بين الدول لإجراء التسويات؟

ورأى الصحافي نورس عزيز (وهو من أبناء محافظة السويداء)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام كما يبدو مصرّ على فرض التسويات في محافظة السويداء"، مضيفاً: يبدو أن هناك اتفاقاً بين الدول ذات المصالح في الجنوب السوري على إجراء هذه التسويات كخطوة في طريق حل القضية السورية.

وتتميز السويداء عن باقي المحافظات السورية بكون غالبية سكانها من الدروز، وهو ما يعطيهم هامشاً واسعاً للتحرك الشعبي احتجاجاً على سياسة النظام، الذي منحها وضعاً أمنياً خاصاً منذ انطلاق الثورة في عام 2011، كي يبقي طائفة الموحدين الدروز خارج الصراع معه. 

وشهدت المحافظة منذ عام 2014 احتجاجات شعبية حاشدة، تدخلت فعاليات شعبية ودينية مرتبطة بالنظام لتطويقها. وفي فبراير/ شباط الماضي، ارتفع سقف المطالب من قبل المحتجين ليصل إلى أبعاد سياسية واضحة، إذ حمل المحتجون لافتات تدعو إلى بناء "وطن لكل السوريين"، وأخرى تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سورية. 

ووصف المتظاهرون في حينه النظام بـ"السلطة الفاشلة"، مشيرين إلى أنها "السبب في تدهور أحوال السوريين". وفي يوليو/ تموز الماضي، قضت عدة فصائل محلية، أبرزها "حركة رجال الكرامة"، على واحدة من أكبر العصابات المرتبطة بالأجهزة الأمنية بالسويداء، وهي ما يُسمّى بـ"قوات الفجر" التي كان يتزعمها راجي فلحوط، الذي كان يمتهن الخطف وتجارة المخدرات.

ووفق مصادر محلية، شكّل النظام على مدى سنوات عصابات لكسر إرادة أهالي السويداء، التي فضّلت الحياد في الحرب التي يشنها النظام على بقية السوريين، وهو ما استدعى التدخل من قبل الفصائل المحلية التي تعلن موقفاً معارضاً للنظام، لم يصل إلى حد الصدام العسكري المباشر مع قواته وأجهزته الأمنية. 

وكان تنظيم "داعش" قد هاجم ريف السويداء الشرقي، المتاخم للبادية السورية، في منتصف عام 2018، في حدث غير مسبوق أدى إلى مقتل وخطف المئات من المدنيين. ودلت شواهد أن الهجوم كان بتسهيل من النظام في خطوة عُدت محاولة لـ"تأديب" محافظة السويداء وإثارة الفزع في نفوس أهلها ودفعهم للوقوف معه.

المساهمون