تسليح أوكرانيا بـ"صواريخ توروس".. قشة عالقة بين ألمانيا وفرنسا في محرك قيادة أوروبا

19 مارس 2024
صواريخ توروس 350 هي الأحدث في الترسانة الألمانية بمدى 500 كيلومتر (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تجدد الخلافات بين ألمانيا وفرنسا حول تسليح أوكرانيا بصواريخ توروس، مع تشدد موقف الرئيس الفرنسي ماكرون ورفض المستشار الألماني شولتز، مما يثير قلق بعض الدول الأوروبية.
- بولندا تسعى للعب دور أكبر في السياسة الأوروبية وسط الخلافات، مع دعوة رئيس الحكومة توسك لـ"كلمات أقل وذخيرة أكثر"، موقف يتشاركه مع الأمين العام لحلف الناتو.
- التردد الألماني في تسليح أوكرانيا يعمق الانقسامات داخل أوروبا ويعرض القارة للخطر، مع انتقادات من سياسيين وخبراء وتغيير في التوازنات الاقتصادية والسياسية داخل الاتحاد الأوروبي.

تشعر بعض الدول الأوروبية بقلق حيال تجدد الخلافات بين ألمانيا وفرنسا حول تسليح أوكرانيا بـ"صواريخ توروس"، بينما يبدو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر تشدداً في الآونة الأخيرة مما كان عليه عند الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.

من القول: "يجب عدم إهانة روسيا"، إلى التهديد بوضع جنود أوروبيين في أوكرانيا، هكذا بدا التحول في خطاب ماكرون. في المقابل، أعرب المستشار الألماني، أولاف شولتز، رفضه لهذا الخطاب ولدعوات تزويد بلاده لكييف بـ"صواريخ توروس".

بولندا المستفيدة

وسط هذا الاختلاف بين طرفي ريادة الاتحاد الأوروبي تتزايد أدوار دول أخرى، مثل بولندا التي يريد لها رئيس الحكومة دونالد توسك مكانة بين كبيري القارة العجوز.

 فمشكلة أوروبا أنّ عليها "أن تظهر التضامن الحقيقي مع أوكرانيا"، كما كتب توسك. واعتبر أنه يجب أن يكون هناك "كلمات أقل وذخيرة أكثر"، وهو ما يعتقده الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ينس ستولتنبرغ، الذي صرّح الخميس الماضي بأن "حلفاء الأطلسي لا يزودون أوكرانيا بالذخيرة الكافية، وهذا له عواقب على ساحة المعركة كل يوم".

مسعى البولندي توسك لإحياء "مثلث فايمار" يستفيد من انزعاج البعض الأوروبي، كما في إسكندنافيا والشمال (فنلندا والسويد والدنمارك والنرويج وأيسلندا) وفي دول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا) ودول في شرق القارة ووسطها.

ومع أن برلين وباريس تُعتبَران في القارة الأوروبية "محرك قاطرة الاتحاد الأوروبي"، إلا أن اختلافهما على تسليح أوكرانيا يهدد بإصابة المحرك ببعض أضرار، بما يمنح وارسو، وغيرها، فرصة كسر احتكار ثنائية قيادة أوروبا منهما.

فلدى باريس اليوم فهم مختلف عن "التهديد الروسي"، وبمستوى أن "أمن أوروبا والفرنسيين على المحك في أوكرانيا"، وفق ماكرون، الذي يعتقد أنه "إذا انتصرت روسيا (في أوكرانيا)، فإن حياة الفرنسيين ستتغير وستنخفض صدقية أوروبا إلى الصفر".

تساءل ماكرون خلال مقابلة مع التلفزة الفرنسية، وأعاد الإليزيه نشرها: "من يصدق أن فلاديمير بوتين، الذي لم يحترم الحدود حتى الآن، سيتوقف عند هذا الحد؟". تساؤل تعرف وارسو أنه يشغل بال جاراتها في البلطيق و"دول الشمال" وغيرها، وخصوصاً أن شولتز لا يرى ما يراه ماكرون عن أن ما يجري "أمر وجودي لأوروبا"، مؤكداً أمام البرلمان (بوندستاغ) الأربعاء الماضي أن برلين لن تقبل الانخراط مباشرةً في الصراع.

وردّ ماكرون على انتقادات برلين بشأن ما تقدمه بلاده من مساعدات إلى أوكرانيا، معتبراً أنها مساعدات "تُحدث فرقاً". وشدد على أن ذلك يأتي على عكس "الخوذات وأكياس النوم من دول معينة"، في إشارة مبطنة إلى ألمانيا.

تسليح أوكرانيا بصواريخ توروس قشّة تعطيل

معضلة المستشار الألماني شولتز على مستوى قيادة بلده لأوروبا تتعمق مع تردده بإعطاء ضوء أخضر من أجل تسليح أوكرانيا بـ"صواريخ توروس"، بحيث تظهر القارة مرة أخرى منقسمة أمام روسيا، كما بدت قبل أن تقرر تزويدها بالدبابات الألمانية ثم طائرات أف 16 الأميركية.

صواريخ توروس 350، هي الأحدث في الترسانة الألمانية بمدى 500 كيلومتر بسرعة 1170 كيلومتراً في الساعة، وبشحنة متفجرة تزن 480 كيلوغراماً، وهي مناسبة لاستهداف المخابئ والأهداف المحصنة.

تخشى برلين استخدامها لضرب أهداف في شبه جزيرة القرم وفي غرب روسيا، بينما لا يشاطرها أوروبيون آخرون تلك الخشية، متذرعين بما قدمته بريطانيا وفرنسا من صواريخ ستورم شادو وسكالب.

تردد شولتز يعرّضه لحملة من قبل سياسيين وخبراء وباحثين أوروبيين، معتبرين أن "هذا النهج هو  الطريقة لجعل أوروبا أقل أماناً"، كما جاء في رسالة مفتوحة نُشرت في الصحافة الألمانية، ووقّع عليها عدد كبير من الخبراء، إلى جانب الرئيس الإستوني السابق توماس إلفيس ووزير خارجية لاتفيا أرتيس بابريكس ورئيسة مركز الحريات المدنية الأوكرانية الحائزة جائزة نوبل، أولكساندرا ماتفيتشوك.

حتى رئيس مؤتمر "ميونخ للأمن" فولفغانغ إيشينغر، اعتبر أن تلك السياسة "تجعل من روسيا وحدها قادرة على القصف بقدر ما تستطيع". وشددت الرسالة على أن سياسات شولتز "تخاطر بخسارة أوكرانيا للحرب، الأمر الذي سيشجع موسكو ويزيد من خطر نشوب حرب كبرى مع روسيا، بحيث تسقط الصواريخ (الروسية) على كولن بدلاً من كييف".

قلق بعض الدول الأوروبية من "أهداف روسيا بعد أوكرانيا"، الذي تزايد التصريح به في الفترة الأخيرة، يعبّر عن غياب الثقة بنتائج التعهد بـ"هزيمة روسيا" في أوكرانيا وعن بروز القارة غير موحدة.

ويتزامن تردد شولتز تجاه أوكرانيا مع تصريحات رئيس الكتلة البرلمانية لحزب شولتز (الاجتماعي الديمقراطي)، رولف موتزينيتش، عن ضرورة تجميد الحرب حتى "يتسنى إنهاؤها في وقت لاحق".

ذلك يُعيد إثارة الضبابية حول حقيقة موقف برلين. فحتى المتحدث باسم "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" للشؤون الخارجية، رودريش كيسفيتر، اعتبر أنّ تلك التصريحات "تضعف الأمن والصدقية الألمانية". وبالمثل، انتقدت زعيمة حزب الخضر ريكاردا لانغ التصريحات، قائلة إن على ألمانيا "أن تبتعد عن سياسة المصالحة الساذجة تجاه روسيا".

من جهته، قرأ محرر الشؤون الخارجية في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" نيكولاس بوس، بتشاؤم اجتماع الجمعة الماضية بين ماكرون وتوسك وشولتز، بالقول: "تقسيم العمل بين ألمانيا وفرنسا، الذي كان يجمع بين القوتين الرائدتين في القارة الأوروبية بعد إعادة توحيد ألمانيا، قد انهار".

واعتبر يوس أن "غزو بوتين أوكرانيا فضح السذاجة الاستراتيجية لبرلين وباريس، وأظهر حدودهما السياسية، والأسوأ من ذلك، حدودهما المالية".

ودخول بولندا على خط الثنائية الفرنسية-الألمانية يعني أنهما لم تعودا اللتين تديران زمام الأمور، وخصوصاً مع بروز تغيّر في التوازنات الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، وظهور وارسو كقوة تسبق حتى إيطاليا في الحضور القاري.

وكما كتب عالم السياسة الألماني من المعهد الألماني للعلاقات الدولية ستيفان مايستر في صحيفة لوموند هذا الشهر، فإن هذا يظهر أيضاً أزمة في مسألة القيادة في أوروبا. ويشير إلى أن البلدين توصلا إلى استنتاجات مختلفة للغاية من الحرب في أوكرانيا، وبينما تعتقد ألمانيا أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه الاستغناء عن الولايات المتحدة، ترى فرنسا أنه يتعين على أوروبا أن تتحرك لتصبح أكثر سيادة في ما يتعلق بالولايات المتحدة.

المساهمون