بالتزامن مع جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنطقة، شهد محور فيلادلفيا الفاصل بين قطاع غزة ومحافظة شمال سيناء شرقي مصر، توتراً ملحوظاً خلال الساعات الماضية.
وتمثل التسخين بغارات إسرائيلية كانت الأعنف في المنطقة منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث أغارت طائرات الاحتلال على المنطقة الفاصلة بين مصر والقطاع، ما أدى إلى سقوط شهداء ومصابين في صفوف النازحين، الذين باتوا يقطنون المنطقة الحدودية بعد تهجيرهم قسرياً من شمالي قطاع غزة.
وقالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن "انفجارات عنيفة هزّت المنطقة الحدودية على مدار ساعات أول من أمس الثلاثاء وحتى صباح أمس الأربعاء، نتيجة قصف جوي للمنطقة الحدودية، وسط حالة من الذعر والخوف في صفوف النازحين، الذين اتخذوا من هذه المنطقة ملاذاً لهم بعد تهجيرهم من مدنهم، وأن طائرات الاحتلال أغارت على المنطقة الحدودية أكثر من مرة على مدار الساعات الماضية".
رصدت الطوافات المصرية أماكن وقوع الغارات ومدى تأثيرها على الجدار الحدودي بين غزة ومصر
وأشارت المصادر إلى أن "القصف الجوي الاسرائيلي كان الأشد من بين الغارات التي استهدفت المنطقة الحدودية منذ بدء الحرب على غزة، حيث سمع دويها في مدن محافظة شمال سيناء بشكل واضح، خصوصاً أنها جاءت في ظل تزايد الحديث عن توغل بري إسرائيلي إلى مدينة رفح، وهو ما شكل قلقاً لدى أهالي سيناء من تبعات هذا التوغل على المنطقة الحدودية ورفح عموماً، في ظل التجاور الجغرافي والضغط السكاني الهائل في رفح الفلسطينية".
طوافات عسكرية مصرية فوق محور فيلادلفيا
وفي أعقاب ذلك، شوهدت طوافات عسكرية مصرية من نوع "أباتشي" تحلق في منطقة محور فيلادلفيا للمرة الأولى منذ أسابيع، حيث حلقت على طول المحور من ساحل البحر المتوسط وحتى الحدود عند معبر كرم أبو سالم.
وقال شهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن "تحليق الطوافات جاء بعد وقت قصير من شن إسرائيل غارات جوية متتالية على الحدود، حيث رصدت الطوافات أماكن وقوع الغارات ومدى تأثيرها على الجدار الحدودي بين غزة ومصر".
وبحسب مصادر خاصة تحدثت، لـ"العربي الجديد"، فإن الطلعات الجوية المصرية، بالطوافات، في المنطقة الحدودية بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، "جاءت في إطار عمليات التمشيط، بالتنسيق مع الاحتلال".
وتعمل قوات الجيش المصري على زيادة ارتفاع الجدران الإسمنتية الجديدة التي وضعتها مع بداية الحرب على قطاع غزة، في محاولة لمنع أي محاولات للفلسطينيين للنزوح باتجاه محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، في ظل الحديث الإسرائيلي المتزايد عن عملية عسكرية برية في مدينة رفح، تشمل محور فيلادلفيا الفاصل بين غزة وسيناء.
أسلاك شائكة أعلى الجدران الإسمنتية
ووفقاً لما جرى رصده، خلال الأيام القليلة الماضية، فإن فرقاً هندسية تابعة للقوات المسلحة المصرية، بدأت بوضع أسلاك شائكة أعلى الجدران الإسمنتية التي شيدتها مع بداية الحرب على غزة، لمنع أي إمكانية لنزوح فلسطيني باتجاه مصر، من خلال صعود الجدران الإسمنتية، في حال توغل الاحتلال الإسرائيلي باتجاه مدينة رفح الفلسطينية، التي يوجد فيها أكثر من مليون نازح، بخلاف سكان المدينة الأصليين.
وحول تزامن العمليات العسكرية في المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة، مع زيارة بلينكن للمنطقة، قال الكاتب والمحلل السياسي يوسف الشرقاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن العملية "خاضعة لقرار أميركي، نظراً لحساسية قرب رفح من الحدود المصرية".
وقال إن "المعركة محتملة، وغير مؤكدة في الوقت نفسه، لكنها تخضع لتفاهمات سرية مصرية ــ إسرائيلية، برعاية أميركية".
وأكد الشرقاوي أنه "حتى لو هجر سكان غزة إلى الشمال بدلاً من سيناء، ريثما يجري الانتهاء من معركة رفح، والتي لن تكون أقل قتلاً وتدميراً من باقي مناطق غزة، فإن مصر تتحمل مسؤولية ذلك تاريخياً وأخلاقياً وسياسياً، وكذلك السلطة الفلسطينية، التي تتحمل مسؤولية أكبر من مصر، لأنها صمتت على تواطؤ مصر".
زيارة بلينكن للمنطقة لن تغير موقف الإدارة الأميركية
وحول مسار المفاوضات الخاص بوقف إطلاق النار وتحرير الأسرى والرهائن، في ظل زيارة بلينكن، قال الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "موقف الإدارة الأميركية لن يغير فيه الكثير حضور بلينكن إلى المنطقة".
حسام شاكر: عقدة العقد هي الموقف الإسرائيلي الذي يفتقر إلى إرادة واضحة لتحقيق تقدم جوهري في المفاوضات
وأوضح أنه "إذا أرادت الإدارة الأميركية إحداث اختراق حقيقي في المفاوضات، فإن ذلك عنوانه الضغط على الجانب الإسرائيلي، بإلزام حكومة الحرب بأن تكون منفتحة على ما تعرضه غزة من خيارات وعلى ما يبحثه أيضاً الوسطاء من خيارات تفاوضية، فهذا هو عنوان زحزحة الموقف الحقيقي".
وأضاف شاكر: "في تقديري أن زيارة بلينكن، فيها بلا شك مزيد من الضغوط التي قد تمارس على الجانب الفلسطيني، ولكن عقدة العقد في تقديري، هي الموقف الإسرائيلي الذي يفتقر إلى إرادة واضحة لتحقيق تقدم جوهري في المفاوضات منذ بدء الحرب، والآن يتضح هذا الأمر أكثر، وهذا يعود إلى المعضلات الذاتية التي تعاني منها القيادة السياسية والعسكرية للاحتلال، بما فيها الخشية من أن تكون قد نزلت من على شجرتها التي حددتها ضمن أهداف الحرب".
من ناحيته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة مصر اليابان، سعيد صادق، لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة تقع في الضمانات التي تطلبها حماس، ويعجز نتنياهو عن تقديمها".
وأضاف أن "الكل حالياً منهك، وإدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن محرجة من استمرار الحرب وتوسعها، في عام انتخابي، ضد منافس قوي هو دونالد ترامب".
وتابع صادق: "بلينكن يتمنى أن تضغط مصر وقطر على حماس لتقديم تنازلات، تعتبرها حماس انتحارية"، مشدداً على أن "بلينكن لن يضغط كما ينبغي على إسرائيل، وحماس أيضاً لن تتراجع وتنتحر".