تزايد المخاوف على استقلال القضاء في تونس

30 أكتوبر 2021
تكررت دعوات سعيّد في الفترة الأخيرة للقضاء لأن يتحمل مسؤوليته التاريخية (Getty)
+ الخط -

أطلق الرئيس التونسي قيس سعيّد، يوم الخميس الماضي، مفاجأة جديدة بالإعلان عن إعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ما أثار مخاوف جدية.

وبحسب بيان للرئاسة التونسية، فقد "حثّ سعيّد القضاة الشرفاء على عدم التردّد في تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء، وعلى قدم المساواة، كما دعا المواطنين الصادقين إلى تطهير البلاد من كل من عبث بمقدّرات الدولة والشعب".

وتكررت، في الفترة الأخيرة، دعوات سعيّد القضاء لأن يتحمل "مسؤوليته التاريخية"، موجهاً اتهامات عديدة للقضاة، ومنتقدا "تباطؤ القضاء في إصدار أحكام سريعة لا تتطلب وقتا طويلا، ومعاملة المتقاضين بغير العدل، وتفضيل النافذين على المواطنين العاديين".

وجاء طلب قانون المجلس الأعلى للقضاء ليفجر مفاجأة كبيرة، ويسلط ضغطا جديدا على القضاة، ويزيد من المخاوف على استقلال السلطة القضائية.

"قضاة تونس" تشدد على تمسكها باستقلال السلطة القضائية

إلى ذلك، أصدر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، الخميس، بياناً شدد فيه على تمسكه بـ"استقلال السلطة القضائية بأصنافها، العدلي والإداري والمالي، وبهياكلها من هيئات حكمية ونيابة عمومية طبق الضمانات والمكتسبات الدستورية الواردة بالباب الخامس من الدستور".

وأكد البيان أيضا على "التمسك بالمكسب الديمقراطي للمجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة مستقلة لنظام الفصل بين السلطات والتوازن بينها، بما يضمن حسن سير القضاء واستقلاله، ويسهر على حماية الهيئات القضائية من الوقوع تحت أي ضغوطات أو تدخل في المسارات المهنية للقضاة، أو يضعف ويقوّض دورهم في مسؤولية حراسة الحقوق والحريات ودولة القانون، بالنزاهة والاستقلالية المستوجبة".

وأكد أن "مسار الإصلاح القضائي هو مشروع ممتد في الزمن، ولا يمكن أن يتحقق بإلغاء المكتسبات الدستورية لاستقلال القضاء، وإنما بالبناء عليها واستكمال نواقصها، وتقويم ما اعتراها من أوجه الخلل".

وأوضح أنه "باعتبار السلطة القضائية مكونا من مكونات النظام السياسي الجمهوري والديمقراطي، الذي يقوم على التفريق بين السلطات طبق الدستور، فإنه لا يمكن المساس بموقعه والتراجع عن مكتسبات استقلاله عن بقية السلطات التي خلصته من موقع الجهاز التابع للسلطة التنفيذية".

وقالت عضو جمعية القضاة التونسيين لمياء الماجري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مسألة مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء التي طرحها الرئيس سعيّد "لا تزال غير واضحة". 

وقالت الماجري إنه لم يتضح "ما إذا كان الأمر يتعلق بتنقيح المشروع القائم والصادر في 2016، أو صياغة قانون جديد، وهذه المسألة تثير الاستغراب، لأنه ما دام يوجد قانون، فلماذا الإعداد لقانون جديد". ولفتت إلى أن "طبيعة الفترة الاستثنائية لا توفر الظروف المناسبة لوضع قوانين أو تركيز مؤسسات". 

وأضافت أنه "من الممكن خلال هذه الفترة القيام بإصلاحات والنظر في المسائل المستعجلة ورفع العراقيل"، مشيرة إلى أنهم "ليسوا ضد الإصلاح والتنقيحات عند توفر الشروط الشكلية والجوهرية".

وأوضحت أن "من الشروط الشكلية ألا تكون التنقيحات في خلاف مع مقتضيات الباب الخامس من الدستور المتعلق باستقلال القضاء، ولا تكون أيضاً بصفة أحادية ومسقطة، وفي غرف منفردة، فالقضاء مسألة وطنية ولا مجال لتنقيحات يقوم بها أي شخص منفردا مهما كان".

وأفادت بأن "التنقيحات المستعجلة لا تتم إلا بالعمل التشاركي وبمشاركة أصحاب الشأن، والإصلاح يكون بمشاركة المجلس الأعلى للقضاء وأصحاب الشأن والهياكل الممثلة للقضاء، والقضاة أنفسهم، وكل المتدخلين في شأن العدالة".

وتابعت أن "الإصلاح لا يجب أن يمس مسائل جوهرية والتراجع عن مكتسبات القضاء، بل بتدعيم وإصلاح الهنات"، مشيرة إلى أنه "خلال هذه الفترة، لا يمكن تمرير قوانين كاملة وإصلاحات جوهرية، بل فقط النظر في المسائل المستعجلة".

وأوضحت أن "فترة الاستثناء تثير بطبيعتها المخاوف بسبب تعطل المؤسسات وتجمع السلطات بيد شخص واحد، ويؤمل أن يتفهم رئيس الجمهورية هذه المسائل، والذهاب في تطمينات وضمانات وفق سقف زمني محدد، وتكون الأعمال المقترحة لفترة محدودة وليست دائمة".

وأعرب الرئيس الشرفي لاتحاد القضاة الإداريين وليد الهلالي عن "الاستغراب من تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيّد وزيرة العدل بإعداد مشروع يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء".

وعبر الهلالي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية على هامش ملتقى نظمه، أمس الجمعة، اتحاد القضاة الإداريين، عن رفض القضاة الإداريين هذا التوجه الذي وصفه بـ"أحادي الجانب من رئيس الجمهورية"، واعتبره "إقصاء وخطوة إلى الوراء في مسار تشريك المجلس الأعلى للقضاء والهياكل المهنية القضائية وجمعية القضاة في كل ما يتعلق بالشأن القضائي"، مضيفاً أن "هذا التوجه يعد تدخلا مباشرا في السلطة القضائية ومسا باستقلاليتها".