تركيا لن تضرب "داعش" خشية من الطموحات الكردية بالاستقلال

09 أكتوبر 2014
حقق أردوغان هيمنة سياسيةّ لم تتحقّق منذ وفاة أتاتورك(الأناضول)
+ الخط -
يرى الكاتب مارك ألموند، أن التدخل العسكري التركي في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في شمال سورية، يشبه حلاً جميلاً للمعضلة التي ظلّ الغرب يعانيها في التعامل مع التهديد الذي طال مداه من الجهاديين الإرهابيين.

ويقول في مقال له، نشرته صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، اليوم الخميس، إنّه "في لندن وواشنطن، بل في العواصم الأوروبية كافة، نريد تدميراً لـ(داعش)، ولكن من دون أن تتسخ أقدامنا"، مضيفاً "وضع أحذية الجنود على الأرض من المحرّمات بالنسبة للرئيس باراك أوباما وديفيد كاميرون، ومن ثم كل الأنظار أصبحت تتجه إلى حليفنا القديم في أنقرة لحل المشكلة".

ويتساءل المؤرخ في جامعة أوكسفورد "هل كلّف قادتنا (التحالف الدولي) أنفسهم بالسؤال عما إذا كانت لدى تركيا مصلحة وطنية مباشرة في الاستقرار عبر حدودها؟ وما هو أكثر من ذلك بالنسبة لثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي؟".

ثم يتابع "تركيا قادرة، وبمنتهى السهولة، على توجيه ضربة قاتلة ضد (داعش)، فيما لا يمكن لشركائها الغربيين أداؤها من حيث تضاريس المنطقة، ومع ذلك ولأيام عدة، تصطف أرتال مهولة من الدبابات التركية على بعد بضع مئات من الأمتار، حيث يدور القتال المرير في بلدة عين العرب على الحدود السورية، تماماً مثلما فعلها رئيس الاتحاد السوفياتي الراحل جوزيف ستالين، حين حشد جيشه الأحمر خارج وارسو في 1944". ويرى أنّه "على الرغم من المناشدات المتكررة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لعمل شيء ما، فقد بقيت قوات أنقرة هي المتفرج على الأزمة".

ويشير ألموند، الذي كان استاذاً زائراً في جامعة بيلكنت في أنقرة، إلى أنّ "عين العرب مدينة كرديّة، وهذا هو لبّ الموضوع. وقد ظلّ الأكراد في كلّ من تركيا ومختلف أنحاء أوروبا، يطالبون بعمل شيء ما. وحدث أن تمت محاصرة البرلمان الهولندي من قبل المحتجين الأكراد (مما نتج عنها على الفور السماح لسلاح الجو الهولندي بالانضمام إلى هجمات الأطلسي في العراق). وفي الوقت نفسه، قُتل ما لا يقل عن 14 شخصاً من الأكراد في مواجهات مع الشرطة التركية. ومع ذلك لا تزال أنقرة تمضي الساعات منتظرة".

وفق ألموند، الأسباب واضحة بالنسبة لحلفاء تركيا في حلف الأطلسي. فإن "داعش" هو المشكلة، وتسليح الأكراد هو جزء من الحل. أما بالنسبة لتركيا، فإن الأمور تبدو غير ذلك، وفقاً للطموحات الكردية لإنشاء دولة، فإنّ ذلك يشكل تهديداً مميتاً. بل حتى خصوم الرئيس بشار الأسد في سورية من السنّة، لا يريدون رؤية دولة كرديّة مستقلة اقتطعت من أراضيهم. وفي الواقع أنه على الرغم من طول الفترة التي أمضتها تركيا عضواً في الأطلسي منذ عام 2002، فإنّ لدى تركيا الكثير من الأمور الأساسية التي لا تتفق فيها مع حلفائها الغربيين.

ويلفت الكاتب، إلى أنّ تركيا ظلّت ولمدة 12 عاماً، يحكمها حزب "العدالة والتنمية" صاحب الجذور الإسلامية، ولكنّها تميل صوب تيار العلمانية التي اجتاحت البلاد بعد إلغاء مصطفى أتاتورك الخلافة العثمانية قبل 90 عاماً. وللمفارقة، فمنذ أن انتخب رئيساً في أغسطس/ آب الماضي، حقق زعيم "العدالة والتنمية" رجب طيب أردوغان، من الهيمنة السياسية والصرامة ما لم يتحقّق منذ وفاة مؤسس تركيا العلمانية، أتاتورك، في عام 1938، على الرغم من أنّ أردوغان خصم لدود لمؤسس تركيا الحديثة.

ويتابع الكاتب في مقاله "منذ عام 2011، عندما بدأت الحرب الأهلية في سورية، دعا أردوغان، إلى سقوط الأسد، حليف العلويين من المسلمين الشيعة، والمدعوم من السوريين السنة الذين لا تربطهم علاقات مودة مع الأكراد المحليين. بالنسبة لأولئك الأكراد، كان طلب الرئيس التركي منهم بأن يخضعوا أنفسهم لحلفائه السنة في سورية، إذا كانت رغبتهم في ان يدفع الجيش التركي نحو الجنوب، طلباً غير مقبول".

وهم يدركون جيداً أن العنف الأصولي السنّي ضد الأكراد في سورية، كان قد بدأ قبل 2011، أما ما يفعله "داعش" اليوم تجاههم ببساطة فهو أمر مبالغ فيه.

ويهدف أردوغان، برأي ألموند، أساساً إلى النأي بتركيا الجديدة عن تورط الإمبراطورية العثمانية في أي مشكلة مع العرب والمسلمين. وقرر أن يتجه إلى أوروبا التي هي المستقبل في رأيه، وليذهب الماضي بشعاراته إلى غير رجعة. والآن فالعثمانية الجديدة هي الاسم الكبير لسياسة أردوغان الخارجية. وعلى الرغم من أن قادة حزب "العدالة والتنمية" في كل الأوقات ظلوا علناً موالين لطلب تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن الإغراء بالتضامن مع الحركات الدينية السنية من حركة "حماس" في غزة، إلى جماعة "الإخوان المسلمين" في كل من مصر وسورية، كان يسحبهم بشكل عاطفي أقوى، على حدّ تعبير ألموند.

ويلفت الكاتب إلى أن "ما يدعم كل ما يحدث من تعقيدات مطردة، حقيقة، هي الانقسامات الطائفية التي بدأت تثور بوحشية في كل من سورية والعراق، ويستفحل الأمر تحت السطح في تركيا أيضاً".

ويضيف أنه "على الرغم من أن العلماء يذكروننا بأنه لا ينبغي الخلط بين العلويين في تركيا وبين الطائفة العلوية الحاكمة في سورية، فإن حزب "العدالة والتنمية" ظلّ يرفض بشكل روتيني منتقدي أردوغان، بأنه يعادي كل من يعشق حكومة الأسد الطائفية، مما يخلق نوعاً من الارتباك المسموم. أما الأتراك من ذوي الخلفية العلوية، بمن فيهم العسكر، فهم يعتقدون بأن التدخل في سورية ضد أصوليي "داعش" شيء؛ والاندفاع عمقاً إلى دمشق ضد نظام الأسد العلوي شيء آخر تماماً".

يصف ألموند العرض التركي بالمغري، فالتدخل العسكري التركي، على حدّ اعتقاده، "قد يحلّ المشكلة مباشرة للغرب الذي يتجنب المزيد من الضحايا والإصابات، خصوصاً في بريطانيا والولايات المتحدة. ولكن أي إجراء تركي، في الواقع، سيكون من جانب واحد. فإن أنقرة، وليست واشنطن أو لندن، هي من سيحدد نتائج تلك الرقصة الدبلوماسية".

ولا يستبعد أن "تختفي مشكلة "داعش" تماماً تحت وطأة القوة العسكرية التركية الهائلة، لكنّ حفرة الثعبان في الشرق الأوسط التي تصدر المناكفات بين المتنافسين الآخرين المتربصين، سوف تبقى قائمة".

ويتابع، "على سبيل المثال هل ستكون إسرائيل سعيدة لرؤية حلفاء "حماس" وقد جُلبوا إلى السلطة في دمشق على يد القوات التركية؟".قد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت أردوغان، يبدو بطيئاً للعمل في سورية، وفق ألموند، لكن نظراً لإحساسه بالصبغة المسيحية للمهمة، الذي أمكنه بموجبه التغلب على كل العقبات حتى وصوله إلى قمة السلطة، فمن الأرجح أنه سوف يتّبع استراتيجية أخرى بغية المساومة مع الغرب.

ويرى أنّه، من "المؤكّد أنّ أردوغان سيصرّ على أن يبقى الأكراد ليس بلا دولة فحسب، بل أيضاً عزّل من أي سلاح"، مستنتجاً أنّه "من دون السماح بأن يغادر الأسد، ليحل بدلاً عنه حكم سني ليس أكثر مودّة للأكراد على الأقل، فإن أردوغان سيظل عنيداً تجاه رغبة الغرب في المشاركة".

ويدعو الكاتب قادة التحالف إلى أن "يكونوا واضحين حول هذه الصفقة. فالقفز حول إمكانية سحق "داعش"، وبسرعة، عبر أنقرة، سوف يبدو سبباً طيباً للاحتفاء به اليوم، لكن بعد نهاية الحفل، على أية حال، سوف نستيقظ مع صداع شرق أوسطي جديد". 
المساهمون