يسعى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، المرشح لانتخابات الرئاسة مجدداً العام المقبل، وأحد منافسيه على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، لجذب أصوات الإنجيليين المتدينين، المعروفين بـ"الإنجيليين البيض"، مع تقدم المنافسة بين المرشحين الجمهوريين قبل تمهيديات الحزب العام المقبل.
وإذا ما صدقت توقعات المتابعين، فإن الدفة تميل للفوز بأصوات الإنجيليين، لترامب، الذي عمل طوال 4 سنوات في البيت الأبيض، بين 2016 و2020، على تنفيذ أجندة محافظة بامتياز، وحصل في انتخابات 2020 على 81 في المائة من أصوات الإنجيليين البيض البروتستانت، بحسب إحصاء لوكالة أسوشييتد برس، مقابل 18 في المائة منهم صوّتوا لبايدن، رابع رئيس كاثوليكي في تاريخ الولايات المتحدة.
الإنجيليون... كتلة وازنة في الانتخابات الأميركية
وغالباً ما تقارن أصوات الإنجيليين الانتخابية في الولايات المتحدة، بأصوات 3 فئات أخرى: المواطنون من أصول أفريقية، والأميركيون من أصول لاتينية، وأصوات الاتحادات، أي المنضوين في اتحادات عمالية. وبينما لم ينجح ترامب في استمالة الشرائح الثلاث الأخيرة، بشكل كاف، ولا سيما الاتحادات العمالية التي تميل للتصويت للديمقراطيين، فإنه أبلى بلاء حسناً مع الإنجيليين.
لكن متابعين كثراً يرون أن تصويت الإنجيليين للملياردير الجمهوري في 2016 و2020، هو استكمال لنمط حافظوا عليه مع مرشحين جمهوريين آخرين (ميت رومني، جون ماكين، جورج دبليو بوش...) إذ إنّ أغلبهم سيصوت لأي مرشح جمهوري، فيما قد يحصل ترامب على نسبة أعلى من الآخرين.
شكّل الإنجيليون نحو 24% من الكتلة الناخبة في 2020
وبحسب استطلاع أجرته شبكات "سي أن أن" و"أي بي سي" و"أن بي سي" و"سي بي أس" مجتمعةً، مع انتهاء تصويت الانتخابات الرئاسية في 2020، فإنّ المسيحيين الإنجيليين شكّلوا 24 في المائة من الكتلة الناخبة، يليهم الناخبون من أصول أفريقية، و"اللاتينوس"، بنسبة 11 في المائة لكلّ منهما، وأولئك المنتمون للنقابات 18 في المائة. وبحسب استطلاع آخر أجرته شبكة "فوكس" و"أسوشييتد برس" وصحيفة "وول ستريت جورنال" مع انتهاء التصويت في ذلك العام، فإن الإنجيليين يشكّلون 20 في المائة من مجموع الناخبين.
وفي الحالتين، تعتبر هذه الكتلة وازنة بالمعيار الانتخابي، وهي تتشكل خصوصاً من البيض كبار السن، ويرى خبراء الانتخابات أنها ستلعب دوراً حاسماً في انتخابات 2024. ولهذا السبب، تتجه أعين ترامب وديسانتيس، إليها، وهو ما جعلهما يطلبان ودّها خلال تجمعين انتخابيين لكل منهما في واشنطن، أول من أمس الجمعة. وتحدث المرشحان الجمهوريان للرئاسة، أمام قمتين وطنيتين دعت إليهما مجموعتا "نساء أميركا القلقات"، و"مجلس أبحاث العائلة"، وهما مجموعتا ضغط إنجيليتان معارضتان للإجهاض.
ورقة الإجهاض وموقف ترامب
ودافع ديسانتيس، خلال تجمع "مجلس أبحاث العائلة"، عن سماحه للكنائس بالبقاء مفتوحة الأبواب خلال إجراءات الحظر المرتبطة بكوفيد-19، وقال حول ذلك: "لقد حمينا مؤسساتنا الدينية، حين سعت الكثير من الولايات المتحدة لملاحقة حقوق الناس في ممارسة إيمانها بحرية". كما روّج للقانون في ولايته الذي يمنع الإجهاض بعد 6 أسابيع، وهو القانون الأكثر تقييداً لحق الإجهاض في البلاد.
بدوره، تطرّق ترامب إلى مسألة الإجهاض، في التجمع الإنجيلي، قائلاً إنه يدعم حظر الإجهاض، ما عدا ذلك المرتبط بالاغتصاب وسفاح القربى ولحماية حياة الأم. واعتبر الرئيس السابق أن أي موقف أكثر تشدداً حيال الإجهاض، سوف يضرّ بالجمهوريين في الانتخابات المقبلة، لافتاً إلى أنهم "خسروا الكثير من الانتخابات، ولن ندع ذلك يحصل"، في إشارة إلى عدم قدرة الجمهوريين على إحداث "التسونامي" الذي تنبأوا له في الانتخابات النصفية للكونغرس العام الماضي، حيث كانت المحكمة العليا قد تراجعت في تلك الفترة عن قانون "رو ضد ويد" (1973)، الذي يحمي حق الإجهاض، بضغط جمهوري. وأثار ذلك امتعاض شرائح مجتمعية، منها النساء، ما صبّ لصالح الديمقراطيين.
اعتبر ترامب أن أي موقف أكثر تشدداً حيال الإجهاض، سوف يضرّ بالجمهوريين في الانتخابات المقبلة
ولم يدعم رئيس "مجلس أبحاث العائلة"، توني بركينز، ترامب في عام 2016 لترشيح الحزب، وعليه اليوم أن يختار المرشح الذي سيدعمه في انتخابات 2024. لكنه قدّم ترامب خلال التجمع أول من أمس، على أنه "الرجل الذي يقاتل ويكافح من أجل ما يؤمن به".
وحتى مع مطالبة ترامب بعدم التشدد في مسألة الإجهاض، فإنه لم يفقد سطوته على المحافظين. فقد حظي بحسب وكالة "رويترز"، بتصفيق حاد من الجمهور الحاضر، مضيفة أنه وفقاً لإحصاء لها مشترك مع شركة "إيسبوس"، فإن ترامب يتقدم بحدود 35 نقطة مئوية على ديسانتيس والمرشح الجمهوري من أصول هندية فيفيك راماسوامي، بين الإنجيليين.
وبحسب الوكالة، فإن هؤلاء يتمسكون بترامب، رغم أنه لا يتكلم بـ"لهجة إنجيلية"، ونادراً ما يقتبس من الإنجيل، كما أنه مطلّق مرتين ويواجه اتهامات قضائية، منها قضية رشوة ممثلة إباحية ومحاولته قلب نتائج الانتخابات. والكثير منهم يبقى ممنوناً له لأنه تمكن من إيصال 3 قضاة محافظين إلى المحكمة العليا، ما ساعدها على الانقلاب على قانون "رو ضد وايد". كما أنه في عام 2020، أصبح أول رئيس أميركي في المنصب يشارك في "مسيرة الحياة" السنوية في واشنطن، المعارضة للإجهاض. كما يروق ترامب لهذه الشريحة لمعارضته المثلية الجنسية.
من جهته، يراهن ديسانتيس، بحسب أشخاص مطلعين على استراتيجيته، تحدثوا لـ"رويترز"، على أنه باستطاعته القضم من حصة ترامب من الإنجيليين، إذا ما تمكن من استمالة أولئك المتعلمين منهم.
في غضون ذلك، حظي ترامب أيضاً بجرعة دعم من ولاية فلوريدا، المقيم فيها، إذ أن كبار المسؤولين في الحزب الجمهوري بالولاية، وتحت ضغط من أنصار ترامب، صوّتوا أخيراً لإزالة بند في قوانين الولاية، يطلب من أي مرشح لتمهيديات الحزب للرئاسة، أن يتعهد بدعم المرشح النهائي الذي سيختاره الحزب، وهو ما كان ترامب رفض الالتزام به.
وبحسب موقع "بوليتيكو"، فإن قرار مسؤولي الحزب، الانسحاب من "التعهد"، الذي تبنوه في مايو/أيار الماضي، لا يشكّل فقط انتصاراً لترامب، بل إشارة بأن قبضة ديسانتيس على الولاية لم تعد قوية جداً. وطالب أنصار ديسانتيس، ومن بينهم رئيس مجلس نواب الولاية، بول رينير، من مسؤولي الحزب في فلوريدا، الإبقاء على هذا "التعهد" لكن من دون فائدة.
(رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)