على الرغم من الجدل الدائر داخل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، حول ضرورة العمل على الحدّ من تأثير الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على مسار الحزب ونشاطه، إلا أن منتجع مارآلاغو في ولاية فلوريدا، وهو مقرّ ترامب الدائم بعد خسارته سعيه لولاية رئاسية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قد تحّول إلى ممر إلزامي لكل الطامحين السياسيين في الحزب المحافظ، حيث من المتوقع أن تصاغ هناك، عن قصد أو من دونه، الاستراتيجيات التي يفترض أن يعتمدها الجمهوريون لاستعادة مجلس الشيوخ، والسيطرة على مجلس النواب، في الانتخابات النصفية للكونغرس المقررة العام المقبل، والبيت الأبيض في 2024. هذا الأمر، كرّسه النشاط الاستثنائي الذي شهده المنتجع ومحيطه، الأسبوع الماضي، حيث وُلدت لجان حزبية لجمع التبرعات، عمودها الفقري شخصيات شديدة المحافظة، وتحظى بـ"بركة" ترامب.
وتكلل ذلك بتجمع لأكثر من 400 شخصية عامة من الحزب، بمن فيهم السياسيون، ضمن الاجتماع الأول الربيعي للجنة الحزب الوطنية لجمع التبرعات، والذي كان نجمه من دون منافس الرئيس الأميركي السابق. ولم يفصح ترامب صراحة عن قراره بخوض المنافسة الرئاسية مجدداً، إلا أنه سعى إلى طمأنة الجمهوريين بأن البيت الأبيض سيكون لهم بعد أربعة أعوام، كما أن سباق الانتخابات النصفية في 2022، سيصّب في صالحهم. وعدا عما أصبح عرفاً مكرساً بضرورة "الحج" إلى مارآلاغاو، فإن خلاصات عدة يمكن الخروج بها من فعاليات الأسبوع الماضي الجمهورية، وهي أن ترامب لم يحد قيد أنملة عن خطابه الشعبوي، وأنه مصمّم على تكريس نفسه زعيماً للحزب. وسلّط الاجتماع الضوء على ما اعتبره ترامب "تحالفاً جمهوريا"، من الممكن بناؤه، بين الحزب "الأصلي" والقاعدة المؤيدة لترامب. وبعيداً عن التأثير السياسي، فإن الرئيس السابق قد طوّع مارآلاغو ليصبح واحداً من ماكينة أعماله، التي تدر أرباحاً طائلة، في سمة لترامب الذي لطالما أدار السياسة بصفته رجل أعمال.
أصبح منتجع ترامب وولاية فلوريدا محجة للطامحين السياسيين في الحزب
وتعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أول من أمس السبت، بمساعدة الجمهوريين على الفوز بمقاعد في الكونغرس في عام 2022، من دون إخفاء غضبه ومرارته تجاه شخصيتين رئيسيتين في الحزب، هما زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، ونائب ترامب السابق، مايك بنس. وسرّب حاضرون لعشاء المانحين للجنة الوطنية الجمهورية، الذي أقيم في بالم بيتش في فلوريدا، وألقى خلاله ترامب كلمة، خرج فيها كثيراً عن النص المعدّ مسبقاً، توجيهه إهانة قوية لمكانويل، الذي وصفه بـ"ابن الساقطة"، وفق ما سرّب، وسط استمرار شعوره بالمرارة تجاه الأخير لإقراره بفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة.
واستعاد ترامب سرديته عن تزوير الانتخابات، مثنياً على الجمع الغفير من مؤيديه الذين حضروا مسيرة "أوقفوا سرقة الانتخابات" أمام البيت الأبيض، في يوم اجتماع الكونغرس للمصادقة على فوز بايدن في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، علماً أن المئات من هؤلاء كانوا انضموا لاحقاً إلى "غزوة" الكونغرس، في اليوم ذاته، والتي وصمت عهد ترامب، بسبب ما رافقها من هجوم غير مسبوق على مبنى الكابيتول وأعضائه، وخلّف خمسة قتلى. وأكد ترامب في كلمته أول من أمس، أنه تحادث مع بنس في وقت قريب، وأنه أعرب لنائبه السابق عن استمرار شعوره بالخيبة تجاهه بعدما أجاز عقد الجلسة العامة للمصادقة على فوز بايدن.
وإذا ما وضع "العتب" جانباً، فإن ترامب سعى خلال المناسبة لإظهار نفسه كـ"صانع الملوك" داخل الحزب الجمهوري، من دون الإدلاء بأي إشارة تظهر رغبته في المنافسة الرئاسية مجدداً، علماً أن عدداً من الحاضرين، هم مرشحون محتملون لرئاسيات 2024، ومنهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وحاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس، وحاكم ولاية داكوتا الجنوبية كريستي نوم، والسيناتور عن أركنساس توم كوتون.
وقال ترامب أمام مئات الحاضرين، إنه يرغب بـ"الحديث عن مستقبل الحزب الجمهوري، وما يجب فعله لوضع مرشحينا على سكّة الفوز". وأضاف الرئيس السابق: "أنا أقف أمامكم في هذه الأمسية، مليئاً بالثقة بأننا في 2022، سنستعيد مجلسي النواب والشيوخ، ولاحقاً في 2024، سيفوز مرشح جمهوري بالبيت الأبيض". وبحسب ما سرّبه حاضرون للاجتماع، للإعلام المحلي، فإن ترامب يعتبر أن سياسة الهجرة الفوضوية التي يدير بها الحزب الديمقراطي أزمة الحدود مع المكسيك، وهي السياسة التي أثارت أخيراً امتعاضاً في الكونغرس، واعتبرت أول اختبار داخلي فعلي لإدارة بايدن، وحدها كفيلة بإسقاط الحزب الأزرق في الانتخابات النصفية المقبلة.
وأعاد ترامب هجومه على بايدن، منتقداً عدم توجه الأخير إلى حضور جلسة مشتركة بعد للكونغرس وإلقاء كلمة فيها كما جرت العادة بعد أسابيع قليلة من وصول أي رئيس للبيت الأبيض. كما سمّى الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، بـ"باراك حسين أوباما". وعلى الرغم من فوز بايدن بملايين الأصوات الإضافية عن ترامب، إلا أن الأخير أثبت أنه قادر على استقطاب أصوات مهمة لدى اللاتينيين والجاليات من أصول أفريقية، لا سيما في تكساس وفلوريدا. ومستنداً إلى ذلك، قال ترامب السبت إن "الحزب الجمهوري سينجح، وسيكبر في المستقبل، كزعيم لطبقة العمّال الأميركيين".
لكن ترامب أكد أنه من الضروري أيضاً "البناء على نجاحات حركتنا الرائعة خلال السنوات الأربع الماضية"، في إشارة إلى أن جزءاً كبيراً من الذين صوتوا للحزب العام الماضي، هم من مؤيديه هو، والمؤمنين بأجندته الشعبوية المحافظة، والتي تحاكي هواجس البيض الأميركيين في الأرياف، ومنهم المتطرفون اليمينيون. وقال ترامب إنه "في ظلّ قيادتنا، استقبلنا ملايين ثم ملايين الناخبين الجدد في التحالف الجمهوري. لقد حوّلنا الحزب إلى حزب يقاتل حقيقة من أجل جميع الأميركيين"، متناسياً أن نقطة سوداء أخرى وصمت عهده، وهي جعل نفسه في موقع الضدّ مع شريحة واسعة من الأميركيين كانت خرجت في حراك للدفاع عن حقوق الأقليات في البلاد. وتحدث في الاجتماع أيضاً، كلّ من زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن ماكارثي، والسيناتوران ريك سكوت وماركو روبيو.
وجّه ترامب إهانة قوية لميتش ماكونيل، وأبدى مجدداً خيبته من مايك بنس
وكان ترامب قد أمضى الشهرين ونصف الشهر الماضيين تقريباً، منذ خروجه من واشنطن، في دراسة طلبات دعم من مرشحين لانتخابات الكونغرس النصفية العام المقبل، وذلك بناء على تأييدهم له ولأجندته. ورأى مستشار ترامب، جاسون ميلر، إن "بالم بيتش أصبحت مركز القوة السياسي، والرئيس ترامب هو أفضل من يوصل رسالة الحزب".
وعلى الرغم من أن جناحاً داخل الحزب الجمهوري، لا يزال يأمل في تخطي حقبة ترامب، كما أن استمرار التزام ترامب بالحزب ليس أكيداً، مع إعلانه سابقاً رغبة بتأسيس حزب جديد، إلا أن اختيار فلوريدا كمكان للاجتماع، يشي بأن الحزب الجمهوري، ليس جاهزاً بعد لاستبدال ترامب كزعيم له، وكشخصية هي الأكثر قدرة على جمع التمويل للحزب المحافظ. في المقابل، فإن ترامب يواصل جمع الأموال لرفد طموحاته السياسية، عبر لجنته السياسية الخاصة التي أنشأها، كما يواصل التهجم على منتقديه السياسيين الجمهوريين. إلا أن ذلك لم يمنع الحضور أول من أمس، من دفع 100 ألف دولار عن كل واحد منهم، للمشاركة في الاجتماع، بحسب صحيفة "ذا غارديان". من جهته، أشار موقع "هافنغتن بوست" إلى أنه من الممكن أن يكون الرئيس السابق قد حصل على ربع مليون دولار، فقط لإلقائه خطاب اجتماع المانحين في مارآلاغو. وقال جو وولش، وهو عضو جمهوري سابق في الكونغرس، وتحدى ترامب في 2019 لمنافسته في رئاسيات 2020، ثم انسحب، للموقع: "لكي تنجح وتبلي بلاء حسناً في الحزب الجمهوري، عليك أن تسجد أمام الملك. سيكون ذلك هو الوضع، أقلّه حتى عام 2024، أو ربما طالما الملك لا يزال حيّاً".