استمع إلى الملخص
- أثار القانون جدلاً بين المنظمات الحقوقية بسبب مخاوف من التضييق على حق اللجوء، وعدم وضوح الإجراءات، وإمكانية ترحيل اللاجئين إلى دول غير آمنة، وغياب الإشارة إلى استقبال طالب اللجوء السياسي.
- ترى الحكومة أن القانون يهدف لتحقيق التوازن بين حماية حقوق اللاجئين وضمان الأمن القومي، بينما يشير النقاد إلى ثغرات قانونية تحتاج إلى توضيح، وسط مخاوف من استخدام ملف اللاجئين كأداة للمقايضة مع أوروبا.
يناقش مجلس النواب المصري حالياً مشروع قانون جديد لتنظيم أوضاع اللاجئين في مصر في خطوة تهدف إلى وضع إطار قانوني متكامل للتعامل مع التدفقات المتزايدة للاجئين الذين يصلون إلى مصر بسبب النزاعات الإقليمية. ويأتي هذا المشروع في ظل تحديات إنسانية وأمنية متفاقمة على الحدود الشرقية مع غزة والجنوبية مع السودان، وسط تساؤلات حول أهدافه الحقيقية، بما في ذلك علاقته بالحصول على تمويلات دولية.
ويتضمن مشروع القانون بنوداً تنظم طلبات اللجوء وتحدد الفئات المستحقة له، مع إنشاء هيئة وطنية مختصة لإدارة شؤون اللاجئين في مصر والتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ووفق القانون، تكون "اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين"، الجهة المعنية بشؤون اللاجئين، وتتولى الفصل في طلب اللجوء خلال ستة أشهر من تاريخ تقديمه إذا كان طالب اللجوء قد دخل إلى البلاد بطريق مشروع، أما في حالة دخوله بطريق غير مشروع فتكون مدة الفصل في الطلب سنة من تاريخ تقديمه. وفي حال رفض الطلب، تطلب اللجنة من الوزارة المختصة إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد. وبحسب القانون، يكون للجنة المختصة، إلى حين الفصل في طلب اللجوء، طلب اتخاذ ما تراه من تدابير وإجراءات لازمة تجاه طالب اللجوء لاعتبارات حماية الأمن القومي والنظام العام. كما ينص القانون على أنه لا يكتسب طالب اللجوء وصف اللاجئ في حال "توافرت بحقه أسباب جدية للاعتقاد بأنه ارتكب جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب"، و"إذا ارتكب جريمة جسيمة قبل دخوله مصر"، و"إذا ارتكب أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة"، و"إذا كان مدرجاً على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين داخل مصر"، و"إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام". كما يعطي القانون اللجنة المختصة "في زمن الحرب أو في إطار اتخاذ التدابير المقررة قانوناً لمكافحة الإرهاب، أو بحال وقوع ظروف خطيرة أو استثنائية، طلب اتخاذ ما تراه من تدابير وإجراءات لازمة تجاه اللاجئ لاعتبارات حماية الأمن القومي والنظام العام، وذلك على النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
كما ينص على أنه "يجوز للجنة المختصة بالتنسيق مع الجهات الدولية المختصة إعادة توطين اللاجئ في دولة أخرى بخلاف التي خرج منها". وفي إحدى فقرات القانون، ينص على أنه "ومع مراعاة أحكام قانون العمل، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم أو آوى طالب اللجوء، بغير إخطار قسم الشرطة المختص الذي يقع في دائرته محل العمل أو الإيواء، متى ثبت علمه بذلك". ويُحظر القانون "على اللاجئ مباشرة أي عمل سياسي أو حزبي أو أي عمل داخل النقابات، أو التأسيس أو الانضمام أو المشاركة بأي صورة في أي من الأحزاب".
وتأتي مناقشة مشروع القانون في وقت تشهد فيه مصر تصاعداً في التحديات على حدودها، ما يضيف بعداً أمنياً وإنسانياً للمشروع، فعلى الحدود الشرقية مع قطاع غزة، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين هناك، تواجه مصر احتمالات نزوح أعداد كبيرة من الفلسطينيين عبر معبر رفح، مما يتطلب إطاراً قانونياً يضمن تنظيم تدفق اللاجئين وحماية الأمن القومي. وعلى الحدود الجنوبية، أدى النزاع المستمر في السودان إلى نزوح مئات الآلاف إلى مصر.
قانون تنظيم أوضاع اللاجئين في مصر والتمويل الدولي
وتقدر المؤسسات والهيئات الدولية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر بحوالي 300 ألف شخص مسجلين رسمياً لدى المفوضية، وفقاً لإحصاءات حديثة. أما السلطات المصرية، فغالباً ما تشير إلى أرقام أكبر بكثير، وتقدّر أعداد اللاجئين والمهاجرين المقيمين في مصر بنحو 6 إلى 9 ملايين شخص، وتشمل هذه الأرقام أشخاصاً من جنسيات مختلفة يعيشون في مصر بطرق نظامية وغير نظامية، ولا يقتصر التقدير على اللاجئين المسجلين، بل يشمل أيضا مهاجرين اقتصاديين وغيرهم ممن فروا من النزاعات أو الظروف الاقتصادية الصعبة.
اعتراضات حقوقية
وأثار مشروع القانون جدلاً واسعاً بين المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، التي أبدت عدة تحفظات، أولها: التضييق على حق اللجوء، حيث تخشى منظمات أن يفرض القانون قيوداً صارمة على اللاجئين، مما قد يؤدي إلى انتهاك الالتزامات الدولية لمصر بموجب اتفاقية 1951. وعدم وضوح الإجراءات، إذ يشير النقاد إلى غياب تفاصيل كافية حول آليات تقديم الطلبات وفترة البت فيها، مما يعرض اللاجئين لمخاطر الإقامة غير القانونية. وأعربت منظمات عن قلقها من إمكانية ترحيل اللاجئين إلى دول يواجهون فيها تهديدات خطيرة، في مخالفة لمبدأ عدم الإعادة القسرية. كما يرى المنتقدون أن القانون لا يضمن توفير الخدمات الأساسية للاجئين، مثل التعليم والرعاية الصحية، بشكل كافٍ.
وانتقد المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر، نور خليل، مشروع قانون لجوء الأجانب الذي يناقشه البرلمان المصري حالياً، واصفاً إياه بأنه يمثل انتهاكاً للدستور المصري والالتزامات الدولية. وأكد أن القانون يهدد حياة مئات الآلاف من اللاجئين، ويشرعن انتهاكات واسعة تحت غطاء تشريعي غير دستوري. وقال خليل في تصريح لـ"العربي الجديد": "مشروع القانون يتعارض تماماً مع الدستور المصري ومع الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر. إقراره بهذا الشكل سيتسبب في انتهاكات جسيمة تفوق بكثير تلك التي كانت تحدث في الماضي، وسيمنح غطاء قانونياً لهذه الانتهاكات". وأوضح أن الدفع بهذا القانون يعكس اهتماماً أوروبياً واضحاً، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي لجعل مصر بلداً آمناً يمكن إعادة اللاجئين غير المصريين إليه. وأضاف: "القانون سيُطبّق على جميع الأجانب، بمن في ذلك الفلسطينيون، وهو مقترح طالما رفضته مصر لأسباب أمنية، لكن تمت الموافقة عليه الآن في ظل ضغوط غير معلنة".
نور خليل: القانون يهدد حياة مئات الآلاف من اللاجئين، ويشرعن انتهاكات واسعة تحت غطاء تشريعي غير دستوري
من جهته، رأى الناشط السياسي رامي شعث في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحكومة المصرية تضخّم أعداد اللاجئين وتغذي مشاعر عدائية ضدهم بهدف تأليب السكان المحليين، مما يمنحها ذريعة للحصول على أموال من الخارج، خصوصاً من الدول الغربية والأوروبية. وأوضح شعث أن الحكومة تروج لفكرة أنها "خط الدفاع الأول" أمام تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وتظهر نفسها على أنها دولة تستوعبهم بدلاً من تركهم يهاجرون بحراً إلى أوروبا. وعبّر عن مخاوفه من وجود رغبة إسرائيلية-أميركية في ترحيل الفلسطينيين، من غزة والضفة الغربية، إلى دول مثل مصر، بهدف تمكين إسرائيل من السيطرة الكاملة على هذه المناطق في جزء من مخططها التوسعي.
بدوره، لفت المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأزمة الأساسية التي تواجه مصر في ملف اللاجئين ليست أمنية، بل اقتصادية بالدرجة الأولى. وأوضح أن اللاجئين والمواطنين يتشاركون في الاستفادة من الدعم الحكومي والخدمات العامة، مما يرهق الميزانية العامة للدولة. وأكد أن أي دعم تحصل عليه مصر من الأمم المتحدة أو المفوضية السامية للاجئين هو حق للاجئين لكنه غير كافٍ لتخفيف العبء الاقتصادي. واعتبر أن ملف اللاجئين في مصر يتطلب تنظيماً قانونياً وسياسياً شاملاً يأخذ في الاعتبار البعد الإنساني والاقتصادي، مع معالجة القضايا المتعلقة بالجنسيات بشكل أكثر حذراً لضمان تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية وحقوق اللاجئين.
علاء الخيام: القانون ينطوي على العديد من الثغرات القانونية التي تضر بحقوق اللاجئين
من جهته، قال منسق تيار الأمل، علاء الخيام، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن مشروع قانون لجوء الأجانب المقدّم من الحكومة لا يتناسب مع التزامات مصر الإنسانية والدولية، وينطوي على العديد من الثغرات القانونية التي تضر بحقوق اللاجئين في البلاد. وانتقد القانون بسبب غيابه عن الإشارة إلى استقبال طالب اللجوء السياسي، وهو أمر حيوي في حماية الحقوق الإنسانية. وأضاف: "القانون يمنع من لجأ إلى مصر من ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، وهو ما يعكس تقييداً لحقوق الإنسان الأساسية". واتهم الخيام الحكومة المصرية باستخدام ملف اللاجئين أداة للمقايضة مع أوروبا، حيث يتم منع تدفق اللاجئين إلى القارة في مقابل دعم مادي وربما سياسي، بدون النظر لمتطلبات اللاجئين واحتياجاتهم الحقيقية.
رد الحكومة المصرية
وتؤكد الحكومة أن القانون يهدف إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق اللاجئين وضمان الأمن القومي، مع الالتزام بالمعايير الدولية. وتشير إلى أن القانون يوفر إطاراً قانونياً واضحاً لمعالجة التحديات المتزايدة التي تواجهها مصر بسبب الأزمات الإقليمية.
محمد أنور السادات: القانون لا يحدد بشكل دقيق كيفية التعامل مع طالب اللجوء السياسي
لكن رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، قال في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن مشروع القانون يحتوي على بعض الثغرات القانونية التي تحتاج إلى مزيد من التوضيح. ولفت إلى أن القانون لا يحدد بشكل دقيق كيفية التعامل مع طالب اللجوء السياسي، وهو أمر بالغ الأهمية، وقال: "يجب ألا يكون هناك تفرقة بين اللاجئين على أساس الوضع القانوني أو الظروف التي جاءوا منها. هذه مسألة حيوية". وأعرب السادات عن قلقه بشأن غياب الآليات الواضحة لإدارة ملف اللاجئين في القانون، لا سيما فيما يتعلق بإنشاء وحدة أو كيان مختص يتعامل مع أوضاع اللاجئين، وكيفية تقنين أوضاعهم. وقال: "لا يوجد وضوح حول كيفية إنشاء هذا الكيان أو كيفية التعامل مع حالات اللاجئين". كما أشار إلى أن القانون يمنح الحكومة صلاحيات واسعة قد تشمل ترحيل اللاجئين الذين يتم رفض طلباتهم، حتى في حالات الاضطهاد أو النزاعات المسلحة، واصفا ذلك بـ"الأمر الذي قد يتسبب في تعقيدات إنسانية كبيرة".