تدمير ممنهج للأحياء السكنية في غزة.. إطالة أمد الإعمار وابتزاز الفلسطينيين

20 يناير 2024
وُجدت بعض الأحياء كومة ركام وحطام (أشرف عمرة/علي جاد الله/الأناضول)
+ الخط -

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تظهر يومياً ملامح التدمير الممنهج في البنية التحتية والمربعات السكنية والأحياء، على نحو لم يكن من ذي قبل في أي حرب أو عدوان إسرائيلي، وبكثافة توحي بأن إسرائيل ترغب في تعقيد الحياة في القطاع المحاصر عندما تنتهي الحرب، ولإطالة أمد الإعمار واستخدام الملف كأداة ابتزاز للفلسطينيين.

ومنذ اليوم الأول للحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ظهرت ملامح هذا التدمير، لكنها أخذت مع أيام العدوان التي تخطت المائة بعداً أكبر لجهة التدمير وزيادة أعداد المناطق والأحياء السكنية التي تدمرها آلة الحرب الإسرائيلية وتمحوها عن الوجود، وكأن غزة عادت للعصر الحجري، كما هدد الإسرائيليون أكثر من مرة لبنان.

ويظهر ملمح التدمير الممنهج في كل منطقة تتوغل فيها إسرائيل برياً، ولم يكن هذا التدمير بقصف استهدف بنية المقاومة تحت الأرض، لكن من خلال استهداف ما هو فوق الأرض في الغالب، حتى المنازل التي يستخدمها جيش الاحتلال كمواقع عسكرية، أو كمبيت لجنوده، أو لاستخداماتهم، يتم تفجيرها بعد الخروج منها، وفق شهادات متعددة حصل عليها "العربي الجديد".

وتظهر شهادات وصور وفيديوهات ومشاهد حية، حجم الدمار غير المسبوق والهائل في المناطق الغربية من مدينة غزة ومحافظة الشمال. حتى أن الأحياء التي انسحبت منها إسرائيل في الأيام الأخيرة في المناطق الشمالية وتمكّن أهلها من العودة إليها، وُجدت كومة ركام وحطام، على الرغم من أنها كانت بحالة أفضل خلال تواجد جيش الاحتلال في المكان، ما يعني أن التدمير حديث الوقت، ووقع بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية هناك.

ومنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر، تشير تقديرات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إلى أن هناك نحو 280 مربعاً سكنياً تم تدميره بشكل كامل في قطاع غزة، ما يعني أن إسرائيل دمرت 75 ألف وحدة سكنية تدميراً كاملاً، ونحو 200 ألف وحدة سكنية تم تدميرها بشكل "جوهري"، أي لا تصلح للسكن فيما بعد.

وبينما تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في عمليتها العسكرية العنيفة في خانيونس جنوبي قطاع غزة، مسقط رأس قائد "حماس" في القطاع يحيى السنوار، المتهم إسرائيلياً بالمسؤولية المباشرة عن عملية "طوفان الأقصى"، كانت ملامح التدمير الممنهج للأحياء والبنية التحتية والمنازل ملاحظة بشكل ملفت للنظر.

ومنذ 12 الشهر الجاري وحتى 18 منه، دمّرت إسرائيل 22 مربعاً سكنياً بشكل كامل في أحياء وسط خانيونس، وبني سهيلا، وحورة اللوت، ومعن، وبطن السمين، كما نسفت 4 مربعات سكنية في المحافظة الوسطى من القطاع، ما يعني أنّ قرابة 6 آلاف وحدة سكنية دُمّرت كلياً أو جزئياً، وفق توثيق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

وتظهر هذه الإحصائيات، والتي تبقى أولية لحين انجلاء غبار الحرب والقدرة على توثيق دقيق للتدمير، أنّ سياسة إسرائيل لإيلام الفلسطينيين وابتزازهم لم تتغير بل توسعت في هذه الحرب، وأن مشاهد الدمار ستتواصل حتى تنتهي الحرب.

وبينما يقول الفلسطينيون إنّ ما يجري من قبل إسرائيل لجهة التدمير الممنهج للأحياء السكنية ومحوها "عقاب جماعي يستدعي تحركات قانونية دولية"، يتفاخر جنود الاحتلال الإسرائيلي في تصوير وبث مقاطع لعمليات تفجير المنازل، والمؤسسات، والأعيان المدنية الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي.

آخر هذه المشاهد التي بثها جنود جيش الاحتلال على وسائل التواصل، ظهرت فيها جامعة الإسراء وسط قطاع غزة بمبانيها المميزة والفاخرة، وقد تحولت في ثوانٍ معدودة نتيجة التفجير الإسرائيلي لمبانيها إلى حطام وركام. وقبل ذلك، ظهرت أحياء وسط وشرق مدينة خانيونس وقد تعرضت لنفس الأمر، تفخيخ المباني ومن ثم تفجيرها تحت عدسات الجنود الإسرائيليين الذين يتفاخرون بـ"إنجازهم".

ويشير رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ سياسة إسرائيل في تدمير الأحياء السكنية وهدم منازل المدنيين الذي يظهر بشكل واضح وجلي في هذه الحرب على قطاع غزة، "يُعدّ عقاباً جماعياً لسكان قطاع غزة، وهو ما ينتهك القانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنصّ على حظر العقوبات الجماعية، وكلّ تدابير التهديد وتدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم".

ويوضح عبده أنّ التدمير الذي تقوم به إسرائيل منذ بدء حربها على قطاع غزة لا يمكن تبريره بضرورات حربية، إذ يظهر أنه متعمد لترسيخ آلام الفلسطينيين، ودفعهم للهجرة والبحث عن حياة أفضل، خاصة أن الإعمار في الحروب السابقة لم يكن سهلاً، وخضع لعشرات الاشتراطات والإعاقة والتأخير، ما يعطي ملمحاً لكيفية تفكير المسؤولين الإسرائيليين الذين يعطون أوامر التدمير الممنهج.

المساهمون