تخوفات فلسطينية من بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى

05 سبتمبر 2024
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في 13 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

أدى مستوطنون أمس السجود الملحمي عند باب مصلى الرحمة دون رادع

الشيخ عكرمة صبري: تدنيس الأقصى بذكرى خراب الهيكل تصعيد خطير

وزارة التراث الإسرائيلية أعلنت أنها ستموّل اقتحامات المستوطنين

يخشى الفلسطينيون، وفي مقدمتهم المرجعيات الدينية الإسلامية ومجلس الأوقاف في القدس، من أن تكون تحركات المستوطنين بشأن بناء كنيس يهودي في المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك، قد بدأت تأخذ منحنى جدياً في الأيام الأخيرة. وبدأت تلك التحركات تظهر بوضوح، أمس الأربعاء، عندما أسس المستوطنون في ذكرى ما يسمى بخراب الهيكل لإقامة كنيس لهم في المنطقة الشرقية للمسجد الأقصى تتاخم مصلى باب الرحمة الشهير الذي فجر قبل سنوات هبة في صفوف المقدسيين، وانتفضوا خلالها على محاولات الاحتلال الإسرائيلي الاستيلاء عليه.

ويرى متابعون في القدس المحتلة، ومن بينهم مسؤولون في الأوقاف، أن ما جرى أمس وعلى امتداد شهر أغسطس/ آب المنصرم، يؤكد مخاوفهم، حيث بات مشهد مئات المقتحمين يؤدون السجود الملحمي في تلك المنطقة المستهدفة ويقيمون حلقات الرقص والغناء الهستيري فيها حدثاً يتم دون رادع وبحماية شرطة الاحتلال، التي باتت تمنع حراس الأقصى من مرافقة المقتحمين خلال اقتحاماتهم وصلواتهم التلمودية، وتمنع دخول المصلين للمسجد خلال تلك الاقتحامات، وتلاحق خطباء المساجد وأئمتها، كما حدث مع الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس.

وأكد الشيخ عكرمة صبري، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "ما يحدث هذه الأيام من تدنيس للمسجد الأقصى، كما رأينا منذ احتفالاتهم الأخيرة بذكرى خراب الهيكل، إنما هو تصعيد خطير مهدت له الاقتحامات الاستفزازية للمسجد من قبل وزيري الأمن القومي والتراث الإسرائيليين (إيتمار بن غفير وعميحاي إلياهو)، وتمويل هذه الاقتحامات". وتابع صبري: "في نظرنا كل ما يقومون به مرفوض، ولن يؤسس لهم أي حق. الأقصى بساحاته ومساجده وأروقته وقبابه مسجد إسلامي لا ينازع المسلمين أحد عليه، ومع ذلك نحن ندق ناقوس الخطر إزاء كل ما جرى اليوم وما سيجري غداً، وعلى قادة الأمة وشعوبها أن يعوا الأخطار التي تحيط بالأقصى".

وقال أحد مساعدي الشيخ عزام الخطيب، مدير المسجد الأقصى، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما يجري أمام أعيننا خطير جداً"، موضحاً أنه خلال اقتحامات أمس الأربعاء "نفخ أحد الحاخامات بالبوق داخل ساحات المسجد دون أن تحرّك شرطة الاحتلال ساكناً لمنعه، ولم يكتفوا بذلك بل أدخلوا تحت ملابسهم سعف نخيل ورقصوا بها قرب مصلى باب الرحمة، بينما استدعت شرطة الاحتلال العديد من حراس المسجد الأقصى وطلبت قوائم بأسمائهم ومواقيت دوامهم ومناوباتهم". وأكد المسؤول ذاته أنّ "هذا لم يحدث في السابق وهو خطير جداً"، متسائلاً: "هل نستيقظ ذات يوم لنراهم أقاموا كنيسهم الذي وعدهم به وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير؟".

وكتب الصحافي في صحيفة هآرتس العبرية نير حسون، أمس الأربعاء، على منصة إكس، أنّ "ما يحدث على الجبل منذ التاسع من أغسطس/ آب (ذكرى ما يسمى بخراب الهيكل) هو انتصار كبير لنشطاء الهيكل الذين حصلوا بالفعل على كنيس كامل في جبل الهيكل (المسجد الأقصى) لكن بدون سقف: صلاة عامة، غناء، رقص، وفرح حقيقي بالوقت الرائع الذي يقضونه".

وفي 26 أغسطس/ آب الماضي، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، لـ"إذاعة الجيش الإسرائيلي"، إنه كان ينوي إقامة كنيس يهودي بالمسجد الأقصى، مدعياً أنّ القانون بإسرائيل "يساوي بين حقوق المسلمين واليهود في إقامة الصلوات" هناك. وكان بن غفير قد أعلن، الشهر الماضي، السماح لليهود بأداء الصلوات بالمسجد. وفي الشهر نفسه وفي عدة مناسبات، زعم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه "لا تغيير على الوضع القائم" في المسجد.

اقتحام المستوطنين المسجد الأقصى.. تمويل برعاية الحكومة

الأمر الآخر الذي توقف عنده مسؤولو الأوقاف هو إعلان حكومة الاحتلال عبر وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، في 26 أغسطس/ آب الماضي، عن تخصيص مليوني شيكل (نحو 500 ألف دولار)، لتمويل اقتحامات المستوطنين للأقصى تحت مسمى التعرف إلى الروايات التاريخية للمكان، وهو ما يعني تبني الحكومة الإسرائيلية رسمياً اقتحامات المسجد الأقصى باعتبارها إحدى سياساتها الرسمية، ونقل الدور الحكومي الرسمي من حماية الاقتحامات وتأمينها إلى تبنيها وتسييرها. 

وفي إعلانها بهذا الخصوص، قالت وزارة التراث الإسرائيلية إنّ هدفها من هذه الخطوة هو "أن يكون من الممكن التعرّف إلى التراث اليهودي لجبل الهيكل دون روايات تروج لمعاداة السامية"، بحسب وصفها؛ أي أنّ الميزانية عملياً ستخصص لإنتاج وترويج رواية إسرائيلية تتحدث عن المسجد الأقصى باعتباره هيكلاً، وستصبح هناك رواية رسمية لمشروع الإحلال الديني في الأقصى، بعد أن كان متروكاً لمجموعة كبيرة من المنظمات والجماعات التي تدعمها حكومة الاحتلال وتحافظ في الوقت عينه على مسافة منها.

ومن المقرر أن تشمل الإرشادات والمضامين التي سيتم تمريرها خلال هذه الاقتحامات المنظمة للمسجد الأقصى، وفقاً للوزارة، استعراضاً "للتراث اليهودي في جبل الهيكل (الحرم القدسي)، بطرح تاريخي نقي خالٍ من الحقائق البديلة".

وكان المدير العام لوزارة التراث الإسرائيلية إيتي غرنك قد توجه إلى المدير العام لمكتب بن غفير للحصول على موافقة الشرطة على تنظيم الاقتحامات للحرم القدسي الشريف. ورداً على ذلك، أكد نائب قائد منطقة القدس موافقة الشرطة على تنظيم الاقتحامات الممولة من قبل حكومة الاحتلال.

مرحلة جديدة

ورأى الخبير في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الاقتحامات للمسجد الأقصى في الآونة الاخيرة تأخذ منحنى خطيراً، حيث بدأوا يتحدثون عن 70 ألف مقتحم في العام الحالي 2024 وبفارق كبير عن الأرقام التي سبقت، كما لوحظ أداء طقوس دينية، وكذلك النفخ في البوق، وهو أمر لم يكن موجوداً في السابق، وبالتالي نحن أمام مرحلة جديدة".

ولفت أبو عواد إلى أنّ "تمويل الاقتحامات من قبل وزارة التراث يدلل على أنّ إسرائيل كمؤسسة باتت تتبنى توجهات الصهيونية الدينية والجمعيات الاستيطانية التي نشأت في القدس منذ عقود والتي وصل عددها إلى أكثر من خمسين جمعية، من أجل الوصول إلى مرحلة ما يعرف ببناء الهيكل، وبالتالي فإنّ تمويل هذه الوزارة لهذه الاقتحامات إنما يدلل على أنّ هناك تبنياً رسمياً لما يقوم به المستوطنون، وهذا ينافي كلام رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يقول إننا نريد الحفاظ على الوضع الراهن". 

وتابع أبو عواد: "هذا كذب بواح من نتنياهو، وما تقوم به وزارة التراث ووزيرا المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير يظهر أنّ المشروع الاستيطاني بما في ذلك اقتحامات المسجد الأقصى باتت ركيزة أساسية من ركائز الحكومة الإسرائيلية، وهذا من شأنه ليس تطبيق المعالم الأيدولوجية التي يدور الحديث عنها، وإنما جلب المزيد من الشرائح باتجاه ما تقوم به هذه الحكومة". 

ووفق أبو عواد، فإنّ "خطر تلك السياسات على المسجد الأقصى بات واضحاً، حيث بات الفلسطينيون أمام تقسيم زماني ملحوظ، ترسخ في العام الأخير، فهناك وقت للمستوطنين يقتحمون فيه الأقصى، وقد قاد هذا التقسيم إلى وجود الطقوس الدينية وبعض الصلوات والانتهاكات التي لم تكن موجودة سابقاً، وهذا يؤكد أنّ المرحلة المقبلة ستكون باتجاه أن يقدم بن غفير رؤيته المرتبطة بأن يكون هناك بناء لكنيس بداية، ثم هدم لقبة الصخرة، والذهاب باتجاه تحويل المعلم الإسلامي إلى معلم يهودي".

المساهمون