كشف تحقيق صحافي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الأحد، أن صناعة المخدرات في سورية ازدهرت مؤخرا على أنقاض الحرب الأهلية عبر شبكات يديرها أقارب رأس النظام بشار الأسد مع شركاء أقوياء، وأكدت أن قيمتها بلغت مليارات الدولارات، متجاوزة الصادرات القانونية لسورية.
وأوردت الصحيفة، في تحقيق استند إلى معلومات جهات إنفاذ القانون ومسؤولين في 10 دول ومقابلات مع خبراء مخدرات دوليين وآخرين، أن "قسطا كبيرا من إنتاج وتوزيع حبوب الكبتاغون تشرف عليه الفرقة الرابعة المدرّعة في قوات النظام، وهي وحدة النخبة بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر لرئيس النظام وأحد أقوى الرجال في سورية".
وأشارت إلى أن "سورية باتت اليوم تملك كل المقومات اللازمة لنجاح تجارة المخدرات، إذ يتوفر خبراء لخلط الأدوية، علاوة على مصانع لتصنيع المنتجات التي تخبأ فيها الأقراص، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى ممرات الشحن في البحر المتوسط، وطرق التهريب البرية إلى الأردن ولبنان والعراق".
وأضافت أن الحرب الأهلية السورية، التي دمرت الاقتصاد ودفعت معظم السوريين إلى الفقر، تركت النخب العسكرية والسياسية تبحث عن طرق جديدة لكسب العملة الصعبة والالتفاف على العقوبات الأميركية.
وتوصل التحقيق إلى أن من بين اللاعبين الرئيسيين في هذه التجارة المربحة رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بحكومة النظام و"حزب الله" اللبناني، وأعضاء آخرون من عائلة بشار الأسد، الذين يضمن اسمهم الأخير الحماية من الأنشطة غير القانونية.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنها لم تستطع الوصول إلى ماهر الأسد للتعليق، فيما لم يرد مسؤولون من وزارة إعلام النظام السوري وبعثته الدبلوماسية في فيينا على طلبات "نيويورك تايمز" للتعليق.
ونقلت الصحيفة عن جويل ريبيرن، المبعوث الأميركي الخاص لسورية خلال إدارة دونالد ترامب، قوله إن "النظام السوري هو الذي يصدّر المخدرات حرفيا".
وأضاف أن أكبر عقبة في مكافحة هذه التجارة هي أن "صناعة المخدرات تحظى بدعم دولة ليس لديها سبب وجيه للمساعدة في إغلاقها".
خمس المخدرات يستهلك في الأردن
بدوره، أكد رئيس دائرة المخدرات في مديرية الأمن العام الأردني، العقيد حسن القضاة، أن "مصانع الكبتاغون موجودة في مناطق سيطرة الفرقة الرابعة وتحت حمايتها". في حين اعتبر جهاد يازجي، المحرر بموقع "ذا سيريا ريبورت" الذي يتتبع الاقتصاد السوري وينشر تقاريره باللغة الإنكليزية، أن الكبتاغون "ربما أصبح أهم مصدر للعملة الأجنبية في سورية".
ووفق أرقام الصحيفة، تم ضبط أكثر من 250 مليون حبة كبتاغون في جميع أنحاء العالم حتى الآن في العام 2021، أي أكثر من 18 ضعف الكمية التي عثر عليها خلال أربع سنوات.
وتم ضبط المخدرات في تركيا ولبنان والأردن وموانئ مصر واليونان وإيطاليا ومطار في فرنسا، وفي أماكن بعيدة مثل ألمانيا ورومانيا وماليزيا. وترى "نيويورك تايمز" أن معظم هذه البلدان ليست أسواقا مهمة للكبتاغون، ولكنها مجرد محطات توقف في طريقها إلى الخليج، وخاصة السعودية.
وقال العقيد حسن القضاة إن الكميات المضبوطة في الأردن من الكبتاغون هذا العام تتزايد، وبلغت ضعف الكمية التي جرى ضبطها في العام 2020، مشيرا إلى أن ما يصل إلى خمس المخدرات المهربة من سورية يتم استهلاكه في الأردن، على الرغم من كون عمّان محطة عبور إلى السعودية.
مصانع بإشراف مليشيات
وفي تعليق على ما جاء في التحقيق، قال الناشط الإعلامي أحمد اللاذقاني المقيم في مناطق النظام، لـ"العربي الجديد"، إن مليشيات معروفة في الساحل السوري مقربة من آل الأسد تستحوذ منذ سنوات طويلة على تجارة المخدرات، وما جرى عرضه في التحقيق يعلمه الجميع، مشيرا إلى أن الجديد في الأمر هو أن سورية لم تعد مركز توزيع وعبور، بل باتت مصدرا رئيسيا لتصنيع وزراعة المخدرات.
ولفت اللاذقاني إلى وجود مصنعين على الأقل لصناعة الكبتاغون في ريفي مدينة جبلة واللاذقية، تديرهما وتشرف عليهما مليشيات متنفذة، وبعض شهادات العاملين في هذه المصانع تؤكد أن الإنتاج هائل وكبير.
وكان موقع "ناشونال إنترست" الأميركي أشار، الشهر الماضي، إلى أن "قانون التفويض الوطني" للعام 2022، الذي سيعرض قريبا على مجلس الشيوخ الأميركي للتصويت عليه، يتضمن مادة تسعى إلى معالجة معضلة تجارة المخدرات التي مصدرها سورية، ويتهم نظام الرئيس بشار الأسد بتهيئة الظروف لها، ولم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل.