تحرير مساجين التسعينيات في الجزائر: تبون يريد تعزيز رصيده داخلياً

16 يوليو 2022
ذوو معتقلين يطالبون بالإفراج عنهم، فبراير 2021 (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

يضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بصمته الخاصة في معالجة ما يُعرف في الجزائر بـ"المأساة الوطنية"، عبر إعداد مسودة قانون عفو خاص يشمل عدداً من الإسلاميين المعتقلين منذ التسعينيات أو في وضع مقيّد منذ سنوات، وكلهم ذوو صلة بمخلّفات الأزمة الأمنية الدامية التي كانت قد عصفت بالجزائر في عقد التسعينيات منذ توقيف المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992.

وبذلك، يتخذ تبون خطوة مماثلة لما فعله الرئيسان السابقان، ليامين زروال الذي أصدر قانون الرحمة عام 1994، وعبد العزيز بوتفليقة الذي كان أصدر قانوني الوئام المدني 1999 والمصالحة الوطنية 2005.

تفاصيل مرسوم تبون

واتخذ تبون خطوة مهمة على صعيد معالجة أحد أبرز الملفات العالقة منذ الأزمة، وذلك بعد ضغط سياسي وحقوقي ومطالبات مستمرة منذ سنوات لإنهاء مأساتهم.

وأعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان، مساء أول من أمس الخميس، عن قرار عفو رئاسي يشمل 298 شخصاً من الإسلاميين، إضافة إلى 44 من معتقلي الرأي والحراك الشعبي.

وأفاد البيان أنه يجري "إعداد قانون خاص، امتداداً لقانوني الرحمة والوئام المدني، يخص 298 محكوماً عليهم، سيحال الأسبوع المقبل على اجتماع الحكومة، لدراسته والمصادقة عليه، قبل إحالته على البرلمان في دورته المقبلة".

وهؤلاء مجموعة من الإسلاميين وكوادر محلية في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (محظورة منذ مارس/آذار 1992)، إضافة إلى بعض العسكريين المتعاطفين معها، في حدود 160 سجيناً، اعتُقلوا في بداية الأزمة الأمنية في البلاد، وتمت محاكمتهم من قبل محاكم خاصة، قضت بالسجن المؤبد والإعدام على بعضهم.

لكن هذه المحاكم حُلت لاحقا بضغط دولي لعدم دستوريتها، غير أن أحكامها بقيت سارية المفعول، ولم يستفد هؤلاء المساجين وبينهم عسكريون، من تدابير قانون المصالحة الوطنية عام 2005، على الرغم من أنه شمل مساجين ومسلحين وقيادات في "الجيش الإسلامي للإنقاذ" والجماعة الإسلامية المسلحة.


العفو يشمل 298 إسلامياً، و44 من معتقلي الرأي والحراك الشعبي

لكن إعلان الرئاسة الجزائرية عن العدد الإجمالي للمعنيين بقانون العفو الخاص المرتقب، وهو 298 شخصاً، يطرح تساؤلات عن طبيعة الأسماء الأخرى من المعنيين بالقانون، من غير مساجين التسعينيات.

وترجح بعض المعلومات أن يكون الأمر متعلقاً بعدد من قيادات الجماعات المسلحة الذين سلّموا أنفسهم للسلطات في الفترة الأخيرة، غير أن وضعياتهم ظلت عالقة، بعد انتهاء صلاحية قانون المصالحة الوطنية، بينهم بعض القيادات في "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وغيرهم.

وبغضّ النظر عن هذه التفاصيل التقنية، تعتبر تنسيقية عائلات المساجين السياسيين (معتقلي التسعينيات)، أن الخطوة بالغة الأهمية على صعيد إنهاء معاناة جزء من ضحايا المأساة الوطنية، ومعالجة مخلفات بقيت عالقة منذ أكثر من ربع قرن، خصوصاً أن هذا الملف تم التغاضي عنه ولم يدرج ضمن مسارات قانون الرحمة.

ويدخل القانون المقبل ضمن سياق سلسلة من القوانين ذات صلة بمعالجة مخلفات الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر في التسعينيات، كقانون الرحمة الذي صدر عام 1994 من قبل زروال، والذي تضمن خفض عقوبة من يسلّم نفسه من المسلحين.

أما قانون الوئام المدني فقد أصدره بوتفليقة عام 1999، وتضمّن عفواً عن المسلحين الذين يسلّمون أنفسهم، بعد اتفاق تم بين جهاز الاستخبارات وقيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" حينها.

وقال السجين الإسلامي السابق، الناشط في تنسيقية عائلات مساجين التسعينيات، مصطفى غزال، لـ"العربي الجديد"، إن "الخطوة اتي اتخذها الرئيس تبون تبدو ضمن قناعاته الشخصية ونابعة من موقف وطني يحسب له، وفي مثل هذه الظروف لن نتطرق إلى مسألة التوقيت أو كون القرار جاء متأخراً لأنه يعني الرؤساء السابقين بدرجة أكبر".

واعتبر أن "هذه الخطوة تندرج ضمن سياق لتوحيد الصف الجزائري وتعزيز الجبهة الداخلية، ونحن ندعم أي خطوة في هذا الاتجاه، وهناك إجماع وطني على هذا المستوى"، مضيفاً أن "الإجراء المتخذ هو إنساني بالدرجة الأولى قبل أن يكون خطوة سياسية".

ولفت إلى أن هناك "ارتياحاً كبيراً لدى عائلات المعتقلين، وهم يقدّرون هذا الموقف والخطوة التي ستنهي مأساتهم"، لكن غزال شدد على ضرورة "أن تقوم السلطات بمساعدة هؤلاء المساجين المفرج عنهم على المستوى النفسي والاجتماعي، أولاَ بسبب الظروف الصعبة التي عانوا منها ومن المظلمة التي تعرضوا لها، أو لعائلاتهم التي تحمّلت جزءاً من المعاناة".

وعلى أهمية الخطوة التي اتخذها تبون بشأن معالجة واحدة من مخلفات الأزمة الأمنية، أو ما تعرف في الجزائر بـ"المأساة الوطنية"، فإن هناك تطلعاً لأن يكون هذا الإجراء هو مقدمة لمعالجة مخلفات الأزمة الأخرى التي ظلت عالقة ولم تتم تسويتها حتى الآن، ويفترض أن تكون هذه المبادرة أكثر اتساعا لمعالجتها.

وهذه الملفات لم تشملها المعالجات والقوانين السابقة، كملف تعويضات معتقلي الصحراء الذين تم توقيفهم احترازياً في مخيمات نصبت في الصحراء، المفصولين من العمل بسبب الانتماء إلى "جبهة الإنقاذ"، وملف قيادات وكوادر "الإنقاذ" الموجودين في الخارج، وغيرها من الملفات التي تحتاج إلى تدابير إضافية.

ظروف مساجين التسعينيات في الجزائر

رئيس مجلس شورى جبهة "العدالة والتنمية"، لخضر بن خلاف، كان آخر قيادي حزبي استقبله تبون، قبل أقل من شهر، ضمن سلسلة لقاءاته مع القوى السياسية، وكان قد نقل إلى الرئيس الجزائري على غرار عدد من القيادات السياسية الانشغال الإنساني والحقوقي بشأن ملف معتقلي التسعينيات.

وأكد بن خلاف، وهو نائب سابق في البرلمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه تحدث حينها مع الرئيس حول هذه القضية، "طرحنا القضية من باب إنساني لكون هؤلاء المساجين في وضعيات إنسانية خاصة، وبعضهم تعرضوا لاضطرابات عقلية بسبب طول فترة السجن، من دون أن ننسى أن بعضهم ماتوا داخل السجون"، مضيفاً أن "الرئيس أكد أنه يؤيد أن يقضي هؤلاء بقية حياتهم مع عائلاتهم".

وذكر بن خلاف أن "ما فهمته أن قانون العفو الخاص جاهز، غير أن الرئيس تبون حرص على أن يعطيه شرعية شعبية من خلال تمريره عبر البرلمان في دورته المقبلة التي تبدأ بداية سبتمبر/أيلول المقبل، وأن يأخذ القانون مجراه الطبيعي بدلاً من إصداره بمرسوم رئاسي".


مصطفى غزال: تندرج هذه الخطوة ضمن سياق لتوحيد الصف الجزائري

وعلى الرغم من أن قانون المصالحة الوطنية الذي أصدره بوتفليقة في سبتمبر/أيلول 2005، يمنح في مادته الأخيرة رئيس الجمهورية إمكانية اتخاذ تدابير إضافية بحال وجود أي نقائص أو ثغرات، وإضافة تنقيحات جديدة تتيح معالجة ملفات أخرى، فإن تبون فضّل وضع مسار معالجات خاصة به يُسجل في رصيده السياسي، بدلاً من استكمال تدابير المصالحة الوطنية.

هذا الأمر يؤشر على رغبة تبون في عدم توفير أي صلات سياسية أو قانونية بمسارات بوتفليقة، حتى وإن كانت الإشارة إلى قانون الوئام المدني تعني عهد بوتفليقة، لكن المعروف سياسياً أن هذا القانون كان خلاصة إنجاز لجهاز الاستخبارات بعد اتفاق مع قيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ".

وإذا كان الطابع الإنساني يبدو طاغياً في هذه الخطوة، إلا أن البعد السياسي يبرز في السياق أيضاً، من حيث مبادرة السلطة إلى سحب هذا الملف من التداول السياسي والتوظيفات الممكنة له من جهة، وإبداء أكبر قدر من النوايا السياسية لإجراء معالجات متدرجة لمخلفات الأزمة الأمنية.

وفي سياق آخر تصب المبادرة الرئاسية في رصيد تبون، فيكسب لصالحه كتلة شعبية من الإسلاميين الذين ما زال تأثيرهم قائماً في الشارع، والذين كان موقفهم سلبياً إزاء المسار الانتخابي الذي أوصل تبون إلى السلطة، كما أنه سيمنح الأخير إمكانية للتعويض عن بعض الإخفاقات في المجال الاقتصادية والاجتماعية، وهو أحد المداخل السياسية لمشروع ولاية ثانية لتبون يلوح في الأفق.