تحركات مصرية لتخفيف الضغوط الإيطالية

20 ديسمبر 2020
ازداد الضغط على مصر في قضية ريجيني وجورج (Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وأوروبية في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، عن إجراء جهات مصرية عدة، من بينها رئاسة الجمهورية، والمخابرات العامة، ووزارة الخارجية، اتصالات سرية مطولة، زادت وتيرتها في الأيام الثلاثة الماضية. وتواصل المصريون مع السفارة الإيطالية في القاهرة ورئاسة الوزراء ووزارة الخارجية والاستخبارات في روما، وقيادات في أحزاب يمينية ومجموعات الضغط التابعة لرجال الأعمال في إيطاليا وفرنسا. وهدف ذلك إلى استكشاف المدى الذي يمكن للضغوط البرلمانية والحزبية داخل الحكومة ومجلس النواب الإيطاليين أن تصل إليه، لاتخاذ مواقف حادة ضد مصر، وإمكانية إيجاد حلول تخفف تلك الضغوط. وفي كل الاتصالات، شدّدت السلطات المصرية على رفضها تسليم ضباط أو رجال أمن للمحاكمة في إيطاليا، للاشتباه في قتلهم الطالب جوليو ريجيني، في فبراير/شباط 2016.

وتزامن القسم الأكبر من هذه الاتصالات مع طرح مجموعات سياسية إيطالية وأوروبية مختلفة مشروع القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي، أول من أمس الجمعة، وتضمّن 10 نقاط أساسية تدين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، والتعامل الحكومي مع الحريات الإعلامية والتنظيمية. وندّد القرار بالطريقة التي تعاطت بها السلطات الأمنية والقضائية في قضية ريجيني، ورحّب بالإفراج عن النشطاء الثلاثة المنتمين لمنظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (جاسر عبد الرازق، محمد بشير، كريم عنارة). كما دعا للإفراج الفوري عن عدد من المعتقلين الآخرين، ومنهم الناشط باتريك جورج، وشقيق الكاتب الصحافي اليساري خالد البلشي. ودعا القرار مصر إلى تدعيم علاقات التعاون الاستراتيجي مع الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال تحسين أوضاع حقوق الإنسان بالداخل ودعم الحريات الدستورية، وأيضاً تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام على خلفية إعدام أكثر من 50 شخصاً في الشهرين الماضيين.

الاتصالات أظهرت انقسام الموقف داخل الحكومة الإيطالية إزاء وضع سياسة موحدة للتعامل مع مصر

وكشفت المصادر أن أكثر ما أزعج مصر من طرح وتداول وإقرار البيان الأوروبي، كان تزعم حركة "النجوم الخمس"، اللاعب الأبرز في ميدان السياسة الإيطالية حالياً، الحراك الأوروبي ضد مصر، وهي التي كان يرأسها، وزير الخارجية الحالي لويجي دي مايو. ويسيطر التوتر على علاقة دي مايو الشخصية بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، مع توجيه نواب "النجوم الخمس" في البرلمان الأوروبي، وعلى رأسهم المقرب منه فابيو كاستالدو، انتقادات لاذعة لمنح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسام جوقة الشرف للسيسي. وهو ما دفع عدداً من الشخصيات العامة، الإيطالية والأوروبية، لإعلان تخليهم عن الوسام، من بينهم كتّاب وفنانون.

وأضافت المصادر أن الاتصالات أظهرت انقسام الموقف داخل الحكومة الإيطالية إزاء وضع سياسة موحدة للتعامل مع مصر، إذ يتزعم دي مايو اتجاهاً يطالب باتخاذ إجراءات حاسمة لتعطيل صفقات السلاح التي عقدها السيسي أخيراً مع الشركات الإيطالية ولم تصدر الحكومة قراراً بشأنها حتى الآن. وأوضحت المصادر أنه على النقيض من دي مايو، فإن رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي ووزراء عدة، منهم وزيري الدفاع لورنز غويريني، والاقتصاد روبرتو غوالتييري، يتخذون موقفاً مختلفاً. ومن خلال اتصالات مباشرة ووسطاء، تصل نصائح منهم إلى القاهرة بالبحث عن تنازلات غير مكلفة لتستطيع الحكومة مواجهة المطالبات البرلمانية والإعلامية، بممارسة ضغوط أكبر على السيسي في قضية ريجيني.

وتحوّلت القضية إلى نقطة ضغط على سمعة مصر، المتردية أساساً في الخارج، لا سيما بعد قرار الادعاء الإيطالي بتحريك دعوى غيابية ضد الضباط الأربعة المشتبه فيهم. في المقابل يروّج الإعلام اليساري والحقوقي في روما على نطاق واسع، لحقيقة أن السيسي استطاع من خلال صفقات التسليح الإساءة لسمعة إيطاليا وإظهارها كدولة لا تستطيع حماية أرواح أبنائها في الخارج. وذكرت المصادر أن التناقض بين التيارين داخل الحكومة الإيطالية، أدى إلى ضعف قدرة أصحاب التيار المهادن لمصر، تحديداً في سياق إعلان موقفهم بصورة كاملة. وعلّلت السبب بالتراجع الشعبي الواضح لقوى اليمين المتشدد، الصديقة للنظام المصري، مثل حزب "رابطة الشمال" الذي يرأسه وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني. بالتالي، فإن الحكومة الإيطالية ستمضي قدماً، في سياسة يمكن وصفها بـ"زيادة كلفة الاعتذارات المصرية" أو بالأحرى، زيادة الصفقات المطلوب من السيسي عقدها وزيادة أسعارها أيضاً. في المقابل ستستمرّ الضغوط الرسمية الإيطالية في إطارها الحالي، أي عبر إصدار البيانات والمناشدات والإعراب عن القلق، من دون تمدّد الأمر إلى حدّ اتخاذ إجراءات عقابية على الصعيدين الإيطالي أو الأوروبي، سواء بوقف التسليح والقروض أو خفض المساعدات المالية والمعونات في مجالات مختلفة.

وكشفت المصادر أيضاً أن الاتصالات تضمنت تقديم نصائح عدة لتحسين الأوضاع، يمكن تصنيفها ضمن مجموعتين رئيسيتين: الأولى مرتبطة بالعلاقات مع إيطاليا، تحديداً قضيتي ريجيني وباتريك جورج. ونصح دبلوماسيون وسياسيون إيطاليون باتخاذ خطوات، من شأنها إشعار الرأي العام الإيطالي بإحراز تقدم، كالإفراج عن جورج نفسه، المتهم في قضية نشر بيانات وأخبار كاذبة على صفحته الشخصية على "فيسبوك"، أو تقديم متهم يمكن تحميله المسؤولية كلياً أو جزئيا في قضية ريجيني، أو جعل الضباط الأربعة المشتبه فيهم يمثلون أمام القضاء الإيطالي، ويردون على ما يواجهونه من اتهامات. وبحسب المصادر، فإن هذه النصائح مرفوضة من السيسي ودائرته حتى الآن على الأقل، إذ يعتبر نافذون داخل النظام المصري أن إطلاق سراح جورج، سيزيد الضغط على مصر لا العكس، وسيظهرها في صورة النظام الذي يستجيب للضغوط بسهولة. أما النصيحتان الأخريان بشأن ريجيني، فهما مرفوضتان تماماً، خوفاً من عدم وفاء الإيطاليين بأي تعهّدات، يمكن اتخاذها بعدم الإضرار أو الانتقام أو رفع مستوى الاتهام، ليشمل وزراء أو قيادات أكبر بالأمن الوطني والمخابرات. أما المجموعة الثانية من النصائح فمرتبطة بالمجال العام ككل، وتتضمن تصفية قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني ورفع حظر السفر والتصرف في الأموال المفروض على النشطاء السياسيين، وإخلاء سبيل معتقلي "خلية الأمل" وعدد من الحقوقيين.

تشهد إيطاليا انقساماً داخلياً على خلفية الموقف من مصر
 

كما تتضمّن النصائح وقف وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام المتسارعة هذا العام، وتصفية قضايا تظاهرات سبتمبر/أيلول 2019 وسبتمبر 2020، التي تشمل عدداً غير معروف من المصريين غير المؤدلجين يصل بحسب بعض التقديرات القانونية إلى ثلاثة آلاف معتقل، بالإضافة إلى العودة لقرارات العفو الرئاسية، التي تشمل مدانين ومتهمين في قضايا سياسية والتي توقفت منذ منتصف 2018. وبحسب المصادر، فإن شخصيات في الأمن الوطني والخارجية، تدفع بشدة في سبيل اتخاذ خطوات عملية على صعيد المجموعة الثانية من النصائح خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وتحاول هذه الشخصيات إقناع المخابرات بإصدار قرارات بالعفو عن مئات المعتقلين المدانين في قضايا قديمة تعود إلى عام 2013، بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وقد حصل هذا منذ يومين مع إخلاء النيابة العامة سبيل 63 معتقلاً من المتهمين في قضايا أمن دولة. وقال مصدر قضائي لـ"العربي الجديد"، إن 40 شخصاً من المُفرج عنهم، من الأشخاص الذين اعتقلوا في تظاهرات سبتمب/أيلول الماضي. وأضاف أن الباقين اعتقلوا عامي 2018 و2019 في قضايا الانتماء لجماعات محظورة. ورجح إخلاء سبيل نحو مائة معتقل خلال الأيام المقبلة، بتعليمات من الأمن الوطني، لكنه استبعد الإفراج عن شخصيات بارزة.