تبريرات مصرية لعدم تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل

13 فبراير 2024
دورية مصرية على حدود رفح، ديسمبر الماضي (جيوزيبي كاساتشي/فرانس برس)
+ الخط -

أفادت تقارير صحافية أخيراً بأن مصر هددت بتعليق التزاماتها بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل، في حال شنّت القوات الإسرائيلية هجوماً على رفح. لكن على الرغم من التطورات المتسارعة في القطاع، تحديداً في رفح، في الساعات الماضية، بما في ذلك المجزرة التي ارتكبها الاحتلال وأفضت إلى استشهاد وإصابة العشرات، وهو ما يمكن أن تنطلق منه القاهرة، لو توفرت النية لديها، لأخذ موقف حاسم وعدم الاكتفاء بتسريبات عن تحذيرات، لا يزال الموقف الرسمي المصري ينحصر في خانة التحذير والإدانة.

احتمال تعليق معاهدة السلام

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس الاثنين، إن "بلاده ملتزمة ببنود اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتعمل عن كثب من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين من الجانبين، ونفاذ المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع". وأضاف شكري، في مؤتمر صحافي مع نظيرته السلوفينية تانيا فايونا في العاصمة ليوبليانا، أن "ليست لديه تعليقات بشأن المصادر التي تتحدث في الإعلام عن تعليق القاهرة معاهدة السلام مع إسرائيل، فعلى مدى الأربعين عاماً السابقة، كانت هناك علاقات طبيعية بين البلدين".

من جهتها، بررت مصادر من السلطة المصرية عدم قيام القاهرة بواجبها في ما يتعلق بإعلان تعليق معاهدة السلام بالقول، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الصعب المساس بمعاهدة السلام مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال، سواء بإلغائها أو تعليق العمل بها، لأن الإلغاء يعني العودة بالعلاقات إلى حالة الحرب، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة".

وأضافت أن "تبعات تعليق معاهدة السلام خطيرة على مصر من أكثر من ناحية، أهمها علاقتها بالولايات المتحدة التي ستوقف بالطبع المعونة التي تقدمها إلى مصر بناء على المعاهدة". واعتبرت أن "تعليق العمل بالمعاهدة أمر مستبعد في الوقت الحالي".


مصادر مصرية: من الصعب المساس بمعاهدة السلام مع إسرائيل

ووفقاً للمصادر نفسها، فإن "هناك إجراءات أخرى من الممكن أن تتخذها مصر للرد على أي عملية عسكرية موسعة يقوم بها الاحتلال في رفح الفلسطينية، في مخالفة لمعاهدة السلام وملاحقها الأمنية التي تمنع إسرائيل من الدفع بتشكيلات عسكرية كبيرة في تلك المنطقة، ومنها مراجعة وخفض العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الاحتلال، والاكتفاء بقنوات المستوى الأمني فقط، الذي يسمح بإنجاز صفقة الهدنة وتبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال".

وأكدت أن "وجود قوات إسرائيلية في هذه المنطقة، أو حتى قيام إسرائيل بزرع أجهزة مراقبة هناك، سيكون انتهاكاً للسيادة المصرية، وخرقاً لمعاهدة السلام".

وبحسب ما ينص عليه الملحق الأمني لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979، لا يسمح بانتشار قوات إسرائيلية على طول الحدود المصرية مع غزة أو في النقب المحتلة، لأن ذلك سيكون خارج إطار الملحق الأمني، والتعديل الأول لهذا الملحق عام 2005.

ويقع محور فيلادلفيا، الذي يسمى أيضاً "محور صلاح الدين"، على امتداد الحدود بين غزة ومصر، وهو يقع ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويبلغ طوله 14 كيلومتراً.

ونشرت القاهرة أخيراً نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة في شمال شرق سيناء خلال الأسبوعين الماضيين، كجزء من سلسلة إجراءات لتعزيز الأمن على حدودها مع غزة.

وحصنت حدودها مع غزة عبر إنشاء منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات وجدراناً خرسانية فوق الأرض وتحتها. ونفت القاهرة المزاعم الإسرائيلية بأن حركة حماس تدير أنفاق تهريب تحت الحدود قائلة إن القوات المصرية تتمتع بالسيطرة الكاملة على جانبها.

ونقلت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" الأميركيتين، في تقريرين السبت الماضي، أن مسؤولين مصريين "حذروا إسرائيل من إمكانية تعليق معاهدة السلام بين البلدين"، في حال هجومها على رفح.

وقال مسؤولان مصريان ودبلوماسي غربي لوكالة "أسوشييتد برس"، أول من أمس الأحد، إن مصر "هددت بتعليق معاهدة السلام إذا أُرسلت قوات إسرائيلية إلى رفح". ولا تثير التسريبات التي تنسب لمسؤولين مصريين في الصحف والمواقع الإخبارية القلق لدى إسرائيل، لا سيما أن بإمكانها تجاهلها طالما لم تتحول إلى إنذار واضح يصبح معه من الصعب إنكاره أو تجاوزه.

في السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري عبد الله الأشعل، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "تجميد المعاهدة له نفس آثار الإلغاء، مع فارق واحد، وهو أن التجميد يعني وقف التزامات المعاهدة مؤقتاً، أما الإلغاء فيعني عودة العلاقات إلى ما قبل المعاهدة".

من جهته، اعتبر الباحث عمار فايد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التقارير تواترت في الأيام الأخيرة بأن مصر هددت بتجميد معاهدة السلام مع الاحتلال، في المباحثات الخاصة، ويبدو أن عدم إعلان ذلك في أي بيان رسمي يشير إلى تردد مصري إزاء كيفية الرد على العملية المحتملة، وعدم الرغبة في التصعيد تجاه الاحتلال في ظل الدعم الغربي الواسع له".

وأضاف فايد: "عموماً، قد يكون التجميد خطوة رمزية، لأنها تختلف عن الإلغاء أو الانسحاب من المعاهدة، ولذلك قد تلجأ إليها مصر لرفع الحرج الشعبي المحلي، وتجنب تصاعد الغضب داخل الجيش المصري".

الانتهاك الإسرائيلي لمعاهدة السلام

أما أستاذ القانون الدولي محمد محمود مهران، فاتهم إسرائيل بـ"الانتهاك الصارخ لمعاهدة السلام الموقعة مع مصر عام 1979، المعروفة باتفاقية كامب ديفيد، من خلال قصفها المتكرر لمدينة رفح الفلسطينية".

وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الهجمات الإسرائيلية على رفح تنتهك بشكل مباشر المادة الرابعة من اتفاقية كامب ديفيد، التي تلزم الطرفين باحترام سيادة وسلامة أراضي بعضهما البعض".

وتنصّ بعض بنود هذه المادة على "ترتيبات أمنية متفق عليها، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية"، فضلاً عن أنه "بناءً على طلب أحد الطرفين يُعاد النظر في ترتيبات الأمن وتعديلها باتفاق الطرفين".


عمار فايد: قد تلجأ مصر إلى تجميد المعاهدة لرفع الحرج الشعبي المحلي

وحذر مهران من "استمرار انتهاك إسرائيل بنود اتفاقية السلام"، مشيراً إلى أن ذلك "يهدد استمرار الاتفاقية ذاتها، ويعطي الحق لمصر قانوناً في الانسحاب منها". وأكد "ضرورة محاسبة إسرائيل دولياً على جرائمها بحق المدنيين في غزة"، مشدّداً على أنه "وفقاً لقواعد القانون الدولي واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، يحق لمصر قانوناً إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل أو الانسحاب منها، في حال استمرار الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة".

وأوضح مهران أنه "بموجب المادة 60 من الاتفاقية، يجوز لأي دولة إلغاء معاهدة دولية أو الانسحاب منها إذا حدث إخلال جوهري أو تغيير في الظروف التي أبرمت المعاهدة في ظلها".

وأضاف: "بالتالي، فإن استمرار إسرائيل في انتهاك بنود اتفاقية السلام مع مصر، يمكن اعتباره تغيراً جوهرياً في الظروف، ما يعطي الحق لمصر في إلغاء الاتفاقية أو الانسحاب منها وفق القانون الدولي".

وأشار مهران إلى أن "قصف المناطق السكنية في رفح أدى إلى سقوط العشرات من الضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح، بينهم نساء وأطفال، ما يُعد جرائم حرب وفقاً للقانون الدولي"، مستنكراً بشدة "الدور السلبي للمجتمع الدولي إزاء تكرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي".

وحذّر من أن "صمت المجتمع الدولي يُفسر على أنه موافقة ضمنية على استمرار انتهاكات حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين"، داعياً الهيئات والمنظمات الدولية إلى "التحرك العاجل لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية وفرض عقوبات رادعة بحقها، لأن ذلك ضروري لتحقيق العدالة والسلام العادل في المنطقة".