تأخر الإفراج عن معتقلين يطرح أسئلة أوروبية على مصر

31 يناير 2021
غضب داخل السجون التي تضم محكومين بقضايا سياسية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن وزارة الخارجية تلقت، في اليومين الماضيين، أسئلة جديدة من سفارات أوروبية في القاهرة، عما وصفته بالتأخر في تنفيذ الوعود التي قطعها نظام عبد الفتاح السيسي بالإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين، خلال فترة الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن هذه الوعود أصدرتها الخارجية المصرية خلال اتصالات جرت منذ أسبوعين بناء على تأكيدات داخلية من المخابرات العامة والأمن الوطني، تتعلق بخمس قوائم تضم أسماء نشطاء سياسيين وحقوقيين وصحافيين وأقارب نشطاء قُدّمت لمصر من أطراف مختلفة، منها ثلاث قُدّمت للسيسي شخصياً خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، تضم أسماء أربعين معتقلاً مطلوب الإفراج عنهم، والقائمتان الأخريان سُلمتا من جهتين دبلوماسيتين في القاهرة كحصيلة جهد تنسيقي بين عدة سفارات ومنظمات رسمية وشبه رسمية.

المشكلة الرئيسية في قوائم المنوي إطلاق سراحهم هي قضية "خلية الأمل" التي تضم رامي شعث

وبحسب المصادر، فإن المشكلة الرئيسية في هذه القوائم جميعاً هي قضية "خلية الأمل" التي تضم رامي شعث، الناشط ضد الصهيونية، المتزوج من مواطنة فرنسية، ونجل السياسي الفلسطيني نبيل شعث، والذي على الرغم من الإلحاح الفرنسي المتكرر خلال عام تقريباً، حرص السيسي، ووزير خارجيته سامح شكري، على عدم إعطاء أي تعهدات بقرب إطلاق سراحه. وتحكم اعتبارات عدة وضع شعث، منها صعوبة الإفراج عنه وحده من دون باقي معتقلي "قضية الأمل" الذين كانوا يخططون للمشاركة في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، كما أن نشاط شعث في مناهضة الصهيونية والتطبيع يمثل عامل إزعاج للأجهزة المصرية. وفي إطار التقارب السياسي الحالي بين السيسي والحكومة الإسرائيلية فربما سيكون الإفراج عنه رسالة سلبية غير مناسبة. وعلى الرغم من أن المناسبة الحالية كانت وما زالت مواتية لخروج رامي شعث، خصوصاً بعد تأكد خروج عدد من المتهمين معه في القضية ذاتها، إلا أن الأمن الوطني ما زال يعطّل هذه الخطوة بسبب انعكاسها الأكيد على خروج جميع المتهمين في هذه القضية، وعدم وجود مبرر لاحتجاز متهمين آخرين مرتبطين بهم، وكذلك بسبب الضجة التي أثيرت حول القضية عند اصطناعها.

وهناك مشكلة أخرى تعرقل خروج بعض المتهمين، وفقاً للمصادر، تتمثل في مسارعة السلطة سابقاً إلى إدراجهم، ومنهم جميع المتهمين في "قضية الأمل"، على قائمة الإرهابيين، أي ممنوع سفرهم وتصرفهم في أموالهم، وهو ما يصعب تخطيه أمنياً لتسفيرهم من دون اتخاذ إجراءات قانونية ولو صورية لإلغاء ذلك القرار تمهيداً لمغادرتهم البلاد.

وأوضحت المصادر الدبلوماسية أن الخلاف الذي كان قائماً حتى منذ أيام قليلة بين المخابرات العامة والأمن الوطني، وكذلك بين بعض مسؤولي ودوائر الجهاز الأخير، على "توقيت" تنفيذ الوعود المصرية للخارج وإصدار قرارات بإخلاء سبيل بعض المتهمين، قد اتخذ خطوة إلى الخلف بعد مرور ذكرى الثورة، متحوّلاً إلى خلاف آخر حول مدى أهمية إخلاء سبيلهم حالياً، إذ تعالت من جديد أصوات داخل الجهازين تطالب بإرجاء اتخاذ مثل تلك الخطوات والاحتفاظ بالمعتقلين كـ"أوراق" يمكن التنازل عنها مستقبلاً عند نشوب خلاف "كبير" مع الإدارة الأميركية الجديدة أو إحدى العواصم الأوروبية الرئيسية.

وفي السياق نفسه، قال مصدر قضائي إن خلافاً آخر نشب بين النيابة العامة التي ستختص قانوناً بإصدار قرارات إخلاء السبيل المرتقبة، والأمن الوطني. فعلى الرغم من التنسيق المستمر بين الطرفين، إلا أن النيابة حمّلت الجهاز مسؤولية تسريب المعلومات الإيجابية عن قرب خروج بعض المعتقلين منتصف الشهر الحالي إلى أروقة الإعلام والسياسة، مما يُظهر النيابة العامة بمظهر "التابع" أو "المأمور"، خصوصاً أن هذا المشهد تكرر من قبل مرات عدة، مما دفعها إلى الاحتجاج وتأكيد عدم السماح بالتوسع في إخلاء السبيل في ذلك الوقت، وتأجيله إلى فترة لاحقة.

النيابة العامة حمّلت الأمن الوطني مسؤولية تسريب المعلومات الإيجابية عن قرب خروج بعض المعتقلين منتصف الشهر الحالي

وأضاف المصدر أن النيابة بحثت آنذاك إمكانية ترك مسألة إخلاء السبيل إلى المحاكم المختصة بنظر تجديد حبس المتهمين، لكن بعض رؤساء الدوائر رفضوا في حينه للسبب ذاته، مع إمكانية الاستجابة لاحقاً، وعدم طعن النيابة على القرار. وأوضح المصدر أنه إزاء هذا الموقف صدرت تعليمات للنيابة باتخاذ إجراءات تعكس تغيراً في الموقف الرسمي من قضايا الرأي العام بشكل ما، للتغطية على عدم الإفراج عن الأسماء المعروفة والموعود بها. وفي هذا السياق، صدرت قرارات الأسبوع الماضي بإخلاء سبيل نحو خمسين من المتهمين في قضايا تعود لأحداث سبتمبر/أيلول 2019 ويناير/كانون الثاني 2020 وقضايا صغيرة أخرى، لا تتضمن أكثر من ثمانية شبان يمكن وصفهم بالنشطاء السياسيين والحزبيين، غير معروفين على نطاق واسع.

وسبق أن قالت مصادر أمنية وحقوقية لـ"العربي الجديد"، إن المعتقلين الإسلاميين سيُستثنون من أي خطوة انفتاحية استجابة للمطالبات الأوروبية، على الرغم من تضمين بعض الأسماء، كرئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح، في القوائم الخمس السابق ذكرها، بحسب المصادر الدبلوماسية، والذي أعيد إدراجه على قائمة الإرهابيين أخيراً. كما أن المحكومين السياسيين بصفة عامة مستثنون من قرار الإفراج الشرطي والعفو الرئاسي الذي صدر أخيراً، وأفرجت بموجبه الداخلية عن أكثر من ثلاثة آلاف سجين مدان (من دون امتداده للمحبوسين على ذمة قضايا).

وذكرت المصادر أن معظم المستفيدين من العفو الأخير هم من المدانين في قضايا جنائية عادية، مثل القتل والشروع في القتل والاتجار بالمخدرات والبشر وإدارة شبكات دعارة والفساد البنكي والنصب، والمئات من الغارمين والغارمات والمتهمين في قضايا جنح بسيطة ودعارة وسرقة تيار كهربي ومخالفة شروط بناء ومخالفات اقتصادية معظمها يعود للأعوام من 2016 إلى 2019. وتسبّب هذا في حالة من الغضب، خصوصاً داخل السجون شديدة الحراسة التي تضم أكبر عدد من السجناء المحكومين في قضايا ذات طابع سياسي، وأخصها قضايا التظاهر والعنف المتهمين فيها بالانضمام لجماعة "الإخوان" وجماعات إسلامية أخرى، ويعود معظمها إلى عامي 2013 و2014، خصوصاً الأحداث التي وقعت في محافظات الصعيد في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

وما فاقم حالة الغضب داخل تلك السجون، هو أن معظم المحكوم عليهم في القضايا المشابهة التي وقعت أحداثها في القاهرة ومحافظات الدلتا والقناة قد أفرج عنهم بالفعل، سواء بسبب تخفيف عقوباتهم في محكمة النقض أو استفادتهم من قرارات العفو السابقة، ذلك لأن معظم تلك القضايا كانت منظورة أمام محاكم الجنايات العادية. أما المشكلة التي يبدو أنها ستظل ملقية بظلالها على قضايا الصعيد، فهي أن معظمها كان قد أحيل إلى القضاء العسكري بموجب القرار الشهير الذي أصدره النائب العام الأسبق الراحل هشام بركات قبل اغتياله بإحالة النسبة العظمى من قضايا الوقائع التي حدثت في محافظات وسط وجنوب مصر إلى النيابة العسكرية، في إطار رغبة النظام في التنكيل بأهالي القرى والمدن التي شهدت احتجاجات واسعة وحادة على انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 إلى حد صعوبة السيطرة الأمنية على بعضها لأيام.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون