بين "ديمقراطية" موسكو وبرلين

24 سبتمبر 2021
يختصر نموذج انتخابات موسكو نمطية أشبه بالعالمثالثية (Getty)
+ الخط -

لعلها الصدفة تضع الناس أمام تجربتي الانتخابات الروسية أخيراً، وذهاب ألمانيا إليها الأحد المقبل. في الأولى لم يتردد زعيم الشيوعي الروسي، غينادي زوغانوف، بوصف نتائج انتخابات مجلس الدوما (البرلمان)، بـ"احتيال صارخ". وفي الثانية، يجدها الألماني فرصة لممارسة حقه وواجبه، في سياق محاسبة ساسته. بل لعل برلين، أقله في الحيز الشمال الأوروبي، تختزل افتراق نموذجي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في 1945.
وعلى الرغم من أن بعض خبراء علم الاجتماع-السياسي يتفقون على أن صناديق الاقتراع ليست كل حكاية دولة المواطنة والقانون، بل تأتي تتويجاً لمسار طويل، إلا أنها تقدم للناس فرصة لضبط السلطة وأحزابها ومكوناتها. فألمانيا لا تذهب للانتخابات لاختيار ديمومة مستشارتها أنجيلا ميركل، بل لحسم من سيخلفها، ولأجل مستقبل ومصالح البلد. في المقابل، فإن نموذج موسكو يختصر نمطية أشبه بالعالمثالثية، عن تحالف طبقتي الأعمال والسياسة، وإن بتطعيم ديني ظاهر عند الرئيس فلاديمير بوتين ومحيطه، وفرض صيغ متطرفة في الخلط بين الحاكم والبلاد، إمعاناً في احتقار مؤسسات المجتمعات والتعددية والتنوع.
وإذا كانت بعض القوى الغربية، وخصوصا الساعية إلى أنظمة قومية متشددة، فتحت قنوات علاقة مع طبقة الحكم في الكرملين، من باريس وروما وفيينا إلى بودابست وغيرها، وأبدى حتى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إعجابه بحكم بوتين، فثمة في منطقتنا العربية "يسار تقليدي" لم يأبه حتى لانتقادات رفاق دربهم في "الشيوعي" الروسي حول تغول النخبة، بل واصل لسنوات خطاب اعتبار موسكو ما تزال "كعبة الشيوعية".
وفي السياق نفسه، لعل نظام بشار الأسد في دمشق يقدم أحد أمثلة النموذج البوتيني في تحديد نتائج "الانتخابات"، التي وصفها زوغانوف بممارسة "قطاع طرق". فثنائية حكم الأمن ورجال المال في دمشق لا ترضى فوزاً أقل من 90 في المائة لديمومته، فيما "مجلس الشعب" (البرلمان) غارق في تجربة عبثية قل نظيرها إلا في بيونغ يانغ، مستبدلاً التشريع بالتصفيق، وتحوله إلى منبر هجاء لـ"زيف الديمقراطية الغربية" و"المؤامرة". إذاً، في محصلة التجربتين الروسية والألمانية فإن معالم افتراق النموذجين تتجاوزهما.
ولعل سؤال الهجرة واللجوء، فراراً من أوضاع مأساوية، ومن بينهم عرب، بتفضيل برلين على موسكو، يقدم أدلة على أن الرغبة في أن يكون للشعوب إرادتها بتقرير مصيرها لا تعرف حدوداً، هذا إلى جانب عطش الآلاف منهم، بمن فيهم من يسمون "موالين"، للتصويت والترشح الحر، للمرة الأولى في حياته دون رقابة "الأفرع الأمنية".

المساهمون