نقل موقع "بوليتيكو" عن مسؤولين أميركيين أن الصين تجري محادثات مع كوبا بحثًا عن موطئ قدم هناك للتجسس على الولايات المتحدة، التي يقع برّها الرئيسي على بعد نحو 660 كيلومترا من هافانا، في خطوة وصفتها الصحيفة بـ"الاستفزازية"، ودفعت مشرعين أميركيين بالفعل إلى التحذير من أوجه التشابه مع الحرب الباردة.
ويقول المسؤولون الأميركيون، الذين تحدّثوا تحت شرط السرية لأن الأمر يتعلق بمسألة استخباراتية حساسة، إن الصين تجري محادثات مباشرة مع كوبا لإقامة القاعدة في الجزيرة الواقعة على مقربة من شواطئ فلوريدا، جنوب الولايات المتحدة. وسيسمح ذلك لبكين، وفق الموقع، بجمع معلومات استخبارية عن الأجزاء الجنوبية الشرقية من الولايات المتحدة- وهي موطن للعديد من المنشآت العسكرية والصناعات الرئيسية.
وبحسب المصادر، فإن المعلومات حول المفاوضات ظهرت في الأسابيع الأخيرة.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يهدد بعرقلة جهود إدارة بايدن لـ"إذابة الجليد" مع الصين، ومن ذلك الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية، أنطوني بلينكن، إلى بكين في الأسابيع المقبلة؛ وهي الرحلة التي عُلّقت منذ فبراير/شباط الماضي، حينما اخترق منطاد صيني الأجواء الأميركية قبل أن تسقطه طائرات "أف 16" في الشواطئ الشرقية للبلاد، ووصفته إدارة بايدن بأنه "تجسسي".
التقاط الإشارات
وبحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، التي سبقت "بوليتيكو" إلى الكشف عن الخطط الصينية، فإن قاعدة في الجزيرة الكوبية ستتيح للمخابرات الصينية التقاط الاتصالات الإلكترونية في جميع أنحاء الجنوب الشرقي للولايات المتحدة، وكذلك مراقبة حركة السفن.
وطبقًا لما تسرده مصادر استخبارية لـ"وول ستريت"، فقد يمكّن التقاط الإشارات من تلك المسافة القريبة الصين من مراقبة الاتصالات على عدة مستويات، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني، ومحادثات الهاتف، والبث الفضائي.
وقال مسؤولون للصحيفة إن البلدين توصّلا إلى اتفاق من حيث المبدأ، ستدفع الصين بموجبه عدة مليارات من الدولارات لكوبا، التي تواجه حاجة ماسة للسيولة. في المقابل، لم تؤكد مصادر "بوليتيكو" ما إذا كان ثمة اتفاق نهائي بين البلدين، وأشاروا إلى أن كل ما وصل إليهم من معلومات كان عن محادثات مع كوبا حول التجسس على الولايات المتحدة.
وفي إجابته عن أسئلة "بوليتيكو"، اكتفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، بالقول: "نحن واثقون بمقدرتنا على الوفاء بجميع التزاماتنا الأمنية في الداخل وفي المنطقة"، واصفًا التقارير بأنها "غير دقيقة"، لكن من دون تعيين التفاصيل الخاطئة. بالتوازي مع ذلك، نفى وزير الخارجية الكوبي، كارلوس دي كوسيو"، تقرير "وول ستريت جورنال"، لكن السفارة الكوبية في الولايات المتحدة لم تستجب لطلب "بوليتيكو" التعليق.
وفي كل الأحوال، من شأن خطوة كتلك أن تكون سهلة التبرير بالنسبة للصين، كما تعقّب "وول ستريت"، إذ لا تزال الطائرات الأميركية تحلّق بأريحية فوق بحر الصين الجنوبي، فيما تضطلع الولايات المتحدة بأنشطة عسكرية واستخباراتية حيوية على تخوم حدود الأمن القومي الصينية القريبة؛ بمعزل عن المساعدات العسكرية والتدريب الذي تقدّمه لجيش تايوان.
أجراس إنذار
وبحسب ما تنقل "وول ستريت جورنال"، فقد قرعت تلك التقارير أجراس إنذار في أروقة إدارة بايدن، بالنظر إلى قرب كوبا من المناطق السيادية الأميركية، وكذلك إلى أن الصين هي المنافس الاقتصادي والعسكري "الأهم" بالنسبة للولايات المتحدة. وعلى حد وصف الصحيفة، فإن قاعدة صينية بقدرات استخبارية متطورة في الساحة الخلفية للولايات المتحدة ستمثّل "تهديدًا غير مسبوق".
وكان أبرز عضوين في لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، السيناتور مارك وورنر (الحزب الديمقراطي) والسيناتور ماركو روبيو (الحزب الجمهوري)، قد أعربا عن انزعاجهما الشديد" من التقارير، وقالا إنه "سيكون من غير المقبول أن تنشئ الصين منشأة استخبارات على بعد 100 ميل من فلوريدا"، وأردفا "نحثّ إدارة بايدن على اتخاذ خطوات لمنع هذا التهديد الخطير لأمننا القومي وسيادتنا".
كذلك، قال رئيس لجنة الصين في مجلس النواب الأميركي، مايك غالاغر (من الحزب الجمهوري)، في بيان، إن على إدارة بايدن النظر في اتخاذ إجراءات انتقامية، بما في ذلك "وقف تراخيص تصدير هواوي، وتقييد الاستثمار الخارجي في القطاعات الحيوية لجمهورية الصين، ومنع الحزب الشيوعي الصيني من شراء أراضٍ قرب قواعد عسكرية".
وذهب بعض المشرّعين الأميركيين، ومنهم السيناتور الجمهوري جوش هاولي، إلى لوم الإدارة الأميركية على وضع أوكرانيا في مقدمة أولوياته "بينما الصين أصبحت حرفيًّا في حديقتنا الخلفية"، على حد تعبيره.
وقد لا تكون هذه الخطوة غير مسبوقة من حيث الفكرة، فقد بنى الاتحاد السوفييتي بالفعل، في ستينيات القرن الماضي، قاعدة بالقرب من هافانا سماها "استخبارات الإشارات"، وكانت الكبرى من نوعها، إلى حين إغلاقها في عام 2002. قبل ذلك التاريخ بعامين، تحدثت تقارير أيضًا عن أن الصين وقعت اتفاقًا مع الحكومة الكوبية للمشاركة في استخدام الموقع لأغراضها الاستخبارية الخاصة.
في هذا السياق، يعقّب عضو مجلس النواب مايك وولتز (الحزب الجمهوري)، على هذا التطور قائلًا إن "الحزب الشيوعي الصيني يطبّق قواعد اللعبة التي انتهجها الاتحاد السوفييتي".
مسؤول أميركي: الصين تدير منشأة تجسس في كوبا منذ أعوام
وفي السياق نقلت "فرانس برس"، عن مسؤول أميركي قوله السبت إنّ الصين تدير منشأة تجسس في كوبا منذ سنوات وأدخلت عليها تطويرات عام 2019.
وصرّح المسؤول متحدثاً للوكالة عن حضور الاستخبارات الصينية في الجزيرة: "هذا موثق جيداً في سجل الاستخبارات".
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر هويته، أنه عندما تولى الرئيس جو بايدن منصبه في يناير/ كانون الثاني 2021 "تم إطلاعنا على عدد من المساعي الحساسة لجمهورية الصين الشعبية حول العالم لتوسيع البنية التحتية للوجستيات والقواعد والاستخبار في الخارج على مستوى العالم".
وتابع: "شملت هذه المساعي وجود مرافق لجمهورية الصين الشعبية في كوبا لجمع المعلومات الاستخبارية... وقد أجرت جمهورية الصين الشعبية تحديثا لمرافق جمع المعلومات الاستخبارية في كوبا عام 2019".
ومن المقرر أن يسافر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الصين في نهاية الأسبوع المقبل، بعد إلغاء زيارة له في فبراير/ شباط اثر تحليق منطاد صيني في أجواء الولايات المتحدة، في وقت يحرص فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ على الإسراع في توسيع الحضور الأمني في أنحاء العالم.
ومن شأن قاعدة في كوبا الواقعة على بعد 150 كيلومتراً قبالة أقصى جنوب فلوريدا أن تمثّل التحدي المباشر الأبرز حتى الآن للولايات المتحدة القارية.
وقد حذّرت الصين الولايات المتحدة الجمعة من "التدخل في الشؤون الداخلية لكوبا" رداً على تقارير إعلامية عن القاعدة المفترضة.
وفي معرض رده على سؤال حول القاعدة في مؤتمر صحافي دوري، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ونبين إنه "لا علم له" بالمسألة، قبل أن ينتقد السياسة الأميركية تجاه كوبا.
وأضاف وانغ: "كما نعرف جميعاً، يعد نشر الشائعات والافتراءات تكتيكاً شائعاً تتبعه الولايات المتحدة التي تملك براءة اختراع في التدخل بشكل متعمد في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى".
وقال المسؤول الأميركي السبت إن الإدارة تعتقد أن الجهود الدبلوماسية "أبطأت جمهورية الصين الشعبية" في تطوير أنشطتها في كوبا. وتابع: "نعتقد أن جمهورية الصين الشعبية ليست في المستوى الذي كانت تأمل أن تبلغه".